Dro Fernandez NXGN GFXGetty/GOAL

درو فرنانديز .. برشلونة اكتشف "إنييستا جديد" من منجم جواهر لاماسيا الذي لا ينضب

أصبحت أكاديمية لا ماسيا التابعة لنادي برشلونة رمزًا للتفوق الكروي ومصدر إلهام للأندية الأوروبية الكبرى، بعدما أنجبت على مدار 46 عامًا أسماءً صنعت تاريخ اللعبة مثل بيب جوارديولا، ألبرت فيرير، تشافي هيرنانديز، أندريس إنييستا، وليونيل ميسي.

ومع كل جيل جديد، تواصل الأكاديمية تقديم مواهب استثنائية، كان آخرها الظهور المبكر للنجم الواعد لامين يامال في سن الخامسة عشرة.

واليوم، يبرز اسم جديد قد يسير على خطى هؤلاء الأساطير، وهو بيدرو فرنانديز سارمينتو المعروف بـ"درو"، اللقب الذي التصق به منذ طفولته جاء ببساطة من محاولة شقيقه الأكبر نطق اسمه، ليصبح علامة مميزة يعرفه بها الأصدقاء والعائلة.

وعلى أرض الملعب، يثبت درو أنه لاعب مختلف، ففي الـ17 من عمره فقط، بدأ في الحصول على دقائق مع الفريق الأول لبرشلونة، كما مثل منتخب إسبانيا تحت 18 عامًا في ثلاث مناسبات، فيما أثنى المدرب الألماني هانزي فليك، الذي تولى قيادة الفريق في صيف 2024، على موهبة اللاعب قائلاً: "إنه لاعب رائع ولا يزال أمامه مجال كبير للتطور. تهانينا للا ماسيا على العمل الذي يقومون به."

فليك رسّخ سمعة قوية في الاعتماد على أبناء الأكاديمية منذ وصوله، حيث منح الفرصة لعدد من المواهب مثل فيرمين لوبيز، أليخاندرو بالدي، مارك كاسادو، إلى جانب يامال وباو كوبرسي، وإذا واصل درو استغلال فرصه تحت إشراف المدرب الألماني، فإن اسمه لن يتأخر كثيرًا قبل أن يصبح مألوفًا لدى جماهير كرة القدم العالمية.

  • أين بدأ كل شيء؟

    وُلِد بيدرو فرنانديز سارمينتو "درو" في 12 يناير 2008 ببلدة نيجران الساحلية شمال إسبانيا، لأب إسباني وأم فلبينية، ومنذ سن الرابعة، بدأ خطواته الأولى في كرة القدم مع فريق فال مينور المحلي، الذي اشتهر بتخريج أسماء بارزة مثل الأخوين تياجو ورافينيا ألكانتارا، والمهاجم الدولي رودريجو مورينو.

    لم تكن بدايات "درو" سهلة، إذ واجه صعوبة في التكيف مع أجواء التدريب، كما يروي مدربه الأول خافيير لاغو في تصريحات لصحيفة "Telegrafi": "عندما جاء إلى المعسكر كان صغيرًا جدًا ولم يرغب في التدريب، وانتهى اليوم بالدموع. لكنه عاد بفضل إصرار والدته إيلا، وبمجرد أن لمس الكرة مرتين، أدركنا أن هناك شيئًا مميزًا فيه".

    ففي مقاطعة جاليسيا، اعتاد اللاعبون الواعدون على صقل مهاراتهم، وهو ما ساعد "درو" على التطور السريع تحت إشراف لاجو، إلى جانب متابعة دقيقة من الكشاف المخضرم خوسيه أنطونيو كوفيلو، الذي سبق له اللعب لبرشلونة في الثمانينيات.

    وجود كوفيلو ضمن الجهاز الفني لفال مينور منح برشلونة فرصة متابعة تطور اللاعب عن قرب، حتى بلغ الـ14 من عمره، ليخوض النادي الكتالوني سباقًا محمومًا مع ريال مدريد وريال بيتيس انتهى بتوقيعه لصالح البارسا.

