helenio hererasocial media

هيلينيو هيريرا| الساحر المثير للجدل الذي صنع ربيع المدربين


هيثم محمد    فيسبوك      تويتر

يرتبط اسم هيلينيو هيريرا دائما بالكاتانتشيو، أي الطريقة الدفاعية الإيطالية البحتة، وهو الأمر الذي يختلف عن الواقع، فالرجل الذي صنع أول أجيال برشلونة تألقا والجراندي إنتر كان أكثر شمولًا في طرقه التدريبية من مجرد الركون للدفاع، وإذا كان هناك سببا لشهرته، فهو شخصيته وأساليبه التدريبية المثيرة للجدل. 

يبرز اسم هيلينيو هيريرا في أوروبا كرجل أتى بفكرة أن المدرب هو من يصنع الانتصار، وليس اللاعبون، رجلًا ذو أفكار وطباع غريبة وشاذة عن المعتاد نجح بأساليبه وطرقه الغير مألوفة في تكوين فرق سيطرت على كرة القدم في بلادها وفي العالم أجمع. 

ولد هيريرا في بوينس أيريس، عاصمة الأرجنتين، لأبوين إسبانيين كانا منفيان بسبب نشاطهم السياسي. في سن العاشرة رحل إلى الدار البيضاء بالمغرب، حيث بدأ مشواره مع عالم الكرة كلاعب. لم يستمر مشوار هيريرا في الملاعب كثيرا، إذ تعرض لإصابة قضت على مسيرته مبكرا، رغم مسيرة مثل فيها عدة أندية فرنسية والمنتخب الفرنسي في مناسبتين. 

الموضوع يُستكمل بالأسفل

ويرى هيريرا أن مسيرته المتواضعة كلاعب ساهمت في تفوقه في مجال التدريب: "كلاعب كنت شيء حزين، اللاعبون الكبار عندما يدخلون مجال التدريب لا يعرفون كيف ينقلون موهبتهم ويشرحوها بنفس المهارة التي كانوا يبرزونها في اللعب، على عكسي". 

وبدأ هيريرا مسيرته التدريبية في فرنسا من حيث أنهى مسيرته كلاعب، لينتقل سريعا إلى إسبانيا مع بلد الوليد، ومنه إلى أتليتكو مدريد، الذي فاز معه ببطولتي ليجا في فترته من1949-1952، ليبدأ في لفت الأنظار له، ليس فقط بسبب تفوق فريقه، لكن بسبب بروز شخصيته وسط الفريق، على عكس المعتاد من تركيز الأضواء دائما على نجوم الفريق. 

ويقول أدريان إسكوديرو، لاعب أتليتكو مدريد في ذلك الوقت: "كان هيريرا ينزل قبل الفريق إلى أرض الملعب ويستقبل صفير الجماهير وصيحاتهم، مع الوقت الذي كان اللاعبون ينزلون أرض الملعب، كانت الجماهير تصبح منهكة وصامتة من كثرة السباب الذي وجهته له". 

أما ألفونسو أباريسيو، زميل إسكوديرو، فتحدث عن أساليبه التدريبية القاسية: "كنا نتدرب لثلاث ساعات يوميا، وكل يوم بشكل مكثف، عندما كان يأتي موعد المباراة كنا نصبح مثل الوحوش وندمر أي فريق أمامنا". 

Helenio Herera

لم يمكث هيريرا في أتليتكو كثيرا، ليرحل إلى مالاجا، ديبورتيفو لا كورونيا، إشبيلية، وبيلينشيش في البرتغال، حتى حط الرحال في برشلونة في 1958 الذي أتى به في محاولة لإنهاء هيمنة ريال مدريد. 

أدرك هيريرا أن مشكلة برشلونة في الأساس نفسية، فالفريق رغم وجود أسماء مثل لويس سواريز، صانع الألعاب الشهير، وثلاثي المجر الذهبي في ذلك الوقت كوبالا، كوتشيس وزيبور، لكن الفريق كان يشعر أنه ليس في نفس المستوى مع الملكي المسيطر محليا وأوروبيا في ذلك الوقت مع ألفريدو دي ستيفانو. 

