في رواية "بيلي ليار" أو كما باتت تعرف "برواية ليدز" لكيث واترهاوس التي تحولت لفيلم لاحقًا، يستيقظ البطل الحالم بتحقيق سعادته على وقع كابوس سيئ، ويتخلى عن صديقته ليز، التي جسدت شخصيتها الممثلة جولي كريستي في الفيلم... لكن ليدز يأمل بأن تكون النهاية مختلفة هذا الموسم.
في يوم من الأيام، كان ليدز هو الفريق الذي تجرأ على الحلم، كان الفريق الذي يسر الناظرين ويرهب المنافسين. رقم كبير في كرة القدم الإنجليزية كونه ينحدر من مدينة كبيرة لا يتواجد فيها كبير غيره، وبالتالي فمدرجات ملعبه كاملة العدد دائمًا.
كان الفريق شابًا وحيويًا ومثيرًا في لعبه، مع ديفيد أوليري المدرب الذي كان يخوض تجربته التدريبية الأولى، فصعد به من وسط الجدول للقمة، بل ودخل الألفية الجديدة بثوب أندية النخبة الأوروبية.
وبلغ "الوايتس" ذروة نجاحه في موسم 2000/2001 عندما نجح فى الوصول الى الدور نصف النهائى من دورى أبطال أوروبا مطيحا بفرق مثل ديبورتيفو لاكورونيا ولاتسيو وأندرلخت، وهى المرحلة التى عجز مانشستر يونايتد وآرسنال -كبيري إنجلترا وقتها- عن بلوغها في تلك الفترة.
ونافس ليدز على لقب الدورى الانجليزى بين عامى 2000 وحتى 2002 محققا المركزين الرابع والخامس برصيد لم يقل عن 65 نقطة، مما ضمن له تواجدًا دائمًا بالبطولات الأوروبية, كما صارت فرق القمة بإنجلترا تعمل ألف حساب لكبير يوركشاير والأيلاند روود "الصاخب دومًا".
السر فى التناقض الشديد بين الصورتين لليدز سابقًا وحاليًا، هو سوء الإدارة المالية التي جعلت الفريق يتهاوى من فريق ينافس في سيمي فاينل الأبطال للمستوى الثالث حتى من كرة القدم 2010.
سقوط ليدز خلق مفهوم جديد في كرة القدم الإنجليزية، هناك مصطلح بات معروفًا جدًا لجرح ليدز يسمى 'Doing a Leeds' أو تجربة ليدز، وهي لتحذير الأندية من تكرار ما عانى منه ليدز.
هذا المصطلح أصبح مرادفًا للأندية التي تفشل في الإدارة المالية لفرقها، وهو ما ينطبق على ليدز الذي سقط من القمة للأسفل لدوري الدرجة الثانية (لأول مرة في تاريخه) في غضون سنوات قليلة!
Getty Imagesليدز عانى من انهيار مالي لأن إدارته المالية كانت قمة في السوء، فبعد أن نجح الفريق في الوصول لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وتجاوز مستوى إنفاقه كل الأندية الأخرى، ارتفعت الديون من 9 مليون استرليني إلى 21 مليون ثم إلى 39 مليون، وبلغت ذروتها عند حوالي 119 مليون جنيه استرليني!
هذه الديون جاءت بسبب رواتب اللاعبين وصفقات الانتقالات، فالنادي كان يُخطط للحفاظ على تفوقه في المنافسة الإنجليزية بجلب الكثير من النجوم، لكن موسم 2002/2003 كان ضربة قوية للنادي بفشله في التأهل لدوري أبطال أوروبا باحتلاله المركز الخامس.
هذا النادي لم يعد قادرًا على سداد ديونه التي كانت تعتمد على ما يعود عليه من عوائد البث من وجوده في المنافسة الأوروبية، فبدأت عملية الانهيار المالي، واضطر لبيع نجومه!
بعد تألقه الأوروبي ووصوله لنصف نهائي الأبطال، قام رئيس النادي بيتر ريدسديل بمواصلة الإنفاق القوي على صفقاته لأنه كان يظن أنه سيعوض ما أنفقه عندما يواصل التأهل للمسابقة الأوروبية في المستقبل.
