"ومن الغيرة ما قتل" .. قول شائع عن آثار "الغيرة" السلبية على أصحابها وليس الطرف الآخر، وهو قول يصح أن نصف به هجوم جوزيب بيدريرول وضيوفه في برنامج "إل شيرينجيتو" الإسباني المعروف على برنامجنا العربي "المجلس" ومقدمه خالد جاسم واتهامه إليه بتقليده.
بداية وقبل الخوض في الحديث علينا الفخر جميعًا بأن دولنا العربية أصبحت مدعاة للحسد والغيرة من جانب الأجانب وخاصة الأوروبيين في كرة القدم، هم لا يستسيغون ولا يهضمون ذلك التفوق العربي الذي أصبح واقعًا أصيلًا في كرة القدم العالمية، لا ينظرون لنا بعين المحب أو حتى المنافس الشريف بل لا يروننا سوى مجموعة من شعوب العالم الثالث لا يحق لها أبدًا التفكير والعمل على التقدم للصف الأول!
هذا الأمر نراه واضحًا جليًا في حديث العديد منهم عن ثورة دوري روشن السعودي واستقدام النجوم، فهم يُحاربون نجومهم القادمين للملاعب السعودية ويُسيئون لمدربيهم المقبلين على العمل مع أندية دوري روشن، ونراه كذلك في استضافة قطر للأحداث الرياضية الضخمة وأبرزها كأس العالم 2022، وقد حاربوا البلاد بشتى الوسائل، بدءًا من التشدق بحقوق العمال، مرورًا برفض اللعب في الأجواء الحارة، وانتهاء برغبتهم في فرض ثقافتهم الخاصة وسلوكياتهم المرفوضة من جانبنا، والأمر ذاته يتضح أيضًا في رفض إنجازات المغرب الأخيرة في كرة القدم، سواء وصول المنتخب الأول لنصف نهائي كأس العالم 2022 أو فوز منتخب الشباب بكأس العالم تحت 20 عامًا، وأخيرًا وليس آخرًا نراه في الانحياز ضد محمد صلاح، نجم مصر وليفربول، واستنكار فكرة فوزه بالكرة الذهبية والهجوم الشرس عليه حاليًا وتحميله مسؤولية انهيار ليفربول، رغم أن هذا يُعد اعترافًا منهم بأفضليته ودوره بالفريق.
هم يرفضون كل أنواع النجاح تلك القادمة من شمال إفريقيا والجزيرة العربية، كل هذا التفوق الذي يلعب دور البطولة به كوادر عربية خالصة بمساهمات من جانبهم، يُحاولون إعادة كل هذا لأمر واحد .. المال! رغم أن القاصي والداني حاليًا يُقر ويعترف بدور المال في كرة القدم ولنا في مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان وحتى ريال مدريد وبرشلونة خير مثال! ولكنه حلال لهم حرام علينا!
نعود إلى موضوع المقال، هجوم البرنامج الإسباني الشهير على برنامجنا المحبب واعتباره نسخة مقلدة! بل والسخرية من وضعية جلوس ضيوف "المجلس" وانفعالاتهم وردود أفعالهم، ورفضهم التام للأمر.
نحن ندرك جميعًا أن حديثهم غير صحيح أبدًا، إذ برنامج المجلس انطلق في الـ29 من إبريل 2005 قبل أشهر قليلة من البث الرسمي لقنوات الكأس والدوري القطرية، فيما كانت بداية "إل شيرينجيتو" عام 2014 ... المنطق يقول أنهم من قلدوا برنامجنا! لكننا لا نقول هذا، لأننا أكثر وعيًا من ذلك.
ما لا يعلمه بيدريرول ورفاقه في "إل شيرينجيتو" أن هجومهم هذا هو دليل تميز ونجاح "المجلس" الساحق، إذ نجاحه هذا أوصله للعالمية ولأن يكون بطل نقاش أحد أقوى البرامج الحوارية الرياضية في أوروبا، هذا يعني أن ردود الفعل وأصداء البرنامج وصلتهم بالفعل، وهي بالتأكيد وصلتهم سابقًا من خلال حضور العديد من النجوم في "المجلس" وتحليلهم للمباريات وحديثهم الخاص مع الإعلامي خالد جاسم، وعلى رأسهم الأسطوري ليونيل ميسي والنجم الإيطالي المعتزل روبرتو بادجيو.
