Mohamed Salah Arne Slot Liverpool GFXGOAL

ليالي الخميس الحزينة تناديهم بعد صلاح.. ليفربول يقرر العودة لزمن المركز السادس طواعية!

دعونا نمزق نصوص المؤتمرات الصحفية المعلبة، ونلقي بقواعد الحياد المصطنع في أقرب سلة مهملات. 

ما حدث بعد موقعة ليدز يونايتد لم يكن مجرد تصريح ناري عابر؛ كانت صرخة قهر هزت أركان كل من يفهم لغة كرة القدم، وضربت وتراً حساساً لديّ كاتب هذا المقال شخصياً قبل أي مشجع آخر. 

لماذا؟ لأن كلمات محمد صلاح هذه المرة لم تكن مجرد رد فعل؛ بل كانت مرآة عكست شريط ذكريات طويل لكاتب هذه السطور.

لقد تزامنت سنواتي الأولى المتعثرة في بلاط صاحبة الجلالة مع البرعمة الأولى لموهبة صلاح محلياً، وكبر قلمي بينما كان هو يلتهم العالم خطوة بخطوة. 

نعم، لقد انتقدته بقسوة في مواقف سابقة، واختلفنا – كصحافة وجمهور – مع بعض قراراته، ولم نكن دائماً في صفه ولكن، عندما يخرج الرجل الذي انتشل ليفربول من سرداب النسيان ليقول بصوت مختنق: "النادي رماني تحت الحافلة!"، فهنا يجب أن يسقط قلم النقد، وننحني احتراماً للوجع الصادق. 

هذه الكلمات ليست رأي المؤسسة التي أكتب فيها، ولا تحليلاً بارداً للأرقام؛ إنها شهادة شاهد عيان على رحلة صعود أسطورية، يراها اليوم تتعرض لمحاولة اغتيال معنوي دنيئة.

  • Leeds United v Liverpool - Premier LeagueGetty Images Sport

    ذاكرة السمكة.. هل اشتقتم لليالي الخميس الحزينة؟

    قبل أن يسن أي إداري في مكاتب ليفربول المكيفة سكاكينه لذبح صلاح، أو يخرج علينا فلاسفة التحليل في الاستوديوهات لتبرير تهميشه بحجة تجديد الدماء، عليهم أن ينفضوا الغبار الكثيف عن ذاكرتهم المثقوبة. 

    هل نسيتم العصر الحجري قبل وصول صلاح؟ تلك السنوات العجاف التي كان فيها طموح جماهير الأقصى هو خطف مقعد بائس في الدوري الأوروبي؟

    لقد كان الأنفيلد -قبل عصر صلاح- مقبرة لأحلام الطامحين ومسرحاً للخيبات المتتالية، حتى هبط هذا الشاب المصري في  أنفيلد رود عام 2017 ومعه الترياق.

    هذا الرجل لم يكتفِ بدك حصون الخصوم وتمزيق شباكهم؛ بل زرع شخصية البطل في فريق كان قد أدمن الفشل واعتاد طعم الهزيمة المر.

    أن تعامل الأسطورة الحية التي أعادت رسم خارطة النادي عالمياً، وجعلت قميص ليفربول الأكثر مبيعاً من القاهرة إلى طوكيو، بهذه الخفة وهذا الاستهتار؟ هذه ليست قسوة احتراف هذه خيانة عظمى في عرف كرة القدم.

  • إعلان
  • Salah-SlotGetty/GOAL

    لعبة تكسير العظام.. وغرور المدرب الجديد

    والمثير للريبة والجنون في آن واحد، أن ما يطبقه الهولندي أرني سلوت الآن تفوح منه رائحة عقدة النقص بشكل يزكم الأنوف.

    إنها المتلازمة الكلاسيكية للمدرب القادم حديثاً، الذي يرى أن ظل النجم الأول في الفريق يغطي على قامته هو شخصياً، فيقرر كسره علناً ليثبت للجميع من هو الزعيم في الغرف المغلقة والمفتوحة.
    سلوت نجح بشكل ساحق في الموسم الأول، لكن النجاح نُسب لصلاح بسبب أرقامه الواضحة التي لا يمكن التشكيك فيها، لابد أن ذلك حرك شيئًا شخصيًا في نفسه.

    هل تذكرون؟ لقد شاهدنا هذا الفيلم الهزلي التراجيدي سابقاً مع إريك تين هاج وكريستيانو رونالدو في مانشستر يونايتد، وكانت النهاية كارثية بانهيار الفريق وضياع هيبته.

    تجميد هداف الفريق التاريخي لثلاث مباريات متتالية أمام خصوم في المتناول مثل ليدز ليس مداورة ذكية ولا تكتيكاً عبقرياً كما يحاول البعض تصويره؛ إنه قرار سياسي فج.

    سلوت يحاول لي ذراع صلاح، وكأنه يقول: "أنا هنا"، لكنه ارتكب خطيئة كبرى باختيار الخصم الخطأ في المعركة الخطأ. 