وبدأ هيريرا في تطبيق أساليبه القاسية في برشلونة، فكان الفريق يتدرب ثلاثة مرات يوميا، وبطرق قاسية وغير معتادة بالنسبة للاعبي الفريق. 

ويقول لويس سواريز، نجم برشلونة في تلك الفترة: "في أول حصة تدريبية أصيب اللاعبون بالغثيان، لكنه جعل هناك روحا من الجدية، الإقناع والتركيز، كان مختلفا عن أي شخص آخر عملنا معه، كان احترافي، يجعلك أقوى، أسرع، وأعنف، لم يكن هناك مزاح، فقط الجدية". 

ويؤكد أنطوني راماييه، حارس الفريق الكاتالوني، على مدى جدية هيريرا ودقته: "كان يملك ملفا لكل شيء، يعرف حتى جنسية الأب والأم لكل لاعب، متى ولد، كل شيء عنه". 

لكن الأمور لم تتوقف عن ذلك الحد، فبحسب سيد لووي، الصحفي صاحب كتاب الخوف في الليجا، والذي يتحدث عن فترة هيريرا مع برشلونة، فهيريرا كان يقوم بأمور قاسية في بعض الأحيان للوصول لمبتغاه، فكان إذا اشتكى لاعب من الإعياء، يتم زيادة الجرعة التدريبية له، كما قام بكسر الجبيرة الخاصة بأحد لاعبيه لشكه أنه يدعي الإصابة. 

وينقل لووي في كتابه أن هيريرا وصل به الأمر إلى محاولة الإيقاع بين لاعب من لاعبي فريقه وصديقته بسبب شكه في تأثيرها السلبي على مستواه، بل أنه دفع النادي إلى تعيين مراقبين لها وللاعب، وقام بدفع أموال بنفسه إلى شخص ثالث ليصبح على علاقة مع الفتاة ليبعدها عن لاعبه. 

ويمكن اعتبار هيريرا مؤسس مدرسة المدرب المحفز للاعبين، إذ كان يعرف كيف يدفع كل لاعب لتقديم أفضل ما عنده، فيروي سيد لووي أن المهاجم المجر زيبور اشتكى لهيريرا من رغبته في الذهاب إلى بلده في زيارة، فقال له هيريرا سجل ثلاثية وسأسمح لك، ليفعل المجري ذلك في اللقاء التالي مباشرة. كما كان يحترم هيريرا العادات الغريبة للاعبين، بل ويحفزها، فلويس سواريز مثلا كان يتفاءل بسقوط كأسا من الخمر قبل كل لقاء، فعندما علم هو بالأمر أصبح يقوم به بنفسه قبل المباريات الهامة. 

ويقول هيريرا عن الأمر في حوار عام 1994 مع الصحفي سيمون كوبر: "مع الكتالونيين كنا أقول لهم أنتم تلعبون من أجل ألوان تلك المدينة، أما للأجانب، فكنت فقط أحدثهم بلغة المال، كنت أحدثهم عن أطفالهم وزوجاتهم، أنا أملك 25 لاعب، وكل لاعب يتم تحفيزه بأسلوب غير الآخر". 

وعلى الصعيد الكروي، قاد هيريرا الفريق الكاتالوني للتتويج بلقبي الليجا ولقب لكأس الملك في الموسمين الذين قضاهما في برشلونة، معتمدا على كرة هجومية وسريعة، على عكس المشاع عن تفضيله اللعب الدفاعي، إذ سجل الفريق 182 هدفا واستقبل 54 في الموسمين، لكن خلافه مع الجماهير بسبب استبعاده نجم الفريق المجري كوبالا عجل برحيله. 

helenio hererasocial media

وقرر هيريرا بدأ مغامرة جديدة، فرحل إلى إيطاليا ومضى عقدا مع إنتر، في ظروف مشابهة لتلك التي بدأ بها مشواره مع برشلونة، فريق بعيد عن التتويج، ويعيش على أمجاد الماضي، محاولا كسر هيمنة الفريق المسيطر، وهو يوفنتوس في تلك الفترة. 

ويقول هيريرا عن الوضع عند وصوله إلى إنتر: "عندما وصلت كان يمكنك رؤية صور انتصارات الماضي في كل زاوية، شيء رائع، لكن قديم جدا". 

