"أنا لا أستسلم، ولن أستسلم، أريد أن أعمل بجد وأن أحقق أفضل النتائج الممكنة." كلمات لا تبدو غريبة عندما تُقال من ألماني يتحلى بعقلية دولته، لكنها تبدو مريبة بعض الشيء عند النظر في سياقها.
هذه هي حالة هولجر بادشتوبر، نجم بايرن ميونخ ومنتخب ألمانيا السابق، الذي حقق الثلاثية التاريخية مع البافاري في 2013 (حتى لو أصيب بالرباط الصليبي في منتصف الموسم)، وعانى بعدها من إصابات متتالية قللت كثيرًا من مسيرته المتوقعة وقتها.
بادشتوبر يمكنه اللعب في مركز قلب الدفاع وكذلك كان يلعب كظهير أيسر قبل الإصابات، نعته من قبل بيب جوارديولا بأنه "أفضل مدافع دربه في حياته"، وارتبط بمانشستر سيتي في فترة.
سجل مرضي كبير لبادشتوبر وكلها إصابات خطيرة، ما بين تمزق في الرباط الصليبي وتمزق في الأوتار وتمزق عضلات الفخد وغيرها، إصابات جعلت بايرن ميونخ يستغني عنه لينتقل إلى شالكه، ومنه يستقر في شتوتجارت منذ 2016-17.
مع شتوتجارت، قدّم بادشتوبر موسمًا رائعًا بأتم معاني الكلمة، حقق خلاله نادي الجنوب المركز السابع في ترتيب البوندسليجا، ليمدد عقده لمدة ثلاثة مواسم تالية، ومن هُنا تبدأ قصة جديدة تمامًا.
الموسم الثاني له مع شتوتجارت كان مآسويًا، نادي الجنوب انهار تمامًا حتى هبط، فهل يستسلم بادشتوبر؟ قرر اللاعب الذي يُعد من ناشئي الشفابيانس الاستمرار مع ناديه الأم حتى في الدرجة الثانية.
مع هبوط شتوتجارت، تغيرت الإدارة الرياضية تمامًا، وأتى سفِن ميسلنتات في منصب المدير الرياضي، ومن المعروف أنه عاشق للشباب ولا يحبذ اللاعبين كبار السن، وتجربته مع دورتموند وبعدها آرسنال تتحدث عن نفسها.
في الدرجة الثانية، لعب بادشتوبر دورًا مع كتيبة المدرب بيلجرينو ماتراتزو، قبل أن تنشب خلافات بين اللاعب والمدرب لعدم إشراكه أساسيًا باستمرار، ليأتي القرار الهام بأن يُستبعد تمامًا من الفريق الأول.
عاد شتوتجارت إلى البوندسليجا باحتلاله المركز الثاني في دوري الدرجة الثانية الموسم الماضي، وكان أول قرارات النادي في الصيف واضحة، استبعاد هولجر بادشتوبر من تدريبات الفريق الأول، على أن يلعب مع فريق الرديف في دوري الهواة.
عقد بادشتوبر مع شتوتجارت يمتد حتى صيف 2021، استبعاده كان "لأسباب رياضية" وفقًا لتأكيدات ميسلنتات والمدرب ماتراتزو، أسباب فُهمت لاحقًا في أن الفريق يعتمد كليًا على الشباب لدرجة أن متوسط عمر تشكيلته الأساسية 22 عامًا.
قبل إعجاز ميسي .. رونالدو وإيزيبيو وأكثر من سجلوا لفريق واحد
imago images / Sportfoto Rudelبادشتوبر في الواحدة والثلاثين من عمره، يُعاني من البطء جراء الإصابات الكثيرة في قدمه وكذلك طبيعته، لا يتناسب مع فلسفة المدرب والنادي الجديدة مع ميسلنتات، والنقطة الأهم أنه بمثابة العبء على النادي نتيجة لراتبه المرتفع.
عرض شتوتجارت الصيف الماضي على بادشتوبر عقد تسوية يرحل بمقتضاها إلى أي نادٍ آخر، لكن رد اللاعب كان مفاجئًا، بادشتوبر رفض الأمر جملةً وتفصيلًا وفضّل أن يستمر في دوري الهواة عن الرحيل للبوندسليجا أو الدرجة الثانية في أسوأ الأحوال.
لكن ما السر وراء ذلك؟ تعلق الأمر بالراتب الضخم الذي حصل عليه عندما جدد بعد أول مواسمه الناجحة في مرسيدس بينتس آرينا، فمنحه المدير الرياضي المُقال مايكل ريتشكه عقدًا بـ2.5 مليون يورو سنويًا، مبلغ لا يتحصل عليه الكثيرون في البوندسليجا من الأساس.
شتوتجارت عرض على اللاعب أن يدفع له مليون ونصف المليون في الصيف الماضي من أجل أن يرحل، لكن رد بادشتوبر كان بتصريحات واضحة "هذا هو الوضع بالنسبة لي وسأحقق أقصى استفادة ممكنة منه".
بالفعل، فعل بادشتوبر ما يريد، الآن ينشط الدولي الألماني السابق في دوري الهواة ويلعب فيه بصورة مستمرة مع رديف شتوتجارت، يتحصل سنويًا على 2.5 مليون يورو ولا يشعر بأي أزمة، ولا يزال يؤمن بأن مسيرته ستشهد ما هو أفضل بعد نهاية عقده في نادي الجنوب.
يبقى السؤال في النهاية، هل فعل بادشتوبر الصواب؟ من نجم بطل ثلاثية إلى ناشط في دوري الهواة رغم أن بمقدوره اللعب في مستويات أقوى، لكن يبدو أن الأموال تتحدث كما يُقال دومًا، والنتيجة المنطقية لذلك إصراره وتفضيله للهواة، فلن يدفع له أحد 2.5 مليون يورو مرة أخرى، فرصة لا تتكرر.
لتكون النهاية.. هل تحلى بادشتوبر بالعقلية الألمانية حقًا؟ أم تحلى بعقلية البشر التقليدية، المكسب وتأمين المستقبل أولًا؟ الأموال بهذا القدر لا تعوّض ربما، لكن الأكيد أن انهيار المسيرة أيضًا لا يعوض..