لا شك أن محمد صلاح عملة نادرة في تاريخ الكرة المصرية والعربية والإفريقية، ربما لن نراها تتكرر مرة أخرى بهذه الطريقة لسنوات قادمة.
نجم ليفربول وضع نفسه في مكانة لم يصل لها إلا القلائل من أبناء القارة السمراء، ولكنه لم يفلت من نيران الاتهامات بالتقصير.
الفترة ما بعد كأس العالم روسيا 2018 وقبل كأس الأمم الإفريقية الحالية، ربما هي الأسوأ بسبب العديد من الأزمات داخل وخارج الملعب.
ولكن الأمور تغيرت بصورة واضحة في الكاميرون، وتحول صلاح من متخاذل متكبر يتهمه البعض بالتعالي، إلى بطل شعبي يعشقه الجميع.
سبب الكراهية
Getty Imagesيجب الاعتراف بأنه بقدر تميز صلاح على أرض الملعب، واعتباره اللاعب الأفضل في العالم الآن، ومن الصفوة منذ فترة طويلة، إلا أن الأمر ليس كذلك عندما يبدأ في التحدث.
صلاح أغضب مجموعات من الجماهير المصرية، بسبب تصريحه حول العقلية أو "المينتاليتي"، واتهامه بعض أبناء بلده بالرغبة في الوصول إلى المجد من دون أي مجهود.
ووصلنا كذلك إلى موقفه من عمرو وردة في أمم إفريقيا 2019 في مصر، وتصريحاته المتناقضة عن اللاعب أثناء البطولة وبعدها، مما أثار تحفظ الجمهور عليه بشكل واضح.
وحتى في الملعب، صلاح كان يظهر في الكثير من الأحيان منعزلًا عن الجميع، لا يتداخل بالشكل الكافي في التواصل مع باقي اللاعبين، لتظهر اتهامات التعالي والتكبر ضده.
أزمات أخرى بسبب حقوق الرعاية مع الاتحاد المصري، والأزمة الشهيرة التي وقعت في مونديال روسيا، كلها أمور جعلت الأمور تزداد سوءًا.
عبوس الوجه في كل مرة يتواجد فيها صلاح، كان واضحًا للجميع، وجعل شعبيته بين الجماهير المصرية تقل بالتدريج، وأصبح البعض ينتظر له أي خطأ ليبدأ حملات الهجوم عليه.
ومع بداية النسخة الحالية من الكان، زاد الهجوم مرة أخرى على الدولي المصري، بتصريحاته عن انقسام الجمهور بتشجيع الأندية على حساب المنتخب، ولكن الأمر اختلف تمامًا.
الصورة الأفضل
Gettyفجأة ومن دون أي مقدمات أزاح صلاح هذه الصورة تمامًا عنه، وتحولت شكوك التكبر والتعالي إلى إعجاب بالتواضع ودوره في مساندة كافة اللاعبين الآخرين.
ذهابه لكل لاعب يهدر فرصة سهلة كان ملفتًا للأنظار، حرصه الشديد على بث روح الترابط بين اللاعبين، وتواصله المستمر على أرض الملعب، أثبت أنه أخيرًا استحق شارة القيادة التي تسببت في إثارته للجدل حول أحقيته لها.
رأينا في الكان النسخة الأفضل على الإطلاق، بالتصرفات المختلفة، واندماجه وسط باقي اللاعبين، وإزالة الفجوة التي ظهرت لسنوات وجعلت الجميع يتعامل معه بحذر في معسكرات المنتخب.
Gettyالأمر لفت أنظار يورجن كلوب مدربه في ليفربول، الذي تحدث في المؤتمر الصحفي لمواجهة كارديف سيتي بكأس الاتحاد الإنجليزي، عندما أبدى إعجابه بحديث صلاح إلى اللاعبين وتحفيزهم قبل ركلات الترجيح أمام الكاميرون في نصف النهائي
وحتى خارج الملعب، الابتسامة لا تفارق وجه صلاح، وهذا ما شاهدناه في أكثر من مقطع فيديو من داخل حافلة مصر وغرف خلع الملابس، حيث يحتفل مثل أي لاعب آخر ولا يميل إلى الانطواء.
صاحب الفضل؟
Getty Imagesوبعد استعرض هذا التغير نحن الآن بحاجة إلى معرفة الأسباب، أو على الأقل تخمينها ومحاولة الاستنتاج وفقًا لبعض المعطيات التي نراها أمامنا.
ولذلك يجب التحدث عن كارلوس كيروش مدرب الفراعنة، البرتغالي الخبير الذي جاء إلى مصر بعد العديد من التجارب، جعلت شخصيته مختلفة عن أي مدرب آخر جاء إلى مصر.
هل تحدث كيروش مع صلاح وجعله يتعامل ويندمج بهذه الطريقة؟ لما لا ! البرتغالي يمتلك كاريزما وروح مميزة وصرامة أيضًا تجعله لا يقبل ما يضر المجموعة.
Egyptأو يمكن الذهاب إلى أن صلاح فعل ذلك من نفسه، بعدما وجد طفرة حقيقية ومنظومة ناجحة مع البرتغالي، ليصبح لا مفر من الاندماج مع باقي اللاعبين ووضع حدود للعبوث والانطوائية.
وحتى أدوار صاحب الـ29 سنة أصبحت مختلفة بعد اختفاء مصطلح "مرر لصلاح" باستغلال سرعته في المرتدات، حيث أصبح دوره يعتمد بشكل أكبر على خدمة باقي اللاعبين وإمدادهم بالتمريرات الحاسمة والمؤثرة في الثلث الأخير، بدلًا من انتظار الكرة في مناطق الخطورة.
نحن لا نعلم كيف تغير صلاح ولا يمكننا سوى التخمين وقراءة الواقع، ولكن الأهم أنه وصل الآن إلى أفضل مراحل مسيرته المهنية، سواء مع النادي والمنتخب، وهو ما يجعله بلا منازع الأفضل في العالم خلال هذه اللحظة !
اقرأ أيضًا ..