    منذ اليوم الأول، تميز درو عن أقرانه في لا ماسيا. "لقد وضعته على الملعب ضد لاعبين أكبر بسنتين، لكنه فاجأ الجميع"، قال مدرب شباب بارسا أنطون دافيلا عن إدخال درو إلى التدريب. "كان دائمًا لديه مدافع قوي في ظهره، لكنه تجاوزه كما يريد: بكعبه، أو بدوران إلى الجانب، أو بقدمه اليمنى أو اليسرى. كان مصدرًا لا ينضب للإحباط بالنسبة للخصوم."

    احتاج درو إلى سنتين فقط لاختراق فريق الشباب في بارسا، وساعد الفريق تحت 19 عامًا على كتابة التاريخ في موسم 2024-25.

  • إعلان
  • الفرصة الكبيرة من هانزي فليك

    تحت قيادة البرازيلي جوليانو بيليتي، صاحب الهدف التاريخي لبرشلونة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2006 أمام آرسنال، حقق فريق جوفينيل أ ثلاثية رائعة بالفوز بالدوري وكأس الملك ودوري أبطال أوروبا للشباب.

    ورغم أن دور "درو" كان محدودًا، إلا أنه كان مؤثرًا، حيث سجل هدفين في دور المجموعات وشارك في الدقائق الأخيرة من النهائي الذي انتهى بانتصار البارسا 4-1 على طرابزون سبور.

    وفي مارس الماضي، تلقى درو أول استدعاء لمنتخب إسبانيا تحت 17 عامًا، وشارك أساسيًا في التصفيات المؤهلة لبطولة أوروبا أمام ألمانيا والنمسا. ومع حلول الصيف، قرر المدرب فليك منحه فرصة أكبر، فدعاه للمشاركة في تدريبات ما قبل الموسم رغم أنه لم يظهر بعد مع فريق رديف برشلونة، قبل أن ينطلق الفريق في جولته الآسيوية إلى اليابان وكوريا الجنوبية.

    بدأت التحضيرات في 13 يوليو الماضي، وخلال 12 يومًا أثبت درو جدارته ليحجز مكانه في القائمة المسافرة، وبحسب صحيفة "ذي أثليتك" كان فليك "مبهورًا بشدة" باللاعب الشاب الذي ظهر لأول مرة مع الفريق الأول كبديل في الدقيقة 78 أمام فيسيل كوبي.

    "درو" احتفل بالمناسبة بأفضل طريقة ممكنة، إذ سجل هدفًا رائعًا من خارج منطقة الجزاء ليؤكد الفوز (3-1)، قبل أن يغلبه التأثر عقب صافرة النهاية وهو يروي تعليمات مدربه: " لم أكن أعرف حتى كيف أحتفل، لأكون صادقًا. كان الأمر لا يصدق. دخلت إلى الملعب وأنا عصبي قليلاً، لأول مرة مع أفضل نادي في العالم، ولكن بعد ذلك وصلت الكرة إلى قدمي على حافة منطقة الجزاء فأعطيتها محاولة . هانسي وزملائي في الفريق هدأوني قبل المباراة وشعرت براحة كبيرة. طلب مني أن ألعب بطريقتي مع الكرة، وأن أضغط وأقاتل بدونها".

    في المباراة التالية أمام إف سي سيول، فضّل فليك إراحته، لكنه منحه فرصة البداية في اللقاء الأخير ضد دايجو، حيث لم يسجل لكنه قدم أداءً لافتًا في الشوط الأول، أظهر فيه شجاعة كبيرة بالكرة وتعاون بشكل مميز مع زميله الواعد لامين يامال.

  • FBL-EUR-C1-BARCELONA-OLYMPIAKOSAFP

    الظهور الحقيقي وأول بصمة مع برشلونة

    كمكافأة على أدائه اللافت في الجولة الآسيوية، جلس "درو" على مقاعد البدلاء في أول ثلاث مباريات لبرشلونة بالدوري الإسباني موسم 2025-26، قبل أن تؤجل إصابة في الفخذ مشاركته الرسمية المنتظرة.

    وجاءت اللحظة أخيرًا في 28 سبتمبر، حين استضاف الفريق الكتالوني ريال سوسيداد على ملعب أوليمبيك لويس كومبانيس، حيث شارك "درو" أساسيًا في خط الوسط إلى جانب فرينكي دي يونج وبيدري.

