اهرب يا النصر من "جحيم النفسية" .. جون دوران بدأ بحلم منافسة فيكتور أوسيمين وانتهى بخضوعه لـ"اختبار الحمل"!

قبل الحديث عما وقع منذ انتقال جون دوران من السعودية إلى تركيا، دعونا نمر سريعًا على ما عاشه في الرياض على مدار ستة أشهر..

صاحب الـ21 عامًا مر بفترات صعود وهبوط خلال ستة أشهر ارتدى بها قميص العالمي، بل كان الهبوط هو المسيطر الأكبر، وقد تكون مواجهة نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة 2024-25 هي ملخص كل الرحلة؛ فقد تنافس دوران مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو على كثرة إهدار الفرص أمام كاواساكي الياباني، حتى خسر النصر بنتيجة (3-2)، وفشل في الصعود للنهائي في الأخير.

وبشكل عام كان عيب الكولومبي خلال فترته مع الفريق السعودي هو كثرة ضياع الفرص السهلة، وعدم نجاحه في التأقلم على اللعب بجوار صاروخ ماديرا، حتى كانت محصلته تسجيل 12 هدفًا خلال 18 مباراة.

ما عاناه دوران مع النصر من تراجع في حاسته التهديفية مقارنة بفترته مع أستون فيلا، برره ويلبرث بيريا؛ مدربه السابق في نادي إنفيجادو، بأنه راجع لـ"حالته العاطفية"..

ويلبرث بيريا قال خلال تصريحاته لموقع "العربية.نت": "يجب أن يعامل دوران بطريقة جيدة، فهو يمر بظروف عانى منها كبار اللاعبين، عليه التحلي بالهدوء وألا ينساق وراء القلق أو التوتر".

وأضاف: "لا بد أن يكون هناك من يحتضنه نفسيًا ويدعمه اجتماعيًا، في ظل كثرة الانتقادات من حوله، خاصةً وأن بعضها مبرر والآخر لا، وهذا يؤثر عليه كثيرًا، كما أنه يحتاج للاستقرار العاطفي والكثير من الدعم النفسي، وحينها أثق في أنه سيستعيد مستواه من جديد".

حسنًا! وقتها قيل أنه لم يحسن التأقلم في أجواء المملكة العربية السعودية مقارنة بأوروبا وأمريكا الجنوبية، وأشياء من هذا القبيل معتاد قولها في مثل هذه الظروف.

لكن ماذا عن تركيا؟

بلغة الأرقام، التي هي التقييم الأول للمهاجم في كل الأحوال، فقد شارك جون دوران في ست مباريات بمختلف البطولات مع فنربخشه منذ التعاقد معه في صيف 2025، سجل خلالها هدفًا وحيدًا وصنع مثله.

ولم يشارك الكولومبي في أي مباراة من الست لمدة 90 دقيقة كاملة، فإما أن يكون بديلًا وينزل بالشوط الثاني، أو أن يتم استبداله حال البدء به أساسيًا.

في المقابل، غاب دوران عن ثماني مباريات مع الفريق التركي – قابلة للزيادة – واختلفت الأقاويل حول أسباب هذا الغياب..

الصحافة التركية تتحدث هذه الفترة عن "تمرد" مهاجم النصر المعار لفنربخشه على ناديه، بل ورفضه خوض المباريات، بداعي تغيير مجلس الإدارة!

هذا الجانب تحدث عنه الصحفي سردار علي تشاليكلر، مؤكدًا استياء دوران الكبير من تغيير المجلس الذي تعاقد معه برئاسة علي كوتش، حيث تواصل معه قائلًا: "هل تمزح؟، لقد جئت من أجلك إلى هنا وأنت ترحل الآن!"، خوفًا من عدم سداد مستحقاته المالية من قبل المجلس الجديد برئاسة ساداتين ساران.

تلك الرواية شهدت تطورات جديدة خلال الأيام الماضية، حيث يزعم بعض الصحفيين الأتراك على رأسهم إرفان يرميباش، الذي أوضح أن الكولومبي يرفض خوض المباريات حاليًا مع فريقه، غضبًا من مسكنه الحالي.

بحسب يرميباش فإن مجلس علي كوتش وعد دوران بمنزل بعينه، أقام به بالفعل لفترة، قبل طرده منه، لعدم دفع إيجاره المقدر بـ50 ألف يورو، وهو ما أثار غضب اللاعب.

المثير في هذه القصة أن فنربخشه لا يمكنه اتخاذ أي إجراء قانوني حال طالت مدة تمرد المهاجم الشاب ورفضه للعب، نظرًا لوجود بند خاص في عقده يحميه..

الصحفي ياغيز سابوندجو أوغلو كشف مفاجأة من العيار الثقيل، مؤكدًا أن عقد إعارة دوران من النصر إلى فنربخشه يتضمن بندًا خاصًا يعطي اللاعب حق اللعب وقتما شاء، ورفض المشاركة في المباريات حينما يشاء أيضًا، حتى إن لم يكن يعاني من أي إصابة أو مانع حقيقي!

غريب أن يضع لاعب صاحب 21 عامًا مثل هذا البند في عقده، لكن دعونا نواصل..

