زيلا عواطف، هذه هي سياسة فلورنتينو بيريز في حالة غرق السفينة، وفي التعامل مع المستقبل دون النظر إلى الماضي، وفي الخط الفاصل ما بين الاحترافية وعدمها، المشكلة أنها جاءت معك أنت يا زيدان، فقبلك لم يكن هناك من هو يقدر مثل هذه الأشياء إلى تلك الدرجة التي تضعها فيها أنت، ولكنهم جميعًا تضرروا، أما أنت فكُسر قلبك تمامًا.
زيدان قال في حوار مع صحيفة آس الإسبانية: "جماهير ريال مدريد العزيزة، لاكثر من 20 عامًا ومنذ المرة الأولى التي ارتديت فيها قميص الفريق أظهرتم لي كل الحب. أردت ان أكتب هذا الخطاب لأودعكم وأعلمكم بأسباب رحيلي عن تدريب الفريق".
بهذه الكلمات بدأ زيدان، لم يتحدث عن 20 عامًا من الألقاب، ولا النجاحات، ولا ما قدمه للفريق لاعبًا ومدربًا قبل أن يتحدث عن العاطفة والحب التي جمعته بالفريق الملكي، وربما هذا ما آلمه. "الرسالة الكاملة لزيدان من هنا"
بالحديث عن إقالة أو استقالة أو رحيل زيدان بأي طريقة بعد نهاية الموسم الحالي لن تجد خيارًا آخر، العقد انفرط ولم يعد لدى المدير الفني الفرنسي الجديد ليقدمه، وكانت القصة تنتظر نهايتها حتميًا بنهاية 2021، ولكن..
"كنت أود أن تكون علاقتي بالنادي وبالرئيس في الأشهر الأخيرة مختلفة قليلاً. لم أطلب امتيازات، بالطبع لا، فقط أطلب تذكر ما حققناه".
زيدان أصر على توضيح أن المشكلة لم تكن في الصفقات ولا التدعيمات ولا في أي شيء مادي، فقط، الاحترام، فقط تأمين منصبه، فقد الحفاظ على صورته أمام الإعلام وأمام لاعبيه حتى يستطيع المضي قدمًا، ولكن ذلك لم يحدث.
شكوى زيزو لم تكن جديدة، وكانت واضحة حين انفجر في وجه الصحفيين قبل أشهر وتخلى عن هدوئه فقط ليوصل رسالته للصحافة والإعلام، والتي اتضح فيما بعد أنها كانت موجهة أيضًا لفلورنتينو بيريز شخصيًا ولكل من لديه يد في إدارة النادي الملكي.
المدير الفني السابق لريال مدريد تحدث وقتها وبعد شفائه من فيروس كورونا وعودته إلى قيادة لاعبيه من جديد أن الفريق الذي يتعرض للانتقادات اللاذعة من الجميع في الوقت الحالي كان بطلًا للدوري الإسباني العام الماضي وليس قبل 10 سنوات.
Gettyاشتكى وقتها من قلة الاحترام، وهو نفس ما عاده في رسالته الجديدة، تهديده بالإقالة من ناحية، وتسريب الأخبار من داخل النادي برحيله المحتمل وبكون وضعه مهددًا، وبأنه من الممكن أن يرحل لو خسر مباراة واحدة، دون النظر إلى ما حققه قبل أشهر قليلة.
زيزو عاد أيضًا إلى موافقته على العودة إلى ريال مدريد في ولاية ثانية بعد رحيله بـ 9 أشهر، فقط لأن فلورنتينو بيريز طلب منه ذلك شخصيًأ، ورأى في عيون مشجعي الملكي الرغبة ذاتها، والتي أعادت إليه الحماس من جديد.
ولكنه مقابل ذلك، كان ينتظر أن يجد في ظهره دعمًا، ولكنه شعر بآلام خنجر ظل في ظهره حين بدأت الأمور تسوء قليلًا، فمنعته الآلام من محاولة إصلاح أي شيء ولكنه ظل يحاول للنهاية، وحين حانت، لم يستطع أن يكتم بداخله ما عانى منه، وهنا نصل إلى لب المشكلة التي باتت تعاني منها إدارات الأندية الكبرى، خاصة وأنها في يومنا هذا تمتلئ بمن لا يعرفون شيئًا عن كرة القدم.
