دخلت في نقاش منذ عامين تقريبًا مع زميلتي، زهيرة عادل، حول حال الإعلام الرياضي السعودي المهتم بكرة القدم تحديدًا، وقد دافعت عنه مقابل انتقادها اللاذع له ولمحاولته الدائمة إثارة الجدل، وقلت يومها أنه يُشبه الإعلام الإيطالي الخاص بكرة القدم ولعبه على وتر المناوشات الجماهيرية وتمثيله للمدرجات خلف الشاشات.
الحقيقة أنني مازلت من عشاق هذا النوع من الإعلام، المثير الجدلي غير البارد وغير التقليدي، أحب شخصيًا أن يُحاول الإعلامي أو الصحفي استفزاز مشاعري الكروية حتى لو كانت بعكس ما أهوى، وأرى تلك المناكفات بين الصحفيين المنتمين للأندية شيء من متعة وإثارة كرة القدم خارج الملعب وبعد الـ90 دقيقة، ولهذا يقولون أن المباراة في إيطاليا لا تنتهي بصافرة الحكم بل تبدأ بعد الصافرة وتنتهي حين تنطلق المباراة الجديدة.
اقرأ أيضًا | مُنقذ الاتحاد .. الخيار الأفضل لإنقاذ الأهلي
الحقيقة أيضًا أن ما يحدث من البعض في الإعلام الرياضي السعودي في الأشهر الأخيرة تجاوز الحدود، لم يعد الأمر مجرد مناكفات إعلامية واستفزازات مقبولة، بل اكتسى ثوب الابتذال، مع كامل احترامي لجميع الإعلاميين والصحفيين السعوديين، وأصبح خارج حدود المنطق ودخل منطقة العبث.
أحدهم يقص صورة من مقطع فيديو ويُدلل بها على أن قرار الحكم خاطئ، رغم أن الصورة خادعة تمامًا، وأحدهم يقول أن سبب الخسارة هو خياط ملابس الرجال، وأحدهم يُكيل الاتهامات لآخر، وصحفي يُقلل من بطولة ويصفها بالأرشيفية، وآخر يلغي جزءًا من التاريخ لأن فريقه لم يكن به، والعديد العديد من الأمثلة الغريبة والمؤسفة.
والمؤسف أكثر أن ما يحدث من بعض الإعلاميين والصحفيين لا يُسيئ لهم فقط، بل للإعلام الكروي السعودي كاملًا ولكرة القدم السعودية، لا أعلم ما هدفهم وما هي دوافعهم للخروج بتلك التغريدات والتصريحات، وباعتقادي أن أغلب ما يحدث يدور في فلك "تجارة السوشيال ميديا".
تجارة السوشيال ميديا تهدف للبحث عن التفاعل القوي من المتابعين ومن ثم المزيد من الانتشار والتأثير ومن ثم الحصول على الإعلانات والربح المالي، هذا باعتقادي التفسير الوحيد لما يحدث من أولئك الذين فرطوا في ضميرهم الإعلامي لتحقيق الربح من تلك التجارة.
تجارة قد تدر الأرباح فعلًا، وقد تدفع بالإعلامي والصحفي للواجهة وليكون ضيفًا في أحد البرامج، لكن الأكيد أنها تجارة خاسرة مع ضميره الإعلامي، والأكيد كذلك أنها تجارة خاسرة على المدى الطويل، لأن المتابعين سيملون يومًا ما من تلك الطريقة المبتذلة في الطرح الإعلامي ويتجهون لم يُقدم لهم الحقائق والمنطق دون تزييف أو عبث.
أختم أخيرًا بالتأكيد على أن المقال ليس موجهًا لأحد بعينه، ولا يُقصد به أي صحفي أو إعلامي محدد، بل هو لمن سلك هذا الطريق وانتهج هذا النهج في إعلامه، مع التأكيد على أن هناك العديد من المحترمين والمهنيين جدًا في الإعلام الكروي السعودي الذين نستمتع بهم وبآرائهم حتى لو كانت تميل لنادٍ وضد آخر، لكن الجميل أنها تخضع للمنطق ولا تضحك على العقول.
