لماذا نحب كرة القدم؟
ربما يبدو السؤال بسيطًا لكنه من نوعية الأسئلة التي لا يوجهها أحد لنفسه ويتعامل معها على أنها مسلمات أو جزء أصيل من حياة تكونت حتى في سن صغير دون تفكير أو ترتيب.
أحببنا كرة القدم لأنها لعبة جدير بالحب، أو لأننا وجدنا الجميع يحب كرة القدم أو ربما لأن اسمها الساحرة المستديرة وهو اسم فاتن كما ترى.
لكن هناك العديد من الأسباب التي جعلت كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولا يمكن حصرها في مقال واحد أو موضوع واحد فقط لأن يمكن محاولة الحديث عن أحد هذه الأسباب.
في المقال الآتي نستعرض أحد هذه الأسباب الذي دفعتنا لحب هذه اللعبة ألا وهو العشوائية.
كرة القدم حياة
ما السبب الذي دفع ريال مدريد لحصد لقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا الموسم الماضي؟ الإجابة – بعيدًا عن هراء نقاشات برامج التحليل – هي أننا لا نعرف، وربما لن نعرف أبدًا السبب وراء حصد الملكي للأبطال رغم عيوبه الواضحة وأخطائه القاتلة.
لن نعرف السبب وراء سقوط برشلونة المتتالي في دوري أبطال أوروبا بعودة تاريخية لفرق منافسة، ولن نعرف السبب في حصد ليستر سيتي للدوري الإنجليزي في 2016 ولن نعرف لماذا يصر ليفربول على خسارة لقب البريميرليج بفارق نقطة واحدة.
لأن ببساطة كرة القدم في قمة العشوائية، من يحقق الفوز لا يكون دائمًا الطرف الأفضل، ولن تندهش لو وجدت فريقًا سدد أكثر وهدد أكثر وخسر بمرتدة وحيدة.
.jpg?format=pjpg&quality=60&auto=webp&width=380)
العشوائية هي التي جعلت فرقًا غير متوقع لها النجاح تنجح، وأخرى فشلت رغم توافر كل ما يناسبها لحصد الألقاب.
لاعبون تحول مستواهم 180 درجة نحو الأفضل دون سابق إنذار وغيرهم سقط دون سابق إنذار.
ورغم أنّ العشوائية أمر قد يبدو غير محبب للنفس، لكنّه ببساطة أمر يشبه الحياة اليومية، فكلنا نعيش ونخطط ونضع الأفكار لكن ما يحدث دائمًا يكون عشوائيًا وغير متوقعًا.
التوقعات لا تناسب الواقع إلا نادرًا والصدمات والمفاجآت تجتاح طريقنا في الحياة ولهذا أصبحت كرة القدم جزء بسيط مصغر من حياتنا جميعًا.
السير في طريق العشوائية
ورغم أنّ كل من يعمل في مجال كرة القدم يعرف جيدًا أنّ العشوائية تحكم وتسيطر على كل شيء، لكن لا يزال هناك من يرفض ترك الأمور تأخذ مجراها.
مدربون أمثال بيب جوارديولا يفضلون النظام والمحافظة على هيكل خاص بهم لفرض الأسلوب والتحكم في العشوائية وتحقيق المنطق في أن يفوز الأفضل والأكثر جاهزية وأعلى جودة.
ربما ينجح الأمور في سباق النفس الطويل وهو الدوري، ويحقق فريق بيب اللقب في إسبانيا وألمانيا وإنجلترا ولأكثر من مرة، لكن لن ينجح في دوري أبطال أوروبا لأنه ببساطة السباق الأكثر عشوائية بين اللعبة.
أما الطرف الآخر من المعادلة وهو مدرب مثل كارلو أنشيلوتي، يفضل دائمًا السير في طريق العشوائية ومحاولة اتباع هواه ورغباته ولذلك ينجح دائمًا على الصعيد الأوروبي بينما عدد بطولات الدوري التي حققها لا يناسب أبدًا مسيرته الطويلة.
الجمهور يعشق العشوائية
قد يظهر الجمهور تارة ويقول إنّه يبحث عن مدرب يمتلك مشروعًا طويل الأمد ويبني فريقه المفضل على أتم شكل.
لكن الحقيقة أنّ الجمهور لا يدري أصلا معنى كلمة المشروع، وطالما لا يحقق فريقه البطولات فلا يهم الطريق أو المسار المتخذ، فقط الفوز هو الحكم.
لذلك يفضل الجمهور دائمًا متابعة دوري أبطال أوروبا ودعم المدرب الفائز وتمجيده بأي سبل واستخدام الكليشيهات لأجل ذلك، فلا أحد يبحث عن العدالة بل الإثارة.
والإثارة في العشوائية وفي تقلبات المباريات وفي عودة تاريخية بدوري أبطال أوروبا وأن يحصد اللقب فريق غير متوقع وحصان لم يكن أبدًا على رأس سلم المراهنات.
العشوائية ممتعة، لأنها تكسر عرش هؤلاء الذين يظنون أنفسهم آلهة كرة القدم وتجعل كل شيء ممكن ووارد وهو ما يجعل اللعبة عرضًا ترفيهيًا مسليًا أقرب إلى حياة حقيقية.
لو فاز الفريق الأفضل دائمًا وخسر الفريق السيء باستمرار لما حظيت اللعبة بهذا القدر من الشعبية فلا أحد يفضل حدوث شيء متوقع بل دائمًا التحولات والتغيرات هي ما تعطي للكرة طعمها ورونقها.
ألم أقل لكم من الكرة الحياة!
