Amrabat, Mourinho, TadicImago

أغلى فشل في التاريخ: بعد قهر برشلونة ومعجزة بورتو.. قصة الـ100 مليون يورو التي أنهت أسطورة مورينيو!

على ضفاف البوسفور، حيث تلتقي قارتان، لم يكن جوزيه مورينيو يبحث عن مجد جديد بقدر ما كان يهرب من أشباح الماضي. 

لكن في كرة القدم الحديثة، الأشباح لا ترحل، بل تتبعك، فخبر إقالته من فنربخشة اليوم ليس مجرد خبر عاجل، بل هو الفصل الخامس في مسرحية تراجيدية متكررة، بطلها رجل كان يومًا "السبيشال وان"، وبات اليوم متخصصًا في الرحيل الحزين والشروط الجزائية والأرقام التعويضية الضخمة.

إنها الإقالة الخامسة على التوالي، حقيقةٌ مُرةٌ كرصاصة تخترق هالة أسطورته التي بناها بمعجزة بورتو في 2004، وبتحدي كتيبة برشلونة التاريخية مع إنتر ميلان في 2010. 

كيف وصل الرجل الذي قهر المستحيل إلى مرحلة يعجز فيها عن تأهيل أحد أكبر أندية تركيا إلى دوري أبطال أوروبا؟

  • Jose Mourinho

    سجل الإقالات المليوني: أرقام تحكي القصة

    قبل الخوض في تفاصيل الانهيار، لا بد من النظر إلى الأرقام التي أصبحت السمة الأبرز لمسيرة مورينيو الأخيرة. 

    إقالته من فنربخشة هي الخامسة على التوالي، وقد كلّفت الأندية التي دربها ثروة طائلة لإنهاء عقودها معه، وهذه قائمة بأبرزها:

    • تشيلسي (المرتان): حوالي 31 مليون يورو.
    • ريال مدريد: حوالي 20 مليون يورو.
    • مانشستر يونايتد: حوالي 23 مليون يورو.
    • توتنهام : حوالي 18 مليون يورو.
    • روما: حوالي 3.5 مليون يورو.
    • فنربخشة (تقديرات): حوالي 15 مليون يورو. لتصل الحصيلة الإجمالية إلى ما يقارب 110 مليون يورو، وهو رقم يحكي قصة كاملة بمفرده.
  • إعلان
  • Jose Mourinhogetty

    عقيدة "المشاريع الساقطة": حين يصبح الاسم أكبر من التأثير

    منذ أن أغلق مورينيو بوابات سانتياجو برنابيو خلفه في 2013، وهو يسير في درب محفوف بالمخاطر، حيث لم ينضم إلا إلى مشاريع متأرجحة أو أندية متعطشة لهوية وبطل. 

    قصة ما بعد مدريد هي رحلة نمطية محزنة؛ بدأت الشرارة في عودته الثانية لتشيلسي، التي انطلقت كقصة حب متجددة وفاز فيها بالدوري، ثم تحولت إلى انهيار كامل. 

    ثم انتقل المشهد إلى مانشستر يونايتد، حيث وصل كبطل همام لكنه ترك الفريق منقسماً وبكرة قدم عقيمة.

    ولم تكن قصته مع توتنهام بأفضل حال، حيث انتهت بإقالة عبثية قبل أيام من خوض نهائي كأس، وحتى ومضة الأمل في روما، رغم الفوز بلقب دوري المؤتمرات، كانت اعترافًا بأنه لم يعد ينافس على الطاولة الكبرى.

    وأخيرًا، جاء مشروع فنربخشة لينهار عند أول اختبار حقيقي ويفشل في الصعود لدوري أبطال أوروبا، مؤكدًا أن مورينيو أصبح الحل "السريع والمكلف"، لكنه لم يعد أبدًا الحل "المستدام".

  • mourinho(C)Getty Images

    صدى السقوط في مدرجات "السوشيال ميديا"

    لم يكن سقوطه في إسطنبول حدثًا عابرًا، بل زلزالاً انقسم على إثره عالم كرة القدم الافتراضي، ففجأة، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة بين من يدافع عنه ومن يهاجمه. 

    أنصاره الأوفياء، شعروا بما وصفوه بـ"الصدمة العاطفية" لرؤيته "ينزف من أجل أندية لا تهتم به"، فبالنسبة لهم، مورينيو هو ضحية إدارات فاشلة، وقد ألقوا باللوم مباشرة على فنربخشة الذي مر بـ"فترة انتقالات كارثية"، ثم قرر التضحية بالمدرب ليخفي إخفاقه. 

    يرى هذا المعسكر أنه لا يزال مدربًا ممتازًا، لكن من المستحيل أن يحقق المعجزات مع "فرق من الدرجة الثالثة"، مشبهين محنته بما حدث لأنشيلوتي في إيفرتون.

    على الجانب الآخر، وقف النقاد، وحتى بعض جماهير فنربخشة، ليرسموا صورة مختلفة تمامًا، فبالنسبة لهم، الهزيمة أمام بنفيكا كانت "متوقعة" لأن الخصم ببساطة أقوى، وأن أداء الفريق تحت قيادة مورينيو كان "سيئًا للغاية" منذ العام الماضي. 