    صلاح ليس اللاعب المنتهي كما يروجون في الغرف المغلقة؛ أرقامه تصرخ في وجوههم، ولياقته البدنية تحرج شباباً في العشرينيات يلهثون خلفه في التدريبات. 

    ما يحدث هو محاولة اغتيال معنوي مكتملة الأركان، ومحاولة بائسة لصناعة نجم من المدرب على حساب جثة أسطورة الفريق، بل تتجاوز ذلك لإيجاد كبش فداء لكل تلك النتائج السيئة.

  • Liverpool v Sunderland - Premier LeagueGetty Images Sport

    الطعنة الغادرة.. وعود الصيف التي تبخرت في الشتاء

    لكن الضربة التي قصمت ظهر البعير، وحولت الهدوء إلى عاصفة، كانت حديث صلاح المؤلم عن الوعود.

    دعونا نعود بشريط الذاكرة قليلاً لصيف 2025 الساخن، ومن قبله 2024 ومن قبلهما 2023، الأموال السعودية كانت تنهال كالمطر، أرقام فلكية خيالية كانت كفيلة بجعل أي لاعب في العالم يحزم حقائبه ويرحل دون تردد لتأمين مستقبل أحفاده.

    كان بإمكان صلاح أن يخرج من الباب الكبير، بطلاً متوجاً بالدوري، ليجني ثروة طائلة في سنواته الأخيرة.

    لماذا بقي إذن؟ هل لأنه لا يحب المال؟ لا.. بل لأنه صدق وهم المشروع الرياضي، وباعت له الإدارة كلاماً معسولاً عن التقدير، وعن دوره المحوري كقائد للمرحلة الانتقالية، وعن تمثال سيُبنى له، ليجد نفسه مع أول نسمات الشتاء منبوذاً على الدكة، يُعامل معاملة الناشئين.

    عندما يضحي اللاعب بالمال والراحة من أجل الشغف وحب الجمهور، ثم يُكافأ بالغدر ونقض العهود في وضح النهار، فهنا يتحول الحب إلى رغبة في الانتقام، أو على الأقل، رغبة في كشف المستور. 

    صلاح يشعر الآن أنه اشترى التروماي، وأن النادي استغله لتهدئة الجماهير في الصيف ثم قرر التخلص منه عند أول منعطف وأول سقوط.

  • Arne SlotGetty

    أكذوبة "الفريق أفضل دونه"

    ومن المضحك المبكي أن يخرج علينا بعض المحللين ليقولوا إن استبعاد صلاح حسن من المنظومة الدفاعية! هذا هراء تكتيكي لا ينطلي حتى على المبتدئين. 

    لا تحدثوني عن تحسن دفاعي وهمي؛ ليفربول بدون لمسات صلاح السحرية وتمريراته التي تضرب خطوط الدفاع في مقتل، هو فريق بلا روح، والدفاع لا يزال شوارع مفتوحة أمام المرتدات السريعة، حتى وإن كان النجم المصري قد تراجع بشكل واضح في الموسم الجاري، فهذا ليس تراجع فردي بل مشكلة أكبر بكثير لا يُسئل عنها وحده.

    صلاح ليس مجرد هداف، هو صانع اللعب الأول، هو الذي يسحب معه مدافعين اثنين ليحرر المساحات لزملائه. 

    إلقاء اللوم على صلاح في تراجع النتائج أو الأداء هو مجرد شماعة رخيصة ومستهلكة لتغطية عورات المدرب التكتيكية وفشل الإدارة في تدعيم الخط الخلفي بالأسماء المناسبة، إنها استراتيجية كبش الفداء.

  • FBL-ENG-PR-LIVERPOOL-SUNDERLANDAFP

    بيت القصيد: الذهب والتراب

    المسألة الآن لم تعد كرة قدم وتكتيك، بل أصبحت مسألة كرامة وكبرياء، صلاح وضع المسدس على الطاولة بوضوح عندما قال: "سأكون في الأنفيلد لأقول وداعاً، ثم سأذهب لأفريقيا"، هذه ليست جملة وداع، هذا تهديد وجودي.

    إذا ظنت إدارة الريدز أنها ستربح هذه الحرب الباردة، فهي واهمة وتعيش في كوكب آخر، هي لا تخسر مجرد هداف يسجل 30 هدفاً في الموسم، بل تستجلب لعنة ستطارد النادي لسنوات طويلة؛ لعنة نكران الجميل التي ستحذر أي نجم عالمي قادم من الانضمام لنادٍ لا يحترم أساطيره.

    الكرة الآن في ملعب الأنفيلد، وصوت الجماهير بدأ يعلو فوق صوت المدرب: إما إنصاف الملك وإعادة الاعتبار له فوراً، أو الاستعداد لعودة سنوات الضياع والظلام، والندم حيث لا ينفع الندم، يوم لا يجدون من ينقذهم عندما تغلق المباريات وتتعقد الحلول.

    صلاح قدم لهم الذهب لسنوات، فكان رد ليفربول لا يتناسب أبدًا مع قيمة الملك المصري، رد لا يتساوى حتى مع التراب الذي قد يعود ليملأ خزائن بطولاتهم من بعد "ذا إيجيبشن كينج".

0