إذا تناقلنا بين البرامج الرياضية السعودية، أو بحثنا في أرشيفها عن حلقات أساطير الكرة السعودية، فسنجد أن الحديث مقتصرًا على أسماء معينة، أسماء قرر الإعلام أن يقتصر كلمة "أسطورة" عليهم هم فقط، وكأن الكرة السعودية لم تعرف غيرهم، لكن الحقيقة أن البرامج نسيت أو بالأحرى تتناسى أساطير أخرى، منحت الكرة السعودية الكثير والكثير إلا أن ابتعادها عن الأضواء والمجال الرياضي، جعل تاريخها يسقط من حسابات، لكن بالطبع لم ولن يُمحَ أبد الدهر.
حديثنا في هذه الحلقة من سلسلة "أساطير سعودية منسية" عن خالد مسعد، الاسم الذي لا يعرفه جيل الألفينات..
في 23 من نوفمبر عام 1971 ميلاديًا، وُلد الأنيق، في حي "القريات" الشعبي بمدينة جدة، ثم تمر السنوات عليه، حتى يبدأ في ممارسة معشوقته في أزقة جدة وبالدورات الرمضانية، ثم تلتقطه أعين الكشافة بالنادي الأهلي، ليفز الراقي بلاعب الوسط الفذ، الذي تم تصعيده إلى الفريق الأول وهو ابن الـ16 عامًا، على يد البرازيلي تيلي سانتانا؛ المدير الفني آنذاك.
عين سانتانا قدمت للكرة السعودية أفضل لاعب وسط في تاريخها، صانع الأهداف ومسجلها، مهارة وسرعة ودقة في التمريرات والتصويبات والعرضيات، فالحديث لن يسعنا لوصف موهبة ونجومية من صال وجال سواء مع الراقي أو المنتخب السعودي، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وكتبت مسعد بيده نهاية هي الأسوأ - كما وصفها هو - حتى أن أعدائه ما كان ليكتب له هذه النهاية في عام اعتزاله 2003..
في عام 2001، قرر الأنيق صاحب القميص رقم 14 أن يرحل عن قلعة الراقي، متجهًا إلى الجار نادي الاتحاد في صفقة انتقال حر، ليعتبرها جمهور الأهلي "طعنة في ظهرهم".
القصة بدأت بعدما دخل مسعد في خلاف مع الأمير محمد العبد الله الفيصل؛ رئيس الأهلي آنذاك، إذ أصر اللاعب على الحصول على مقدم عقده قبل أن يجدد، وهو ما كان يخالف سياسة النادي وقتها، لينشب خلاف كبير بينهما، دفع صاحب الرقم 14 إلى التمسك بموقفه، ليقرر الرحيل مجانًا إلى العميد، بعد نصيحة من نجم الأخير أحمد جميل.
يقول خالد مسعد عن هذا الموقف، في حوار سابق له لصحيفة "عكاظ": "لن أوفي هذا الرجل حقه فقد دعمني ووقف بجانبي في أوقات لن أنساها أبدًا كوني أدين بالفضل بعد الله لسموه على عدة مواقف مشهودة لها الأثر والاعتزاز البالغ في نفسي طيلة مشواري في الملاعب.. لذلك أتألم كثيرا عندما أتذكر اللحظات التي أعقبت فترة انتهاء عقدي مع الأهلي وأني لم أقم باستشارة سموه على انتقالي لأني كنت مدركًا وواثقًا بأنه سيرفض ذلك، وأنا اعتبر ذلك خطأ آخر مني في حق هذا الرجل وفي حق الأهلي وأتمنى أن يسامحني الأمير خالد على ما قمت به وأنا اعتذر لسموه كما اعتذرت للأمير محمد ولكل شرفيي وجماهير الأهلي لأني دمرت نفسي بقرار ترك النادي".

