ميسي هو من جدد لفالفيردي؟ سمعتم بذلك من قبل بالتأكيد، وسمعتم أيضاً بمدى التناققض الفج بين عظمة لاعب ما على أرض الملعب وضحالة فكره ومفهومه الكروي عن اللعبة على الصعيد التكتيكي أو التدريبي، ربما تكون تلك هي حالة ميسي ولكن هذا ليس ما نحن بصدد إثباته أيضاً..
صحيح أن لنا في دييجو أرماندو مارادونا أسطورة نفس البلاد خير دليل، بين اللاعب الأسطوري الذي فاز بكأس العالم 1986 والدوري الإيطالي مع نابولي لمرتين لم يمس غيرهما في تاريخه، وبين تلك الأضحوكة التدريبية التي شاهدناها مع الأرجنتين في كأس العالم 2010، ناهيك طبعاً عن تجاربه المذهلة بين أندية عربية وأندية ليست على الخارطة من الأساس..
ولكن كفانا افتراضات، نعلم علم اليقين أن مدرب برشلونة لا يمكنه الإبقاء على وظيفته ما لم يكن على نوع من أنواع التوافق مع ميسي بأي صيغة كانت، وبالتالي حتى وإن كان الافتراض هنا ممكناً بأن فالفيردي ينعم برضا البرغوث، فإنه من الأسهل الاستماع إلى ليونيل نفسه عقب مباراة ريال بيتيس، تلك المباراة التي سجل بها هذا الهاتريك الرائع..
"أمام فريق يتعامل بشكل جيد مع الكرة ويبني اللعب من الخلف دائماً مثل بيتيس، أعتقد أن المدرب خطط تكتيكياً بشكل جيد لتلك المباراة، لقد دافعنا بتنظيم كبير. هذا الأسلوب يعجبنا ونتأقلم معه بشكل جيد".
كل شيء مثَّل موسم فالفيردي الأول في برشلونة قد اجتمع هنا تقريباً من الناحية النظرية، من 4-4-2 بثنائية ميسي وسواريز أماماً إلى ترك بيتيس يحصل على أغلبية الاستحواذ، الفارق الرئيسي هو في التحديثات المتقدمة على نوعية اللاعبين بالقائمة.
بدلاً من باولينيو بات هناك أرتورو فيدال، بدلاً من إصابة الوسط بالعقم الكامل يتواجد أرتور ميلو لتوفير أفضل نقل ممكن للكرة إلى الأمام، من هنا فقط يمكن القول مبدئياً بأن القائمة هي ما تطور، وليس فالفيردي.
يمكن القول أيضاً أن فالفيردي أجاد إدارة المباراة من منظور الندية أو الأمان، فبدلاً من مأساة الذهاب (4-3 لصالح بيتيس) فاز برشلونة بالأربعة، وبدلاً من أن يكون بيتيس هو المهدد الأكبر لمرمى البلوجرانا لم يسدد عليه سوى 3 مرات، ولكن بلغة المقاربة التكتيكية، هل يُفترض أن يكون بيتيس بلاعبيه أياً كانوا هو الطرف الأقدر على إدارة الكرة والفوز بمعركة الاستحواذ ضد برشلونة؟
هذا ليس خلافاً بشأن الأسلوب، ولنبتعد تماماً عن هوس الكتلان بأسلوب لعب معين، حتى وإن لم يكن هذا الهوس نابعاً من فراغ، بل من كونه الأسلوب الذي بنى مجد هذا النادي.. الأمر كله هو في مدى صدق ميسي حيال كون هذا الأسلوب الدخيل هو الأفضل حقاً..
ربما يمنحك الأمان الدفاعي، ولكن بشكل ظاهري، مهما حاولت برشلونة ليس فريقاً يجيد أي شكل من أشكال الطرق الدفاعية، بل كل الخطة الدفاعية تقتصر على التراص بالوراء في المقام الأول..
ولكن ميسي الذي يفعل الأعاجيب وسط التضييق، بالتأكيد لن يكون من العدل أن يواجهه أي فريق في مساحات واسعة، وهذا ما توفره تلك المقاربة، تجعل الخصم يتجرأ على مهاجمة برشلونة ثم يطعنه ليو من حيث لا يحتسب..
المُفارقة أن ميسي لم يستفد من ذلك بالقدر الذي توحي به تصريحاته، فالهدف الأول من ركلة حرة هي علامته المسجلة، والهدف الرابع بالطبع لا داعي للحديث عنه، ليترك لنا الأمر من الناحية الهجومية الهدفين الثاني والثالث، بالفعل أجاد سواريز وميسي التعامل مع المساحة في الهدف الثاني، فيما استعاد سواريز روحه المنسية في الثالث بشكل رائع للغاية.
ولكن لنتوقف للحظة عند فكرة جودة هذا الأسلوب بحذافيره ومدى استفادة ليو منه، ونحن على أعتاب لحظة نهاية أو استمرار كابوس ربع نهائي دوري الأبطال ضد مانشستر يونايتد، باستدعاء الكابوس السابق له مباشرة: روما.
بعيداَ عن كل الانتصارات التي حصل عليها برشلونة بطرق خادعة أو مقلقة أو مثيرة للرعب لدى الأنصار قبل الخصوم، تتميز بتلك الليلة بعنصر منسي ولكنه هام للغاية: أوزيبيو دي فرانشسسكو. هذا الرجل الذي ضاع عمله وسط حفل الهجوم "المُستحق" على فالفيردي.
رسم دي فرانشسكو التكتيكي في تلك اللحظة كان المُضاد الطبيعي للـ4-4-2 الجامدة لدى مدرب الكتلان، فوُجد ثنائي الهجوم دائماً بين أحضان 3 لاعبين، ووجد ثنائي عمق وسط برشلونة في وسط ثلاثي روما، كل صراع لنقل الكرة كان لروما فيه الزيادة العددية، وما كان لفكرة تواجد روبرتو وسيميدو في جبهة واحدة جدوى تُذكر..
ما حدث لم يحدث حين قرر فالفيردي مواصلة التراجع والرضا بالخسارة 2-0، دافعاً بأندريه جوميز بدلاً من إنييستا قبل ثوانٍ من كارثة مانولاس الشهيرة، بل حين نجح أحدهم في ابتلاع 4-4-2 طولاً وعرضاً بجودة تقل بأميال عن جودة برشلونة، هو فقط مجرد سؤال سنترك لكم إجابته: ما الذي يمنع أولي جونار سولشار من الإتيان بشيء مشابه؟