    ورغم معاناته البدنية في بعض الفترات، والتي دفعت فليك لاستبداله بين الشوطين بداني أولمو، إلا أن اللاعب الشاب أظهر جودة فنية عالية، مسجلًا نسبة تمريرات صحيحة بلغت 92% في الفوز (2-1)، مما دفع فليك للإشادة بموهبته، قائلًا: "إنه لاعب موهوب في برشلونة. من الرائع أن يكون لدينا مثل هؤلاء لإدارة الدقائق".

    في أكتوبر، حصل "درو" على فرصة جديدة، وهذه المرة في دوري أبطال أوروبا أمام أولمبياكوس، حيث لعب 59 دقيقة وقدم تمريرة حاسمة لهدف فيرمين الثاني في الفوز الكبير 6-1، ليصبح ثاني أصغر لاعب يصنع هدفًا في البطولة بعد جيوفاني رينا، وعقب اللقاء، عبّر عن مشاعره قائلًا: "إنه يوم خاص بالنسبة لي، لن أنساه أبدًا. حلمت دائمًا باللعب في مثل هذه المباريات".

    بعد أيام قليلة، جلس "درو" على مقاعد البدلاء في الكلاسيكو الذي خسره برشلونة أمام ريال مدريد (2-1)، لكنه أظهر رغبة قوية في المشاركة في مثل هذه المواجهات الكبرى، ومع استمرار تطوره تحت قيادة فليك، تبدو فرصه كبيرة لأن يصبح عنصرًا أساسيًا في تشكيلة الفريق بحلول مواجهة الغريم التقليدي في مايو المقبل.

  • FC Barcelona v Olympiacos FC - UEFA Champions League 2025/26 League Phase MD3Getty Images Sport

    أكبر نقاط قوة "درو"

    يعمل درو بشكل رئيسي كلاعب رقم 8، لكنه يتمتع بالقدرة على اللعب في دور خط الوسط الهجومي أو على الجناح الأيسر عند الحاجة، حيث يبرع في اختراق الخطوط، ويمتاز بالتحكم القريب والمهارات الباهرة التي تمكنه من تفادي المدافعين بسهولة وبسرعة.

    يمكن لبرشلونة الاعتماد على درو في صناعة المساحات واستغلالها، إذ يتمتع بنطاق تمريرات ووعي مكاني مذهلين بالنسبة للعبار صغير السن، كما يبدي هدوءًا طبيعيًا في كل ما يقوم به. 

    وقال درو خلال جولة برشلونة التحضيرية للموسم: "أعتبر نفسي لاعبًا تقنيًا، أحب المراوغة والمرور من اللاعبين والاستمتاع على الملعب".

    يمكنك أن تشعر بهذا الاستمتاع كلما التقط درو الكرة؛ إنه لاعب أنيق لا يبدو أنه يشعر بالضغط، لم نر ذلك بعد على مستوى الفريق الأول، لكنه أيضًا يُعتبر نوعًا ما متخصصًا في الكرات الثابتة.، حيث سجل عدة ركلات حرة بعيدة المدى لفريق برشلونة تحت 19 عامًا، ويمكن أن يكون خيارًا قويًا آخر لفليك في المواقف الثابتة مع تقدم الموسم.

  • FBL-ESP-LIGA-BARCELONA-REAL SOCIEDADAFP

    لا يزال هناك مجال للتحسن

    من الناحية البدنية، لا يزال "درو" في طور التكوين، وهو أمر طبيعي بالنسبة للاعب يبلغ من العمر 17 عامًا، فحتى الآن لا يمتلك القدرة على خوض 90 دقيقة بمعدل مرتين أو ثلاث في الأسبوع مع برشلونة، كما لم يتقن بعد كيفية استخدام بنيته الجسدية للفوز في المواجهات الفردية.

    ومع ذلك، يخضع اللاعب لبرنامج خاص يهدف إلى تعزيز قوته البدنية وزيادة اندفاعه، وهو ما يُتوقع أن ينعكس تدريجيًا على أدائه مع مرور الوقت.