قام ريدسديل باقتراض 60 مليون جنيه استرليني مقابل إيصالات مستقبلية، لكن جاءت الضربة الكبرى في عامي 2002، 2003 حيث فشل ليدز في التأهل لدوري الأبطال، وفشلت خطط ريدسديل، واضطر لبيع نجومه بشكل تدريجي.
فرديناند وروبي كين وروبي فاولر رحلوا عن النادي عام 2002 مقابل 43 مليون جنيه استرليني، وتم بيع وودجيت إلى نيوكاسل مقابل 9 ملايين جنيه استرليني في يناير 2003 كان ذلك يعتبر القشة الأخيرة للكثيرين، بما في ذلك المدرب تيري فينابلز، الذي حل محل المدرب ديفيد أوليري.
في عام 2003، أنهى ليدز الدوري الإنجليزي في المركز الخامس عشر، في السنة التالية هبط لدوري الدرجة الأولي ولم يصعد إلى الآن.
قبل فترة أخرج أوليري كتاب له يتحدث مخصوص عن فترة ليدز، وعن أسباب عدم اكتمال الحلم، وعن الدروس المستفادة من تجربة النادي.
وعندما استقال ريدسديل من رئاسة النادي في مارس 2003. كانت قيمة ليدز تبلغ 12 مليون جنيه استرليني مقابل ديون بلغت 79 مليون جنيه استرليني، وظهرت تفاصيل الأموال التي كانت تبدد بشكل مبالغ فيه للغاية في شكل تعويضات للمديرين الفنيين الذين تتم إقالتهم وأجور باهظة للاعبين.
بات يوصف ليدز يونايتد بأنه أكثر عمالقة إنجلترا نومًا، وقد حاول النادي كثيرًا العودة إلى الدوري الممتاز مرة أخرى، وخاض الكثير من التجارب واعتمد على الكثير من المديرين الفنيين من أجل تحقيق هذا الهدف.
ليدز يلمس الحلم مع بيلسا
Getty/Goal compositeالحلم تحقق أخيرًا مع مارسيلو بيلسا وذلك بالتأهل رسميًا إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بعد غياب دام لسنوات وحطم الرقم القياسي لهم في رصيد النقاط في التشامبيونتشيب عندما صعد به هوارد ويلكنسون في موسم 1989/1990 برصيد 85 نقطة.
يعيش ليدز حالة استقرار وأجواء نقية مع "أفضل مدرب في العالم" من وجهة نظر بيب جوارديولا، قبل ذلك كانت وظيفة مدرب ليدز توصف بأنها "أسوأ وظيفة شاغرة في العالم"، فقد كان فريقًا تعاقب عليه 12 مديرًا فنيًا خلال خمس سنوات، واستعان بمدرب لم يكمل قط ثلث موسم داخل نادٍ واحد.
ليدز كان بمقدوره التأهل للدوري الإنجليزي الموسم الماضي حيث كان متصدرًا لترتيب التشامبيونتشيب حتى فبراير من العام الماضي لكنه خسر ست من آخر 13 مباراة وأنهى المسابقة في المركز الثالث خلف نوريتش سيتي وشيفيلد يونايتد ما دفع الفريق لخوض ملحق الترقي للمنافسة على آخر المقاعد المؤهلة للبريميرليج وخسرها أمام ديربي كاونتي "فرانك لامبارد".
الفارق بين الموسم الحالي والموسم الماضي الذي انهار فيه ليدز في المراحل الأخيرة أنه الآن يتقدم مع تراجع المنافسين، ومستواه تصاعدي. تراكم خبرات المنافسة في المواسم الماضية جعل الفريق حتى اللحظة يدرك الخطأ ولا يسمح بالانزلاق.
بقاء بيلسا أيضًا ساهم في تعزيز هذا الاستقرار، خاصة تأثيره على كل كبيرة وصغيرة في النادي، للدرجة التي جعلته في يومه يضع إصبعه على سطح مكتبه لكي يرى ما إذا كان هناك غبار أم لا!
ربما سيكون من الرائع مشاهدة بيلسا يجلس على "الأيس بوكس" في البريميرليج، ومشاهدة تعبير وجه جوارديولا في مصافحة المدرب الذي علمه بعض فنون التدريب، لكن القيمة الأكبر ستكون في عودة فريق عملاق لمكانته الطبيعية التي يستحقها وستضيف لقيمة الدوري الإنجليزي الممتاز.