ونقل هيريرا أسلوبه الصارم معه إلى ميلانو، الأمر الذي كان غريبا على إيطاليا التي لم ترى شيئا مماثلا، فبدأ في إبعاد المقصرين، حتى لو كانوا من نجوم الفريق، أسماء مثل أنطونيو أنجيليو، أرماندو بيكي، وماريو كورسو تم عقابهم أو إبعادهم عن الفريق بسبب عدم الالتزام. 

وقام هيريرا بتقوية علاقته بالجماهير، لعلمه بالدور الكبير الذي تلعبه في تحميس اللاعبين، فشجعهم على تكوين روابط المشجعين، ومن هنا نشأت فكرة الأولتراس لأول مرة، إذ ينسب للأرجنتيني الفضل في ظهورها للحياة. 

ولم تتوقف تصرفات هيريرا الغريبة في إيطاليا، إذ كان يأمر مدلكي الفريق بالتجسس على أحاديث اللاعبين، كما نقل لاعب في صفوف إنتر أن المدرب عاقب زميلا له بسبب قوله إن الفريق ذاهب ليلعب في روما، وليس ذاهب ليفوز في روما، ولكن الواقعة الأكثر قسوة كانت عندما توفى والد أرستيد جوارنيري، لاعب الفريق، قبل لقاء ميلان، ليأمر بإخفاء الأمر عن اللاعب حتى نهاية المباراة حتى يشارك ويبقى مركزا. 

كما كان هيريرا أول من استخدم المعسكر التدريبي المغلق قبل اللقاءات الهامة، بغية خلق حالة من التركيز، الأمر الذي وصف بالمعسكرات الحربية من قبل اللاعبين، إذ كان يقوم بعزل الفريق في فندق لا يوجد به أحدا غيرهم، ويقطع الاتصالات مع عائلات اللاعبين، وكان يعاقب المتكاسلين، مثلما فعل مع لويس سواريز، الذي أتى به معه من برشلونة، وماريو كورسو، عندما تأخروا عن موعد تجمع الفريق، فجعلهم يتبعوا الفريق على الأقدام. 

ويتذكر تاركيسيو بورجنيش، مدافع إنتر في تلك الفترة، الذكريات المؤلمة عن المعسكرات: "منذ اللحظة التي نغادر ملعب المباراة وحتى الوصول إلى الفندق، كنا نبقى ثلاثة أو أربعة أيام لا نرى أي شخص باستثناء العاملين والمدربين، كان شيئا ليصيب أي شخص طبيعي بالجنون، لكن نحن تعودنا على الأمر بمرور الوقت، لكن في النهاية، كنا نبدأ بالانهيار". 

أما على الصعيد الكروي، فهيريرا لم ينجح مباشرة مع إنتر، فحل ثالثا في أولى مواسمه، ثم ثانيا في الذي يليه، لتكون نقطة الانطلاق في موسم 1962-1963 عندما أعاد لقب السكوديتو للفريق بعد غياب يقترب من عشر سنوات، ليبدأ عصر "لا جراندي إنتر". 

وتولى هيريرا تدريب منتخب إسبانيا في مونديال 1962 أثناء فترته مع إنتر، ولكن الفريق ودع المنافسة من الدور الأول، كما شارك في الجهاز التدريبي للمنتخب الإيطالي في عامي 1966 و1967 كذلك. 

حقق هيريرا مع إنتر لقب الدوري في ثلاث مناسبات، كما حقق لقب دوري الأبطال للفريق للمرة الأولى في موسم 1963-1964 بالانتصار على ريال مدريد، وحافظ على لقبه كذلك في الموسم الذي يليه، كما حقق للفريق لقب كأس الإنتركونتيننتال في نفس الأعوام، ليسطر الفريق اسمه بأحرف من ذهب كواحد من أقوى الفرق التي شهدتها الكرة على مر التاريخ. 