    أما من الناحية الفنية، فإن درو يتقدم بالفعل على منحنى التطور المعتاد للاعبين في عمره. يمتلك أساسيات قوية بالكرة، ويحتاج فقط إلى صقلها وإثبات قدرته على أن يكون مؤثرًا في كلا طرفي الملعب، سواء في صناعة الفرص أو المساهمة الدفاعية.

    حتى الآن، شارك درو في ثلاث مباريات فقط مع الفريق الأول، وسط منافسة شرسة على المراكز في تشكيلة فليك، ولضمان مكان دائم، عليه أن يبدأ في فرض شخصيته على المباريات، تمامًا كما فعل زملاؤه لامين يامال وفيرمين لوبيز بعد تخرجهم من الأكاديمية، حيث تحوّلوا سريعًا إلى عناصر لا غنى عنها في مشروع برشلونة الجديد.

  • iniestaGetty Images

    خليفة أندريس إنييستا

    أشاد عدد من مدربي "درو" السابقين بموهبته الاستثنائية، حيث اعتبره خافيير مينو، مدربه في فال مينور، في تصريحات لصحيفة "سبورت" أن اللاعب يمتلك مستوى يوازي تياجو ألكانتارا، بل يتفوق عليه في رؤية اللعب.

    ويُعد هذا الإطراء كبيرًا بالنظر إلى أن تياجو يُعتبر أبرز قصة نجاح خرجت من فال مينور، بعدما حقق 11 لقب دوري ولقبين في دوري أبطال أوروبا خلال مسيرته مع برشلونة وبايرن ميونخ.

    أما لويس بيريز، الذي أشرف على تدريب درو بين فئتي U10 وU12، فقد ذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا: "أرى فيه المزيد من أندريس إنييستا"، والمقارنة هنا تحمل دلالات عميقة، إذ أن إنييستا لم يكن مجرد صانع ألعاب بارع، بل كان لاعبًا استثنائيًا قاد إسبانيا إلى لقب كأس العالم 2010، وتميز بقدرته على التحكم في إيقاع المباريات وحسمها بلمسات مدهشة.

    بيريز يرى أن درو يمتلك هالة مشابهة، إلى جانب سرعة التفكير التي جعلت من إنييستا لاعبًا يصعب تحديد موقعه داخل الملعب، كما أن تعدد المراكز التي يمكن لدرو شغلها يعكس واحدة من أبرز نقاط قوة إنييستا.

    ورغم أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على ما إذا كان درو قادرًا على بلوغ نفس القمم العالية التي وصل إليها أيقونة برشلونة، إلا أن المقارنة تبدو واقعية وتعكس حجم التوقعات الملقاة على عاتق اللاعب الشاب.

  • Dro FernandezGetty

    ما الخطوة التالية في مستقبل "درول"؟

    اختتم مينو وبيريز مقابلتهمما بتصريح: "إذا لعب درو بحرية، فهو قادر على أي شيء؛ موهبته لا حدود لها." وهذا يفسر إلى حد كبير سبب ارتباط نجم برشلونة الشاب بالانتقال إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في الأشهر الأخيرة، وسط اهتمام من مانشستر سيتي وتشيلسي، لكنهم سيضيعون وقتهم في تقديم عرض رسمي.

    وفقًا لتقرير نُشر في ماركا، برشلونة يخطط لربط درو بعقد جديد لمدة خمس سنوات عندما يصل إلى سن 18 في يناير، حيث لا يوجد مكان أفضل له لتحقيق إمكاناته الهائلة.

    برشلونة عاد ليصبح أحد أفضل الفرق في القارة تحت قيادة فليك، ودرو محاط بلاعبين من الطراز العالمي يمكنهم مساعدته على اتخاذ الخطوة التالية، كما أن دقائقه في الملعب ستزداد مع تزايد جدول المباريات، لأن التدوير سيكون حاسمًا لبرشلونة إذا كان يريد تكرار الفوز المحلي الثلاثي للموسم الماضي وإنجاز مشوار النجاح الكامل في دوري أبطال أوروبا.

    أول لمحات "الموهبة اللامحدودة" لدرو كانت مشوقة، وما سيأتي بعد ذلك قد يكون مذهلاً حقًا.