    لم يتوقف الأمر عند الأداء الباهت، بل أشاروا إلى وجود "خلافات مع رئيس النادي" كسبب حقيقي وراء الإقالة، وفي خضم هذا الجدال، طرح أحدهم السؤال الأكثر وجعًا وبلاغة، سؤال يلخص حيرة الجميع: "لقد كان الأفضل في مرحلة ما، فكيف يمكنه أن يسقط بهذا الشكل؟".

  • Mourinho Benfica FenerbahceGetty

    الحروب النفسية التي لم تعد تُخيف أحداً

    أحد أعمدة إمبراطورية مورينيو كان عقله، قدرته على التلاعب بالخصوم والإعلام وتحويل كل مؤتمر صحفي إلى مسرح خاص به.

    كانت حروبه النفسية تزلزل أرسين فينجر وتستفز رافائيل بينيتيز وتنال من هدوء بيب جوارديولا لكن هذا السلاح فقد بريقه تمامًا.

    الجيل الجديد من المدربين، تعلم الدرس: أفضل طريقة لنزع سلاح مورينيو هي التجاهل والابتسام، أصبحت تصريحاته النارية تُقابل بسخرية هادئة، واستفزازاته لم تعد تنجح في تحويل الأنظار عن الأداء الباهت لفريقه. 

    تحول المايسترو الذي كان يعزف على أوتار عقول خصومه إلى رجل يصرخ في فراغ، وأصبحت مؤتمراته الصحفية تحمل رائحة اليأس أكثر من رائحة العبقرية.

  • Fenerbahce SK Training Session And Press Conference - UEFA Europa League 2024/25 Round of 16 Second LegGetty Images Sport

    عقيدة "نحن ضد العالم" التي أحرقت كل الجسور

    لكل فعل رد فعل، وعقيدة مورينيو الأساسية في بناء فرقه كانت دائمًا "نحن ضد العالم"، كان يخلق عدوًا وهميًا لشحن لاعبيه، وهي استراتيجية ناجحة بشكل مذهل، لكنها كأس مسمومة. 

    فهي تولّد ولاءً أعمى في البداية، لكنها تستنزف اللاعبين والإدارات على المدى الطويل وتؤدي حتمًا إلى انفجار داخلي. 

    مسيرته مليئة بالجسور المحروقة، من صراعه مع أساطير مثل إيكر كاسياس أسطورة ريال مدريد، إلى تهميشه لنجوم مثل بول بوجبا لاعب مانشستر يونايتد السابق، هذه العقلية العدائية تترك خلفها دمارًا في العلاقات الإنسانية، وتجعل كل نهاية له ليست مجرد إقالة، بل طلاقًا معقدًا ومليئًا بالمرارة، بالضبط كالذي يبني حصونًا قوية، لكنه في النهاية يجد نفسه وحيدًا داخلها.

  • FBL-EUR-C1-FENERBAHCE-BENFICA-QUALIFYAFP

    هل أفلس تكتيكيًا؟ نظرية "بوليصة التأمين"

    هنا يطرح السؤال الأكثر قسوة: هل يدرك مورينيو نفسه أنه لم يعد قادرًا على مجاراة كرة القدم الحديثة؟ ربما.

    وهذا قد يفسر لماذا أصبح "الشرط الجزائي" والبنود التعويضية هي أهم البنود في عقوده، كأنه يقول للإدارات: "قد أنجح وقد أفشل، ولكن في كلتا الحالتين، سأخرج فائزًا ماليًا".

    لقد تحولت التعويضات من مجرد حماية قانونية إلى ما يشبه "بوليصة تأمين" ضد إفلاسه التكتيكي، ولم يعد يراهن على قدرته على تحقيق المجد، بل على حتمية رحيله المبكر، ووصول مجموع تعويضاته إلى ما يزيد عن 100 مليون يورو ليس مجرد رقم، بل هو شهادة على هذا النمط الحزين.

  • Jose Mourinho FenerbahceGetty Images

    بيت القصيد

    بيت القصيد في قصة مورينيو ليس إقالته الخامسة، ولا حتى المئة مليون يورو التي كسبها من رحيله عن الأندية، بيت القصيد هو أن الرجل الذي بنى أسطورته على كونه "استثنائيًا" ومختلفًا عن الجميع، أصبح الآن عاديًا بشكل مأساوي، ويمكن التنبؤ بمساره.

    لقد فقد السيطرة على روايته، وتحول من المخرج الذي يكتب نهايات غير متوقعة، إلى ممثل يؤدي نفس الدور في مسرحية مكررة: بداية صاخبة، صراعات داخلية، ونهاية حتمية مصحوبة بشيك ضخم. 

    إن السقوط الذي تساءل عنه المشجع بالأعلى لم يحدث فجأة في تركيا؛ بل كان تآكلًا بطيئًا على مدار عقد من الزمان، حتى لم يتبقَ من "السبيشال وان" سوى اسمه، وقيمته المالية عند الرحيل.