GOALفي سعيه المحموم لاستعادة عرشه المفقود أوروبيًا، يتبنى نادي برشلونة استراتيجية انتقالات قصيرة النظر، قد تحقق مكاسب فنية آنية، لكنها تزرع بذور العداوة والعزلة داخل منظومة كرة القدم الإسبانية.
فبدلاً من الدبلوماسية وبناء الجسور، يتبع النادي الكتالوني نهجًا صداميًا، معتمدًا على تفعيل الشروط الجزائية والتصريحات العلنية، وهي سياسة تحوله إلى كيان منبوذ في وقت يحتاج فيه إلى الحلفاء أكثر من أي وقت مضى.
Getty Images Sportتتجلى هذه السياسة العدائية في سلسلة من الصفقات والمحاولات التي أثارت استياءً واسعاً، ففي ملحمة نيكو ويليامز، لم يكن اهتمام برشلونة مجرد متابعة، بل تحول إلى حملة ضغط شبه رسمية.
تصريحات المدير الرياضي ديكو التي أكد فيها أن "نيكو لاعب رائع، ونحن نراقبه بالتأكيد"، تزامنت مع تقارير عن استعداد برشلونة لدفع الشرط الجزائي البالغ 58 مليون يورو، مما فُسر على أنه محاولة مباشرة لزعزعة استقرار اللاعب والنادي.
وقد جاء الرد حازماً من رئيس النادي الباسكي، الذي أكد أن مشروع ناديه لا يعتمد على قرارات الآخرين، في رسالة واضحة عن انزعاجه.
ولم يكن هذا النهج أقل حدة مع الجار، ففي خطوة وُصفت بالعدائية، أقدم برشلونة على تفعيل الشرط الجزائي لحارس إسبانيول، جوان جارسيا، مقابل 20 مليون يورو دون أي تفاوض.
Gettyلعل المثال الأكثر إيلاماً وفظاظة، والذي أثار غضباً واسعاً، هو صفقة التعاقد "الطارئ" مع المهاجم مارتن برايثوايت في فبراير 2020.
فبعد إغلاق نافذة الانتقالات، وبسبب أزمة إصابات، استغل برشلونة قاعدة قانونية مثيرة للجدل تسمح له بالتعاقد مع بديل.
وقع الاختيار على برايثوايت، النجم الأول والمهاجم الرئيسي لنادي ليجانيس الذي كان يصارع من أجل البقاء.
دفع برشلونة الشرط الجزائي البالغ 18 مليون يورو وخطف اللاعب، لكن الصدمة الكبرى كانت في أن القانون الذي سمح لبرشلونة بالشراء، لم يسمح لنادي ليجانيس بالتعويض.
تُرك النادي ليواجه مصيره بفريق أضعف بشكل قاتل، وفي نهاية ذلك الموسم، هبط ليجانيس إلى الدرجة الثانية بفارق نقطة واحدة فقط، في نتيجة يرى الكثيرون أنها تأثرت بشكل مباشر بفقدانهم لنجمهم في توقيت حرج.
AFPعلى النقيض تماماً، يتبع ريال مدريد سياسة مغايرة، حيث يستثمر في بناء شبكة من العلاقات القوية داخل الليجا.
تتم صفقاته عبر التفاوض الودي، مثل إعادة شراء فران جارسيا من رايو فاييكانو وضم خوسيلو من إسبانيول.
كما يستخدم شبكة واسعة من الإعارات لتطوير لاعبيه ومساعدة الأندية الأخرى، مثل إعارة تاكيفوسا كوبو وخيسوس فاييخو من قبل، مما يبني جسوراً من الثقة وحسن النية تخدمه على المدى البعيد.
AFPإن سياسة برشلونة، وإن بدت حلاً سريعاً، تكلفتها الحقيقية باهظة، فغالباً ما يكون مبلغ الشرط الجزائي أعلى من القيمة السوقية التي يمكن الوصول إليها عبر التفاوض، مما يرهق ميزانية النادي المنهكة أصلاً.
والأهم من ذلك، التكلفة العلائقية؛ فالنادي الذي يُخطف لاعبه اليوم لن يكون مستعدًا لبيع لاعب آخر لبرشلونة غدًا بسعر معقول، وقد يرفض التفاوض من الأساس.
Getty Images Sportهذا النهج له آثار تتجاوز سوق الانتقالات، ففي قضايا مصيرية مثل قضية نيجريرا أو الخلافات مع رابطة الليجا في العديد من الأشياء، يجد برشلونة نفسه معزولاً بلا حلفاء، على النقيض قد يجد أعداء دون أي داعٍ، مثل ما حدث مع أوساسونا الذي حاول أن يعرقل مسيرة برشلونة في الليجا ورفع دعوى طالب فيها بنقاط مباراته ضد النادي الكتالوني بعد مشاركة إنييغو مارتينيز عقب أن تم استبعاده من المنتخب بداعي الإصاب.
كما أن هذه الأجواء المشحونة قد تخلق توتراً بين اللاعبين في المباريات وتجعل الأندية الإسبانية أكثر حذراً في التعامل مع برشلونة مستقبلاً، إما برفع الشروط الجزائية بشكل مبالغ فيه أو برفض البيع له تماماً.
AFPإن سياسة برشلونة الحالية ليست مجرد استراتيجية انتقالات، بل هي إعلان عن قطيعة مع الأعراف الدبلوماسية.
بتحويله الحلفاء المحتملين إلى خصوم، يخاطر النادي ليس فقط بتعقيد عملياته في السوق، بل بفقدان صوته وتأثيره في القضايا المصيرية.
على إدارة برشلونة أن تدرك أن بناء فريق قوي لا يقتصر على ضم اللاعبين الموهوبين، بل يشمل أيضًا بناء علاقات قوية ومستدامة، فالاحترام المتبادل هو أثمن عملة في عالم كرة القدم.
