Hansi Flick Barcelona HIC 2-1GOAL

من ثورة لاماسيا إلى دار للعجزة.. برشلونة أغنى أندية العالم فقرًا!

في ذاكرة كل عاشق لكرة القدم، تتربع صورة برشلونة الذهبي تحت قيادة بيب جوارديولا، فريق بُني على أكتاف أبناء أكاديمية "لاماسيا". 

ليونيل ميسي، تشافي، إنييستا، وبوسكيتس لم يكونوا مجرد لاعبين، بل كانوا تجسيداً لفلسفة وهوية النادي.

اليوم، تبدو هذه الصورة وكأنها حلم بعيد، فالبوصلة التي كانت تشير دائماً نحو المستقبل والموهبة الشابة، غيرت اتجاهها بشكل جذري، وأصبحت السياسة الأغلب هي البحث عن حلول مؤقتة ولاعبين في خريف مسيرتهم الكروية، مما يطرح تساؤلاً مرعباً: هل تخلى برشلونة عن هويته ليتحول ببطء إلى "دار للعجزة"؟

  • FC Barcelona v Daegu FC - Preseason FriendlyGetty Images Sport

    مؤشرات الشيخوخة: قرارات تعمق الأزمة

    تتراكم القرارات التي تعزز هذا الاتجاه المقلق، فالحديث عن التجديد للحارس البولندي فويتشيك شتشيسني وهو عمره 35 عامًا بعقد يمتد لعامين ليس مجرد تجديد عادي بل هو مؤشر على غياب التخطيط طويل الأمد. 

    وعندما نغوص في أعماق التشكيلة الحالية، نجد أن المشكلة لا تزال قائمة، فالهداف الأسطوري روبرت ليفاندوفسكي هو الآخر عمره 36 عامًا ومارك أندريه تير شتيجن 33 عامًا، وقريبًا سينضم أندرياس كريستنسن لنادي الثلاثينات، جميعهم يشكلون عموداً فقرياً متقدماً في السن، بجانب عدم اتضاح مصير أوريول روميو. 

    ورغم أن رحيل لاعبين مثل إينييغو مارتينيز وقبله بعام إلكاي جوندوجان قد خفف العبء قليلاً، إلا أن هيكل الفريق الأساسي لا يزال يعتمد بشكل كبير على لاعبين تجاوزوا الثلاثين، بل وتربط النادي أخبارًا في الانتقالات بأسماء كبيرة في العمر مثل دينزل دومفريس.

  • إعلان
  • FBL-SPAIN-BARCELONA-LAPORTAAFP

    التأثير المزدوج: انهيار بدني وقنبلة مالية موقوتة

    هذا الارتفاع المخيف في معدل الأعمار له تأثير مدمر على جبهتين، أولاً، على الصعيد البدني، حيث سيفقد الفريق في البطولات القوية التي تعتمد على الضغط العالي والسرعة، القدرة على مجاراة إيقاع خصومه الشابة بالأخص على مدار موسم طويل يمتد لأكثر من 50 مباراة.

    ثانياً، وهو الأخطر، التأثير المالي، حيث إن سياسة الإبقاء على اللاعبين حتى نهاية مسيرتهم هي "قنبلة مالية موقوتة"، وكل لاعب يرحل مجاناً بعد تجاوز الثلاثين مثل مارتينيز مؤخرًا وليفاندوفسكي قريبًا خلال فترة انتقالات أو فترتين على أقصى تقدير هو أصل مالي ضائع، وهو نزيف مستمر لا يستطيع النادي تحمل تكلفته في ظل أزمته الحالية.

  • FBL-WC-CLUB-2025-MATCH62-PSG-REAL MADRIDAFP

    مقارنة مؤلمة: الخصوم يبنون للمستقبل

    تصبح الصورة أكثر إيلاماً عند مقارنة استراتيجية برشلونة بمنافسيه، ريال مدريد، ومانشستر سيتي، وليفربول، وحتى باريس سان جيرمان، جميعهم يعتمدون على مشاريع رياضية ذات معدلات أعمار منخفضة، تجمع بين الخبرة وطاقة الشباب، مما يضمن لهم الاستمرارية والقدرة على المنافسة على المدى الطويل. 

    على الورق لن ترى ذلك الفارق واضحًا، مع وجود معدل أعمار 25.8 عامًا في برشلونة و25.6 في ليفربول و26 في مانشستر سيتي، فالأسماء الصغيرة أمثال باو كوبارسي ولامين يامال وأمثالهم يخفضون المعدل كثيرًا لبرشلونة، لكن بالنظر إلى الأهداف التي يطاردها كل فريق في سوق الانتقالات والصفقات التي قاموا بها في السنوات الأخيرة فالفارق واضح.
    برشلونة بمعدل أعمار أقل، ضم روبرت ليفاندوفسكي، وإنييغو مارتينيز وأوريول روميو، ويريد دينزيل دومفريس بينما مثلًا مانشستر سيتي بمعدل أعمار أعلى جاء بإرلينج هالاند وريان شرقي وجيمس ترافورد.
    ولفهم كيف وصل برشلونة إلى هذه النقطة المقلقة، يجب الغوص في الأسباب التي شكلت واقعه الحالي.

  • ENJOYED THIS STORY?