بينما يؤكد مختلف الصحفيين الأتراك "تمرد" جون دوران، اتخذ دومينيكو تيديسكو؛ المدير الفني لفنربخشه، طريق مغاير تمامًا، وقرر توجيه أصابع الاتهام للنصر، ربما بهدف "صرف نظر الصحافة عن ناديه وتوجيهه للأندية السعودية!"..

تيديسكو قال في مؤتمر صحفي رسمي: "دوران يريد اللعب، لكن الإصابة تمنعه، ونحن نريده أن يأخذ وقته، لكنه عانى من آلام في أنديته السابقة، وبعضه أجبره على اللعب وهو مصاب، ولا نريد أن نفعل ذلك، فالأمر يتطلب بعض الوقت، كي يعود للمشاركة، وأنا لن أخاطر به في ظل معاناته من بعض الآلام".

مزاعم تيديسكو تلك سخر منها الصحفي هاكان جوندوجار في ظهور تليفزيوني، معربًا عن شعوره بالجنون أمام ما يفعله جون دوران مع فنربخشه..

جوندوجار قال وسط ضحكات تجمع بين الاستياء والسخرية: "ما يحدث مضحك للغاية، بل ربما لا يوجد مثله في العالم أجمع!؛ جون دوران يقول لهم (أعاني من ألم في هذه المنطقة)، يقولون له (حسنًا) ثم يخضعونه للتصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية، يتبقى إخضاعه لاختبار حمل، وأخذ عينات من غازاته، لمعرفة ما يعاني منه، هم يفعلون كل شيء، ولا أحد يعلم ما هي إصابته!".

كل ذلك ربما على النصر أن يقف أمامه كثيرًا، لا لا! .. بل يهرب سريعًا!

ليعاني فنربخشه ما يعانيه مع جون دوران، هو موسم كامل عليه أن يقضيه معه أو ربما يبحث عن محاولة لـ"تصريفه" في الشتاء المقبل، لكن ما يعنينا الآن: ماذا سيفعل النصر؟

العالمي يعيش الموسم الجاري حالة استقرار غير معهودة به خلال السنوات الأخيرة، ليس هناك ذلك اللاعب "المزاجي" الذي يعكر الصفو العام أو ذاك الذي يريد أن يفرض نفسه على الفريق كنجم أول، فحتى كريستيانو رونالدو متأقلم على ما فرضه المدرب جورج جيسوس عليه في المجموعة من إراحته في بعض المباريات، وأصبح مهيأ نفسيًا لاحتمالية استبداله في بعضها الآخر.

تلك الحالة بإمكان لاعب بـ"نفسية" جون دوران تلك أن يهدها رأسًا على عقب، خاصةً وأنه المهاجم الذي من المفترض أن يقود الفريق تجاه مرمى الخصوم.

ما يعانيه الكولومبي فسره عمه – شقيق والده – في تصريحات رسمية من قبل، ويتوافق تمامًا مع ما قاله مدربه السابق ويلبرث بيريا..

أوزوالدو؛ عم دوران، قال في تصريحاته لـ"راديو كاراكول": "لقد مر جون بحالة نفسية وقتما كان في شيكاغو، كان يشعر بالملل في الولايات المتحدة الأمريكية، قمت بالاتصال به، وطلبت منه أن يرسل لي صورة للمكان الذي يتدرب فيه، وأخرى لغرفة تبديل ملابس فريقه".

وتابع: "طلبت منه أن يُقارن حياته في أمريكا، بالظروف الصعبة التي كان يعيشها في شبابه في بلدة إيتاجوي.. أخبرته أنه يجب عليه أن يهدأ ويشكر الله".

وأكد أوزوالدو أن عائلة جون دوران عاشت ظروفًا صعبة للغاية، ولم يكن يتوفر لديها أدنى سبل الحياة، لذلك أراد تذكير اللاعب بهذا الأمر، من أجل تحفيزه.

وعقب الدعم هذا الذي قدمه له شقيق والده، أوضح أوزوالدو أن جون دوران قام بقطع علاقته به نهائيًا في الأخير، ولم يعد يتواصل معه.

الخلاصة أن المهاجم الكولومبي الشاب لا يحسن التأقلم سريعًا في أي بيئة، ليس ذاك اللاعب المحترف الذي ينتقل من دوري لآخر ويتأقلم، فقد عانى في أمريكا مع شيكاغو، مع النصر في السعودية، ومع فنربخشه في تركيا، ربما فترة وجوده مع أستون فيلا لمدة موسمين (من يناير 2023 إلى يناير 2025) هي فقط التي لم تشهد أي أزمات حقيقية، بجانب بدايته في كولومبيا بالطبع.

هو ذاك اللاعب "المزاجي" الذي يدمر كل خطوة نجاح يخطوها بسبب نفسيته الصعبة، فهل يطيق النصر الصبر عليه بعد انتهاء إعارته لفنربخشه بنهاية الموسم الجاري؟، الإجابة قطعًا بالنسبة لجمهور: لا الهروب منه أفضل لنا مهما كانت الخسائر المالية التي سيتحملها النادي مقارنة بضمه بأكثر من 77 مليون يورو!