وخلال تلك الفترة بدأ الحديث عن اختراع هيريرا للكاتانتشيو، الخطة التي ظهرت على يد كارل رابان مع سويسرا في الثلاثينيات، وطورها نيرو روكو في الخمسينيات مع تريستينا، بادوفا وميلان، إذ يتم اعتماد مدافع ثالث بين قلبي الدفاع، المركز الذي عرف بعد ذلك باسم "الليبرو". 

وينسب هيريرا لنفسه الفضل في اختراع وتطوير الكاتانتشيو، إذ يقول إنه طبقها للمرة الأولى في فرنسا في سنواته الأولى عندما كان يأمر لاعب الوسط المدافع بالتراجع للخلف للحفاظ على النتيجة عند تقدم فريقه.  

وفي إنتر قدم هيريرا خطة 3-5-2 بشكل مختلف، إذ قدم للعالم للمرة الأولى مركز الظهير/الجناح، إذ برز اسم جياشينتو فاكيتي، المدافع الأيسر، والذي حوله من قلب دفاع إلى مدافع هداف باختراقاته وتسديداته على اليسار، كذلك كان الحال يمين الملعب عبر البرازيلي السريع جاير. 

Herera facchetti

واعتمد هيريرا على ليبرو يجيد لعب الكرة، وليس فقط الدفاع، في صورة أرماندو بيكي، ليساعده في بناء الهجمات، كما كون خط وسط وهجوم حركي ومهاري في صورة ماريو كورسو، لويس سواريز وساندرو ماتزولا، في مزيج ما بين الدفاع والهجوم الأقوياء، للتأكيد على أن "كاتانتشيو" هيريرا لم تكن دفاعية بحتة، والأرقام أكبر دليل، إذ سجل إنتر 73 هدف في أول مواسمه مع الأرجنتيني، وإن كان الدفاع يبقى هو صاحب الرقم الأكثر تميزا معه، ففي موسم 62-63 استقبل الفريق 20 هدفا فقط، و21 في الذي يليه، وفي ثمان سنوات لم يستقبل الفريق إلا 224 هدفا في المجمل. 

ويتذكر ساندرو ماتزولا، نجم الفريق في تلك الحقبة، كيف كان أداء الفريق مع هيريرا في لقاء مع الموقع الرسمي للفيفا: "عندما يتحدث الناس عن الكاتانتشيو يجب أن أوضح أن في الموسم كنا نلعب 40 لقاء هجومي وستة فقط بهذا الدفاع البحت، في أرضنا مثلا كان لاعبي الدفاع يمضون 60 دقيقة من وقت المباراة في البحث عن فتاة حسناء في المدرجات، أما خارج أرضنا فكان الوضع مختلف، كنا نشعر بالضغط وعدم الثقة والأمان ونتراجع بشكل مكثف". 

وبعد ثمان سنوات من ذهب في ميلانو، رحل هيريرا إلى العاصمة ليتولى قيادة روما في محاولة لإعادة الأمجاد للذئاب، لكن التجربة لم تكن بنفس القدر من النجاح مثل سابقيها، إذ لم يفز مع الفريق سوى ببطولة لكأس إيطاليا في 1969، وشابت تلك التجربة واقعة مثيرة للجدل بعد وفاة لاعب الفريق جوليانو تاكولا بعدما أصيب اللاعب بمشاكل في القلب قبل لقاء للفريق بيوم، لكن هيريرا أصر على سفره مع الفريق للعب أمام كالياري، لكنه لم يتمكن من اللعب، وبقي في المدرجات، ليتوفى في غرف خلع الملابس بعد اللقاء مباشرة، الأمر الذي تم لوم هيريرا عليه بسبب اصطحابه للاعب وهو يعلم بمرضه. 

وعاد هيريرا إلى إنتر في 1974، لكن استمر موسم واحد فقط، ليرحل إلى ريميني، ومنها إلى برشلونة مرة أخرى، والذي فاز معه بلقب للكأس في 1980-1981، ليكون ذلك العام هو الأخير له في عالم التدريب، إذ قرر ترك المجال والتفرغ للكتابة الصحفية، ليرحل الساحر، اللقب الذي أطلق عليه بسبب توقعاته الصحيحة لنتائج المباريات، عن عالمنا في 9 نوفمبر 1997 في مدينة فينيسيا الإيطالية. 

إعلان