في كرة القدم هناك معادلة أضيفت حديثًا، تلك التي تتعلق بالمتعة والنتائج، وكرة القدم الهجومية والدفاعية وأيهما تجلب البطولات، وعلى الرغم من أن الجميع يلعب من أجل البطولة في النهاية، إلا أن الإجحاف أصبح ملازمًا لهذه المعادلة، نظرًا لأن كل شيء أضحى من السهل نسفه في حال لم تأتِ البطولة في النهاية، أيًا كانت الأسباب وراء ذلك، وأيًا كانت التفاصيل فإنها لا تهم لأنها ستنسى على أية حال.
هنا سنقف للإجابة على سؤال وماذا سيتذكر التاريخ بعد سنوات؟ ذلك السؤال الذي يحاول به البعض التأكيد على أن كل شيء يسقط من سجلات التاريخ عدا اسم الفائز بالبطولة، على الرغم من أن جميعنا نتذكر كل أجيال هولندا حتى اليوم، بدءًا من جيل كرويف مرورًا بجيل فان باستن وصولًا إلى جيل شنايدر وروبين وفان بيرسي، وفي كل حقبة من هؤلاء تحاكت أجيال عن عظمة كرة القدم الهولندية، دون أن تتوج الطواحين كل ذلك بكأس العالم.




من الممكن التطرق إلى بعض النقاط الأخرى، والحديث حول نسيان التاريخ لروبيرتو دي ماتيو الذي حقق دوري أبطال أوروبا مع تشيلسي، وذكره وإجلاله لأرسين فينجر الذي لم يحقق البطولة ذاتها مع الجار آرسنال، وهذا لا يعني بالمناسبة أن البطولات لا قيمة لها، ولكن يعني فقط أنها قيمة تحتاج إلى تفسير، وتحتاج إلى الحديث في التفاصيل التي حدثت حولها، نظرًا لأن تلك التفاصيل هي التي تحدد كل شيء تقريبًا.
وبعد ذلك، أنظر إلى العالم اليوم، ستجد جوزيه مورينيو سقط وحوله السكاكين، على الرغم من امتلاكه لثلاثة أصابع يشير بهم عند الحاجة، ثلاثية وحيدة في تاريخ إيطاليا حققها مع إنتر، وثلاثة بطولات للدوري الإنجليزي حققها مع تشيلسي كأكثر مدربي الجيل الحالي تحقيقًا للبطولة، ونجاحات لا تعد ولا تحصى، ولكن في حال تم ترشيحه لتدريب فريق ما فإن خشية الفشل تلازمه قبل التفاؤل بالنجاح، أليس الأمر غريبًا على رجل يكتظ تاريخه بالذهب؟
على الناحية الأخرى فهناك مثلًا أسماء أخرى يطالب بها الجميع من أجل قيادة مشروعات للأندية الكبرى، دي زيربي وماوريسيو ساري وعلى رأس القائمة يأتي اسم احتار الكل في وضع تعريف له ولرحلته، إلا أنه بالنظر إلى توتنهام قبل مجيئه وتوتنهام اليوم لا بد وأن ترفع له القبعة بداية قبل إصدار أية أحكام، بالطبع لا نحتاج لأن نذكر أن هذا الرجل هو ماوريسيو بوتشيتينو.
هناك الكثير من الشكوك تحوم حول الرجل حاليًا، وبعضها منطقي بالمناسبة حتى وإن رفضنا بعضها الآخر، الرجل الذي بات يملك تشكيلًا خرافيًا لا زال عاجزًا عن التتويج ببطولة ولو حتى كأس كاراباو التي لا يريدها أحد، عاجز حتى عن المنافسة الشرسة، يشاكس من بعيد فقط ومن ثم يتراجع ولا يكاد يظهر مرة أخرى، حتى موسم غياب الكبار جميعهم في 2016 لم يستطع خطف اللقب من ليستر سيتي الصاعد من الدرجة الثانية قبلها بعام وأشهر قليلة.
الرد على هذا غالبًا لا يكون في محله، حيث أن البعض يبرر ذلك بأن الرجل استلم فريقًا أقل من المتوسط بكثير وجعل منه أحد أقوى الفرق في إنجلترا، ولكننا هنا بصدد تكرار مغالطة مورينيو برفع أصابعه الثلاثة كلما استلزم الأمر، وإعادة التذكير بمشروع توتنهام قبل بدايته سيكون كإعادة التذكير بدوري الأبطال التي فاز بها مورينيو مع بورتو، تمامًا كإعادة الفنان هاني رمزي التذكير بحرب أكتوبر التي استشهد فيها والده في الفيلم المصري الشهير أبو العربي.
هنا تحتاج لأن تغوص أكثر داخل التفاصيل، وألا تكتفي بذكر جملة واحدة من أجل تلخيص الأمر، ووضع الأمور إما في ناحية الأبيض أو الأسود لأنه لا مكان للرمادي في هذه اللوحة، تحتاج لأن تتحدث عن فارق الإنفاق وعن التفاصيل التي أدت إلى كل فشل وكل صعود، حينها ستدرك أن الرجل أخطأ في كثير من الأحيان وأضاع العديد من الفرص السانحة لتتويج هذا المشروع ببطولة واحدة على الأقل، ولكنك ستعرف أن اتهامه بالفشل لا يمكن أن يعتبر إلا جريمة متكاملة، وأن التقليل من حجم هذا المشروع يعد جريمة أخرى أيضًا.
بعد الوداع.. رسالة إيميليانو سالا التي لم يكتبها
هنا للأسف لن تجد إجابة على سؤالنا الرئيسي، ذلك الذي يتحدث حول هل تبنى سمعة المدربين بالأداء أم البطولات، إذ أن الأمور ليست محكومة بمعيار ثابت، ولكنك بين هذا وذاك لن تستطيع أن تنكر أحقية بوتشيتينو وساري ودي زيربي بفرص أكبر وتجارب أخرى، وبالطبع في حال تجردت من كل ذلك فإنك تتمنى داخليًا أن يدرب أحدهم فريقك المفضل، وذلك بكل تأكيد سيرجع أيضًا إلى حجم الطموح لدى فريقك، ومناسبته لأسلوب لعب هذا المدرب أو ذاك.
