"انتهت الأولمبياد والآن سنعود من جديد لملل متابعة كرة القدم كل سبت وأحد"، كانت تلك تغريدة من أحد مستخدمي "X" عقب حفل ختام الألعاب الأولمبية باريس 2024، كلمات قد يكون وقعها غريباً على الكثيرين، ولكن الكثيرون أيضاً تشاركوا في نفس الرأي بعد قرابة أسبوعين من المتعة في عاصمة النور أعادت فتح الحديث عن الشغف المفقود في عالم الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، بالسنوات الأخيرة.
خرج الأسطورة رونالدو وقال إنه توقف عن مشاهدة الكرة وتحول لكرة المضرب لأن الأولى أصبحت مملة ولا يطيق الاستمرار في متابعتها، كلمات تكررت وقيل مثلها مؤخراً من نجوم الكرة مؤخراً مثل مارك أندريه تير شتيجن حارس برشلونة، وحتى أسطورة برازيلية أخرى للنادي الكتالوني، رونالدينيو، قال إنه لن يتابع سحرة اللعبة في بلاده في كوبا أمريكا بسبب غياب المتعة، قبل أن يتراجع بسبب الهجوم ويدعي أنها كلمات دعائية.
كرة القدم أصبحت مملة، لا شك في ذلك حتى لو لم يعجب ذلك بيب جوارديولا ورفاقه قادة ثورة الكرة الحديثة، ولكن ليس هم فقط من يلاموا على ما آل إليه حال المشجع الفاقد لشغفه، ولكن الاتحادات التي تناست كيف كانت اللعبة ممتعة حقاً، وما كانت تعنيه مصطلحات مثل "السبت الممتاز" و"ليالي الأبطال"، لتجد نفسك الآن أمام مباريات كل أيام الأسبوع ودوري أبطال بمواجهات مكررة كل سنة، معتقدين هؤلاء المسؤولين أن الكم وليس الكيف هو الطريق نحو المشاهد والمشجع الباحث عن لحظة استثنائية تعيد له الحماس كما فعلت باريس 2024.
لست من محبي كرة السلة، ولكن تابعت عن كثب مشوار رفاق ستيف كوري وليبرون جيمس والصدام مع صربيا وجنون النهائي ضد فرنسا، ولست خبيراً بالطائرة ولكن الحالة التي صنعها منتخب سيدات إيطاليا مع ومدربه خوليا فيلاسكو والمواجهة بين لاعبته دي جينارو وزوجها في لقاء تركيا الفريدة من نوعها، وعشت، كالعادة، مع كرة اليد لحظات التوتر والفرح مع كل ثانية وهجمة في مباريات المنتخب المصري حتى خيبة الأمل ضد إسبانيا بالهجمة الأخيرة، ولا داعي لسرد ما عشناه من إثارة ولحظات حماسية مع الألعاب الفردية بفضل إيمان خليف، ونوفاك دجوكوفيتش، وسيمون بايلز والبقية.
عشنا مع الأولمبياد لحظات فرح وقلق وحزن وتوتر وغضب "حقيقية"، كتلك التي كمحايد شعرت بها وأنت تشاهد ظلم تشيلسي ضد برشلونة في 2009، أو عندما سجل شيرينجهام وسولشاير لمانشستر يونايتد بالوقت القاتل ضد بايرن ميونخ في 1999، أو كهدف أجويرو الشهير لحسم الدوري الإنجليزي الممتاز، مواقف تحرك بك المشاعر حتى لو لم تكن مشجعاً لأبطالها، نفس ما حدث خلال الأيام الماضية ونحن نفرح لرحلة خليف نحو الذهب رغم الحملات، ونفتخر بالنشيد الجزائري وهو يعزف في قلب باريس بفضل جزائرية فرنسية تبلغ من العمر 17 عاماً تدعى كيليا نمور، أو حتى مغ غير العرب وأنت تشاهد متأثراً لاعبة الصين ترفع علم إسبانيا على المنصة تكريماً لخصمتها المصابة، أو تضحك مع ضحكات لاعبات الكرة الطائرة الشاطئية عقب شجار فضه منسق الأغاني.
كرة القدم كأي رياضة بالنسبة للمشجع تخاطب المشاعر، سواء كنت في الملعب أو أمام التلفاز، تلك التسعين دقيقة رحلة تعيشها لتتفاعل معها وليس لتشاهدها وأنت تعلم مسبقاً كيف سيكون حال أكبر مبارياتها كما كان حال غالبية المشجعين قبل نهائي دوري الأبطال الأخير، أو أن تشاهد أمم أوروبا وأنت تتمنى فقط أن لا يتوج فريقاً بعينه بسبب الأداء السيء الذي قدمه هو ونجومه على مدار الدورة بأكملها!