وصلهم كل هذا، ولم يستطيعوا كبح جماح غيرتهم وغضبهم مما يحدث، فتوالت الاتهامات بالتقليد بل والتقليد السيئ على حد وصف البعض منهم! هم لا يعلمون أن برنامج المجلس حاضر في بيت كل عربي مهتم بكرة القدم، خاصة خلال البطولات المجمعة للمنتخبات العربية وعلى رأسها كأس العرب، هم لا يُدركون حجم التفاعل والفرح والاستمتاع بآراء المحللين واللاعبين السابقين ونقاشاتهم وجدالاتهم وآرائهم الغريبة أحيانًا والمتطرفة أحيانًا أخرى .. برنامج "المجلس" هو تعبير حقيقي عن كل بيت أو قهوة أو حتى "جلسة شارع" لمجموعة من العرب عشاق الساحرة المستديرة، ولذا كانت الهبة الجماهيرية الهائلة للدفاع عنه وللتأكيد على أنه يسبق بسنوات عديدة البرنامج الإسباني الشهير وأن الأخير قد يكون النسخة المقلدة منه! عمومًا، لقد تعلموا الدرس جيدًا وأدركوا تلك الحقائق أو بعضها على الأقل!
أنتقل إلى نقطة أخرى تتعلق برد فعل الإعلامي القطري خالد جاسم على ذلك الهجوم المفاجئ والشرس من زميله الإسباني، هو رد يُمثل نموذج الرد القطري المستفز لجميع الخصوم! وهو الرد الذي يجب أن يتحلى به جميع العرب لمواجهة أي هجوم أوروبي مستقبلي على نجاحاتهم وإنجازاتهم.
جاسم كان هادئًا، إيجابيًا، عمليًا، محترفًا وعقلانيًا في رده، لم يُهاجم الصحفي الشهير أو برنامجه، لم يتحدث بالصوت العالي واللهجة العنترية، لم يُسيئ إلى أحد ... كان بداية رده تحية "خصومه" ونهايته توجيه الدعوة لهم للحضور إلى المجلس والتعرف عليه جيدًا.
هذا الرد الذي ظهر على حسابات الإعلامي المخضرم على منصات التواصل الاجتماعي وفي حلقات برنامج المجلس يُلخص تمامًا تعامل قطر مع من ينتقص من نجاحها ويُحاول تشويهه وربطه بمجرد المال، وهنا نحن لا ننكر أبدًا استخدامنا نحن العرب الجيد للمال مؤخرًا وهو بالتأكيد حق أصيل لنا، فهي ثرواتنا وهو مالنا!، إذ يكون الرد دومًا إيجابيًا وهادئًا وعمليًا واحترافيًا إلى أبعد الحدود.
رأينا هذا كله في تعامل القطريين مع الهجوم الشرس على تنظيمهم لكأس العالم 2022 .. التزموا الصمت وواصلوا العمل حتى أبهروا الجميع في المونديال وانتزعوا اعترافات الشعب الأوروبي كاملًا بأن النسخة الأخيرة هي أفضل نسخ كأس العالم في التاريخ، حتى إن جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، قال مؤخرًا أنه يتمنى إقامة الـ10 نسخ القادمة من كأس العالم في قطر.
خالد جاسم استخدم نفس الأسلوب القطري "المستفز" للخصوم بتجنب الإساءة والعصبية والغضب والرد بكل هدوء، والأهم حضور الرد العملي الحاسم والذي تمثل بدعوة العرب للرد، وهو ما حدث بالفعل بغزو التغريدات العربية وحتى باللغة الإسبانية لحسابات "إل شيرينجيتو" على السوشيال ميديا لإيضاح حقيقة البرنامج الذي يُقلد الآخر. هذا الرد ألجم بيدريرول وجعله يتراجع خطوات للخلف ويُشيد بالجاسم وأسلوبه ويدعوه لبرنامجه.
يبقى المجلس مجلسنا وبيتنا وجلستنا الحوارية الممتعة بشأن كرة القدم، وتبقى كأس العرب بطولتنا وثقافتنا وشغفنا الأصيل مهما كان التعلق بالبطولات الأوروبية.