    Add GOAL.com as a preferred source on Google to see more of our reporting

  • FBL-ESP-LIGA-LEVANTE-BARCELONAAFP

    لماذا يحدث هذا؟ تحليل الأسباب الجذرية

    إن التحول نحو اللاعبين المخضرمين ليس بالضرورة خيار سيء، بل هو في كثير من الأحيان نتيجة حتمية لظروف قهرية.

    في مقدمة هذه الأسباب تقف الأزمة المالية الطاحنة التي تمنع النادي من منافسة الكبار على المواهب الشابة باهظة الثمن، مما يجعل سوق الانتقالات الحرة واللاعبين أصحاب الخبرة هو الخيار الوحيد المتاح لسد الثغرات فورياً.

    يضاف إلى ذلك الضغط الهائل من الجماهير والإعلام لتحقيق نتائج فورية، مما يجبر الإدارة على تفضيل اللاعب الجاهز على الموهبة التي تحتاج للوقت والصبر. 

    كما لا يمكن إغفال فجوة القيادة الهائلة التي خلفها رحيل جيل ميسي، والتي حاول النادي سدها عبر استقطاب شخصيات قوية وذات عقلية فوز لتكون قدوة للجيل الجديد.

  • FC Barcelona v Borussia Dortmund - UEFA Champions League 2024/25 Quarter Final First LegGetty Images Sport

    وجهة نظر أخرى: هل الصورة قاتمة بالكامل؟

    من الإنصاف القول إن التركيز فقط على الجانب السلبي قد يكون غير دقيق، وهنا تبرز المفارقة الكبرى؛ ففي الوقت الذي يلجأ فيه النادي للخبرات الخارجية، يشهد بزوغ جيل استثنائي من لاماسيا متمثلاً في لامين يامال، باو كوبارسي، وجافي وغيرهم.

    هذا النجاح يثبت أن فلسفة النادي لم تمت، بل إن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد التوازن الصحيح، وبالتوازي مع هذا التألق الشبابي، يأتي دور الخبرة التي لا تقدر بثمن، فالوجود السابق للاعبين مثل جوندوجان والحالي لليفاندوفسكي ضروري لتوجيه هؤلاء الشباب في المباريات الكبرى وتعليمهم كيفية التعامل مع الضغط، فالخبرة هنا لا تناقض الشباب، بل تكمله وتصقله.

  • Flick Dani RodriguezGoal Ar / Social

    خريطة الطريق للمستقبل: كيف يمكن الخروج من الأزمة؟

    إن تشخيص المشكلة يفرض علينا البحث عن حلول عملية ورؤية واضحة، يكمن الحل في تبني نموذج فريق متوازن، كأن يتم الاعتماد على عمود فقري من ثمانية لاعبين شباب، وتطعيمه بثلاثة لاعبين فقط من أصحاب الخبرة العالمية في مراكز حيوية. 

    ولكن هذا النموذج يتطلب بدوره شجاعة في اتخاذ القرارات، وعلى رأسها التحول إلى نادٍ "بائع" بذكاء عبر سياسة استباقية تبيع اللاعبين في قمة مستواهم قبل فوات الأوان، وذلك لإعادة استثمار قيمتهم المالية.

    وفي نهاية المطاف، لن تنجح أي استراتيجية عملية دون تغيير ثقافي يتقبل فيه الجميع، من الإدارة إلى الجماهير، أهمية الصبر على المشروع ومنح الثقة للشباب، فهو السبيل الوحيد لعودة برشلونة إلى مكانته بشكل صحي ومستدام بعيدًا عن الحلول المؤقتة السريعة التي قد تضر النادي أكثر مما تفيده.

  • FBL-ESP-LIGA-BARCELONA-VILLARREALAFP

    بيت القصيد

    يعيش برشلونة مفارقة صارخة عبر عنها العنوان في عبارة "أغنى أندية العالم فقرًا"، فهو نادٍ فاحش الثراء بقيمته كعلامة تجارية عالمية، وبتاريخه الأسطوري، وبكنزه البشري الذي لا يقدر بثمن والمتمثل في مواهب لاماسيا، ولكنه في الوقت ذاته، نادٍ فقير أفقرته الديون الطاحنة والقيود المالية التي تشل قدرته على التصرف. 

    مستقبل برشلونة الذهبي بين أقدام شبابه، لكن تلك الأقدام مقيدة بأغلال الماضي المالية، مما يجعله عملاقًا غنيًا بالأصول، لكنه عاجز ومقيد في واقعه اليومي.

    إن بيت القصيد في حكاية برشلونة يتجاوز أعمار اللاعبين وأرقام الديون، النادي يعيش صراعاً عميقاً على هويته، صراعاً بين واقعية الحاضر القاسية التي تفرض عليه مطاردة الانتصارات السريعة بحلول مؤقتة، وبين فلسفة المستقبل التي تتجسد في مواهب لاماسيا المتفجرة.

    إن بزوغ نجوم مثل لامين يامال وباو كوبارسي ليس مجرد صدفة سعيدة، بل هو تذكير من الحمض النووي للنادي بمكان كنزه الحقيقي.

    وعليه، فإن القرار النهائي الذي يواجه برشلونة ليس تكتيكياً أو مالياً فحسب، بل هو قرار يتعلق بالهوية: فهل سيستمر في البحث عن حلول خارجية مؤقتة، أم سيملك الشجاعة للنظر إلى الداخل، ليبني عصره الذهبي القادم على الأساس ذاته الذي جعله أسطورة؟

0