حياة "مُسعد الجماهير" انقلبت رأسًا على عقب عقب رحيله للاتحاد، ليس فقط بالملعب وخسارته لما بناء طوال الـ16 عامًا مع الأهلي وجماهيره، لكن كذلك خارج الملعب، فقد أدرك خطئه بعد ذلك، وتدمرت نفسيته، حتى أكد أنه لم يعد يعرف نفسه..
صاحب القدم اليسرى الفذة، قال عن هذه الخطوة في حديثه لـ"عكاظ" في عام 2006: "أنا موجود، لكن عايش ومو عايش، حسدي موجود، لكن خالد مسعد الآخر لا زلت أبحث عنه، يمكنني أن أقول (تيتي تيتي.. زي ما رحتي جيتي)، فقد جنيت على نفسي، وكتبت قرار نهايتي المؤلمة مع سبق الإصرار والترصد، فقد كانت توابعه مؤلمة وحزينة.
"أقسم أنني أعيش وضعية نفسية حرجة لا أريد سوى تفهم الأهلاويين للخطأ الذي ارتكبته سواء بترك النادي أو التبعات التي سبقت انتقالي، فأنا هنا أعترف بالخطأ وخطأ الشاطر بعشرة بحسب ما يردد.. وقد لمست وعايشت طيلة الأشهر الماضية زعل وعتب الكثير من الأهلاويين على شخصي، وأنا مدرك تمام الإدراك بأن هذا الزعل في محله وأنهم الصح وأنا من كنت على خطأ لإقتناعي بأنني اتخذت قرارًا انفعاليًا بترك النادي ولم استشر أي شخص ناهيك عن إساءاتي للنادي ولرموزه.
لا شك أن الأشهر الماضية كانت بمثابة الفرصة والواقع الحي الذي جعلني أعيد حساباتي وأتأكد مجددا بأني ارتكبت خطأ شوه تاريخي وخدش الـ «16» عاما التي قضيتها بين أركان القلعة.. ولأكون صادقا معك تأكدت من خلال حياتي اليومية ارتكابي غلطة كبيرة، فأنا أقرأ في عيون الجماهير ونظراتهم وكأنهم يقولون لي أنت مذنب.. وبصراحة هذا الشعور أصابني بحالة نفسية وسبب لي توترًا وعدم رضا وإحباط يطاردني في الشارع.. فأنا ألوم نفسي كل يوم ولن أزيد في ذلك وكل ما كنت ابحث عنه هو أن أكسب احترام نفسي من جديد بعد ذلك الخطأ ولن أقول سوى قدر الله وما شاء فعل".
اقرأ أيضًا - أساطير سعودية منسية | 142 مباراة مع الأخضر والنهاية سجين وحارس أمن
تعاطف الجماهير معه:
في أواخر العام الماضي، ظهر خالد مسعد للأضواء من جديد، لكن رغمًا عنه وفي صورة يُرثى لها، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنه وكما ودع الملاعب بطريقة لا تُذكر ولا تليق بنجمًا وأسطورة، فقد عصفت به ظروف الحياة الصعبة أيضًا، إذ أنه خسر تجارته في الهواتف النقالة والملابس الرجالي، ليصبح عاطلًا قبل أن يحول سيارته الخاصة إلى سيارة أجرة لنقل الركاب.
يقول مسعد عن مهنته، في حديثه لصحيفة "سبق": "يتعرض الإنسان في حياته لظروف قاهرة، قد لا يوفق بعد الاعتزال في أعماله الخاصة، والحمد لله على كل حال، نحن في مجتمع مترابط، فأنا سلمت أمري لله من قبل ومن بعد".

إنجازاته:
لقب كأس ولي العهد مع الأهلي 1998.
حقق لقبي دوري سعودي مع الاتحاد موسمي 2000-2001، 2002-2003.
لقب السوبر السعودي المصري مع الاتحاد
أفضل لاعب عربي عام 1992 بعد الدورة الودية التي أقيمت بسوريا.
حقق مع المنتخب السعودي لقبي كأس آسيا 1988 و1996.
شارك في كأس العالم 1994، التي صعد بها الأخضر لدور الـ16، وتأهل مرة ثانية عام 1998.
هداف التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1998.

قالوا عنه:
الإعلامي الأهلاوي أحمد الشمراني لـ"جول GOAL": الحديث عن خالد مسعد، حديث به شجون، فهو من اللاعبين الذين بإذن الله إذا أقيم له مهرجان اعتزال سأكون أحد الذين يشاركون في المهرجان بكتاب خاص عنه بعنوان (الأنيق).
"خالد مسعد لاعب كبير، لاعب فذ، وإذا كان هناك مثلًا خمس أساطير مروا على الكرة السعودية، فمسعد منهم، وإذا كانوا أربع فمسعد منهم أيضًا، وإذا كانوا ثلاث فهو منهم كذلك، لأن خالد مسعد متفق عليه من الجميع أنه موهبة كبيرة وقدم ما لم يقدمه أنصاف اللاعبين الذين تحولوا إلى نجوم شباك بفضل الإعلام وبفضل أشياء أخرى، لكن مسعد أنصفه التاريخ ولم ينصفه الإعلام".
موسى المحياني؛ إداري الأهلي السابق، لـ"جول GOAL": "خالد مسعد أحد الأساطير المهمة في كرة القدم السعودية، نجم كان ولا زال ملهمًا لكثير من أبناء جيلي.
"لا يوجد ثناء أكبر من أن يتم تشبيه أحدنا بالأنيق رغم أننا نسمع كثيرًا (عامل نفسه خالد مسعد)، ولكن محاولات تقليده لم تكن تتوقف، ترويضه للكرة، تسديداته، تمريراته، خاصةً الطويلة منها، تفاصيل لم نكن نكتفي بإعادة مشاهدتها مرات ومرات.
"في وجهة نظري المتواضعة هو أكمل لاعب وسط متقدم في تاريخ الكرة السعودية".