في عالم البيزنس والمال والأعمال، لا وجود للمشاعر، ليس ذلك فقط، بل لا وجود للبشر أصلًا، الأمور تختلف تمامًا عن كرة القدم التي تتحكم فيها خطط وتكتيكات وحالة نفسية ومعنوية والكثير من التفاصيل التي لا تتوقف عند الأوراق المالية وأسهم الشركات والبورصة والأرباح التي تدخل الخزائن بنهاية العام.
مفترق الطرق ذلك هو من يجعل الإدارات تتخذ قرارات عشوائية في الأوقات التي تحتاج إلى سياسة وهدوء وحفاظ على الاستقرار الداخلي، وكلما قلّت مساحة وجود الأشخاص الذين يفهمون في كرة القدم داخل مراكز اتخاذ القرار بالأندية الكبرى كما يحدث بالفعل في السنوات الأخيرة كلما زادت هذه المشاهد العبثية وانتشرت أكثر، معادلة بسيطة للغاية.
بيريز مع كارلو أنشيلوتي لم يكن مختلفًا، اصطدم به بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا "العاشرة التاريخية" بأشهر قليلة والسبب أنه قام بإخراج جاريث بيل الذي أتى مقابل 100 مليون يورو ويجب أن يلعب دائمًا لأغراض تسويقية، لم يكن هناك اعتبار للوضع الفني والرياضي الذي اتخذ على أساسه المدرب الإيطالي ذلك القرار.
والأهم من ذلك، لم يتم مراعاة أن ذلك المدير الفني فاز معك للتو بأهم بطولة في تاريخ النادي بالقرن الحادي والعشرين حتى ذلك الوقت، وأنه في حال أخطأ أصلًا لا يجب أن يذبح بتلك الطريقة، ولكن في عالم المال والأعمال، لا وجود لذلك كما أخبرناك في البداية.
أسلوب الإدارة الصحيح ليس دائمًا في وضع من يليك في التدرج الوظيفي تحت ضغط دائم لكي يصلح ما فسد، خاصة إذا كان مديرًا فنيًا لعدد من اللاعبين، أي لا يتحكم في أشياء جامدة، بل في مجموعة من اللاعبين تزيد عن الـ 30 فردًا، تختلف تجاربهم ومراحلهم العمرية وقدرتهم على التعامل مع الضغوطات والظروف السيئة.
هذه الأزمة كانت خنجرًا في ظهر زيدان، الرجل الذي لم يستحق أن يعامل بتلك الطريقة حتى لو أن ملامح نهاية مشروعه مع ريال مدريد اتضحت منذ أشهر.. في عالم المال والأعمال لا يهم كيف تكون الطريقة، ولكن في كرة القدم مثل هذه الأشياء تخلق أزمة على مستوى الاستقرار والثقة وما إلى ذلك من المفاهيم التي تبدو مجردة بعض الشيء وحالمة أكثر من اللازم بالنسبة لآخرين.
في برشلونة قام النادي بإهانة فالفيردي ووضعه على قائمة انتظار وهمية حتى يتفقوا مع مدرب آخر، رغم كون إقالته مستحقة ولكن النادي رفض تحمّل عواقب التجديد له في وقت لم يستحق فيه ذلك، وحين غرقت السفينة تمامًا قرروا إهانته لغسل أيديهم من حماقات ارتكبوها تتجاوز حجم إخفاق فالفيردي نفسه بسنوات ضوئية.
سباق الكرة الذهبية 2021.. تقدم كريستيانو رونالدو وكانتي بالصدارة
في مدريد وبرشلونة وفي أماكن أخرى، مع زيدان وفالفيردي وآخرين، ستظل الدائرة تدور كذلك نظرًا لإقحام من لا يفهمون في كرة القدم داخل المشهد، ليتحوّل الهادئ المتبسم زيدان إلى تلك الصورة وما هو أسوأ، كون المقدمات العبثية تؤدي إلى نتائج لا تختلف عنها في شيء.


