اشتهرت في الأدب العربي قصة حليمة الزنارية، امرأة عُرفت بسوء السلوك والسمعة، ولكن قررت التوبة والابتعاد عن الأخطاء وتصحيح المسار، ولكن لم تلبث إلا قليلاً وعادت من جديد لأفعال ماضيها، ومن هنا أتت مقولة "عادت حليمة إلى عادتها القديمة".
ويمكن القول إن أنطونيو كونتي، مدرب إنتر، هو حليمة كرة القدم، فلا يختلف أحد أن الإيطالي من أفضل المدربين في العالم بالسنوات الأخيرة، ولكن يعيبه الشكوى وعدم تحمل المسؤولية عندما تسوء الأمور، وظن البعض أنه ربما تعلم من أخطائه، ولكن ما حدث في لقاء بوروسيا دورتموند أعاد السيناريو مجدداً.
سقط إنتر أمام الفريق الألماني بنتيجة 3-2 بعدما تقدم بهدفين نظيفين، وتكررت حالة الغياب التام للفريق في الشوط الثاني كما حدث من قبل أمام برشلونة، يوفنتوس، ساسولو، ومؤخراً بريشيا، ليخرج كونتي بعد المباراة غاضباً في تصريحاته، وخالقاً الأعذار للسقوط غير المبرر للنيراتزوري بعد شوط أول أكثر من ممتاز.
كونتي ذكر أن فريقه يعاني من الإصابات، وعند الرد عليه أن كل الفرق تعاني منها قال ولكن نحن أكثر، ثم ألمح لغياب الخبرات في فريقه، مشيراً أن ماذا سيفعل لاعباً قادماً من كالياري أو ساسولو، في إشارة للثنائي نيكولو باريلا وستيفانو سينسي، اثنين من أفضل لاعبيه منذ انطلاقة الموسم، والذان سيكلفا خزينته قرابة 70 مليون يورو.

ولم يكتف المدير الفني بذلك، بل ألمح لمسؤولية الإدارة في الهبوط الكبير لمستوى الفريق، إذا أشار أن هناك تخطيط خاطيء للمشروع من قبل بداية الموسم، وعاد وكرر مطالبته بتدعيم صفوف فريقه، وعدم الانخداع بالنتائج الأخيرة وترتيب الفريق بالدوري.
وربما يكون كونتي محقاً في النقطة الأخيرة، إنتر مؤخراً يفوز ولكن لا يقنع، الدفاع الحصين استقبل سبعة أهداف في اللقاءات الأربعة الأخيرة، والفريق يعاني لانتزاع النقاط كما حدث أمام بولونيا وبريشيا في آخر جولتين، ولكن بقية اتهاماته ليست في محلها، ألم يلعب دوراً رفقة بيبي ماروتا وبقية الإدارة في تحديد أهداف الميركاتو؟ كل الصفقات التي قام بها الفريق الصيف الماضي، وصرف مبلغاً يقترب من المائة وخمسين مليون يورو كانت من اختياراته ومباركته، وخطة النادي للموسم لم يعترض عليها في الأشهر الأولى، وظهر الانتقاد لها مع تراجع النتائج.
FC Interعندما تولى كونتي تدريب يوفنتوس في 2012 أخذ فريقاً حل سابعاً بالسيري آ لقهر ميلان حامل اللقب وتحقيق السكوديتو، وقتها كان الفريق يفتقد للثقة بعد سنوات من التخبط، ولم تكن اسماء مثل ليوناردو بونوتشي أو أرتورو فيدال فازت بأي ألقاب أو تملك الخبرات، كما هو الحال الآن في تشكيل إنتر.
انتقادات كونتي للإدارة والآخرين أمر تكرر في يوفنتوس وتشيلسي من قبل، في البيانكونيري هاجم إدارته بعدم تلبية رغباته في الميركاتو وعدم ضم نجوم من العيار الثقيل وتوفير الأموال، ووقتها قال تصريحه الشهير بأن لا يمكنك أن تدخل مطعم فخم وتسأل ماذا يمكن أن أطلب مقابل عشرة يورو.
في لندن كرر كونتي الأمر، فبعد عام أول كان فيه الحاكم بأمره بعدما حقق البريميرليج، بدأت المشاكل والصدامات مع إدارة ليست بالسهلة يترأسها رومان أبراموفيتش، وانتهى الأمر بإقالته ودخول في متاهات المحاكم مع تشيلسي.
هزيمة إنتر واقترابه من وداع دوري الأبطال قد يبرر حالة الغضب التي يمر بها كونتي وتصريحاته، ولكن إدارة إنتر لن يعجبها تكرر الانتقادات لها بعد كل عثرة للفريق، وستنتظر بعضاً من تحمل المسؤولية من قبل المدير الفني ولاعبيه بعد الأموال التي صُرفت والمجهود الكبير المبذول لإعادة بناء هذا الفريق، وماروتا بالتحديد الذي يعرف كونتي جيداً من سنوات يوفنتوس.
حتى الآن قام كونتي بعمل جبار مع النيراتزوري في الجولات الأولى، الفريق عاد منافساً على قمة الدوري، ويقدم كرة قدم جيدة، ولكن بدأت المشاكل في الظهور، أمر متوقع لفريق في طور التكوين ويلعب على أعلى المستويات، وهنا الدور الذي من أجله يدفع إنتر تسعة ملايين موسمياً للمدير الفني، لذا لربما الأفضل لكونتي هو التركيز في عمله الفني، وتأجيل انتقاداته لنهاية الموسم بدلاً من هدم كل ما قام به.
