Lionel Messi Joseph Blatter Argentina Germany World Cup 2014 TrophyGetty

في ذكرى خسارة كأس العالم.. رسالة ميسي التي لم يكتبها

مرحبًا، اليوم يحتفل البعض بالذكرى السنوية السادسة لأسوأ يوم في حياتي، هذا مؤلم بالطبع ولكنني أدرك أنني لست مقصودًا به، هم يحيون ذكرى إنجاز تاريخي لهم، حظي أنني بكل أسف، كنت ضحيته الأبرز.

يجول في خاطري الكثير من الأشياء حول هذا اليوم، أدرك تمامًا حقيقي أنني لم أصبح نفس الشخص الذي كنت عليه قبلها، أصبحت مطالبًا بإثبات بعض الأشياء التي لم أكن أفكر فيها، وامتلأت حياتي بتحديات لم أعهد خوضها، وأصبح الاستمتاع بكرة القدم مشوبًا بما لا ينتمي لشغفي باللعبة.

لقد التقطت عدسات الكاميرا وجهي الذي لم يقدر على منحكم أي تعبير، وعيناي التي لم ترتفع للأعلى، وخطواتي الهائمة كالذي يتسكع في الأزقة بعد منتصف الليل، لا يعلم إلى أين يذهب ولماذا عليه أن يذهب من الأساس، خطوات بلا هدف، تحركني المراسم والبروتوكولات نحو منصة لاستلام ميدالية ومصافحة الشخصيات الهامة، لا أريد أن أفعل ذلك لأن الشيء الوحيد الذي أردته في هذه الليلة لم أستطع الحصول عليه.

جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم يقف على المنصة الشرفية ليسلم اللاعبين الميداليات، وفي اللحظة التي أمر فيها أمامه، عيناي وعدسات الكاميرا وكل شيء يراقب كأس العالم. كانت هذه هي الصورة الأبرز لليوم، ولما شعرت به وقتها، والذي لم أستطع وصفه أبدًا.

لقد انتهت هذه الليلة ولم أرد فتح صفحتها مرة أخرى، لكنها تركت آلامًا في عضلاتي من كثرة الركض والضغط والالتحامات، وألمًا في صدري كذلك، كل آلامي ذهبت بالاستشفاء إلا ما في صدري، فلم تفلح معه كل محاولاتي.

خرجت من هذه الليلة وعلى أكتافي أحلام الشعب الأرجنتيني الذي بدأ يتهمني بالتخاذل، شعرت أنني مدين لهم أكثر من أي وقت مضى، ومضيت منذ هذه اللحظة أبحث عن منحهم الذهب الذي يظن أغلبهم أنني المتسبب في ضياعه، رغم أنني لم أكن كذلك، ولكن ما قد تكرر قد تقرر، ولا فائدة من محاولة الدفاع عن نفسي في مواجهة ذلك، بصراحة لأنني في بعض الأحيان أشعر أنهم على حق فيما يقولون.

في موسم 2014 والذي سبق كأس العالم عانيت من إصابات، زاد وزني بعض الكيلوجرامات، كنت أقل اكتراثًا مما كنت عليه في مرحلة جوارديولا، شعرت أنني لو أنهيت مسيرتي في سن السابعة والعشرين سأكون قد أنجزت شيئًا تاريخيًا، أما بعد ليلة كأس العالم، كنت كالطفل الذي لم يحقق شيئًا.

كان كابوسًا يطاردني دائمًا، كابوسًا لا يتعلق بكأس العالم بقدر ما يتعلق بالفشل في أكثر اللحظات التي كان محرمًا بها، كأنني تجاوزت جميع الاختبارات الفرعية وسقطت عند الامتحان الأهم، لحظة كفيلة لأن يتسلل الشك إلى قدراتك أنت، لا لأي شيء آخر.

في 2015 كان بإمكانك ملاحظة كل هذه التغيرات في احتفالاتي التي لم تعد هادئة، قدرتي على الدخول في مشاجرات مع الخصوم وجماهيرهم حين تزداد حدة استفزازاتهم، أصبحت أكثر تأثرًا بما يقال عني وما يقال حولي، أكثر انشغالًا باللوم والاتهامات، مقارنة بالآخرين فأنا لا مبالٍ كما أنا، أما مقارنة بما كنت عليه فيما قبل فلا يمكن إنكار تأثري بذلك.

ما زاد من الجرح هو ما حدث بعدها في كوبا أمريكا 2015 و2016، بدأت أشعر أنه عليّ التعايش مع تكاتف الظروف كلها ضدك في الوقت الذي تكون فيه أنت المسؤول الأوحد عن كل شيء.

Messi Copa America

لقد بدأت مسيرتي في ظروف مثالية، مدرب فيلسوف يستلم تدريب برشلونة وأنا عمري 21 عامًا فقط، يوظفني بالشكل الأمثل ويجعلني ألعب كرة قدم مليئة بالتفاصيل المرهقة، ولكنها مليئة بالنجاحات كذلك، تلك التي تكون أكثر لذة مع الجوع الذي يتميز به شاب في مقتبل العمر مثلي.

مع الوقت بدأت هذه الظروف تتغير، أصبحت الترس نفسه، ولكن بلا محرك، أمسيت مطالبًا بأن أكون أنا المحرك نفسه، دون دراية كافية مني لذلك الدور.

في 2015 أعيدت المشاهد الصادمة والتي وقفت فيها بلا حول ولا قوة، أما في 2016 فحضرت بعض التوابل الإضافية، فقد أهدرت ركلة جزاء جعلتني سببًا مباشرًا في الإخفاق، في بطولة قدمت فيها أفضل شيء ممكن!

في هذه اللجظة اجتمع عليّ كل شيء، بعد إهداري للركلة حاولت الابتعاد والجلوس وحدي، ليزداد الضغط عليّ باتهامي بالهروب من المسؤولية كقائد، حتى إذا شاهدت الحلم ينقلب إلى كابوس معتاد، انفجرت باكيًا، لقد تعبت ملامحي التي لا تتغير من الصمود، وفي لحظة انفجرت كل الجراح التي أخفيها، فلم يعد هناك فائدة من إخفائها.

هاتريك بيتيس.. هل استحق ميسي كل هذا "التطبيل"

اعتزلت بكلماتي البسيطة بأنني حاولت وفشلت، وسأبتعد، ولكن أمام الضغط والخسارات المتتالية للمنتخب اضطررت للعودة، هل أنا ضعيف في تلك المواقف؟ ربما لو امتلكت إجابة واضحة حول هذا السؤال لاتخذت قرارًا مغايرًا في ذلك التوقيت.

في 2017 خرجت عن صمتي من جديد أمام أحد الأسئلة، حين ذكرت أن جرح كأس العالم 2014 غير قابل للالتئام، وأنني ما زلت أعاني من ويلاته حتى الآن، وآمل في أن تنتهي في 2018. جاءت 2018 بخيبة جديدة، فأن هناك لعنة تخص قميص المنتخب حين ألبسه. ثم أخرى في 2019، فتأكدت اللعنة.

ثم انقلبت الأمور في برشلونة رأسًا على عقب، وسقطنا في روما، وبعدها بعام في أنفيلد، أصبحت أكثر حدة مع كثرة السقوط، وتشاجرت لفظيَا مع بارتوميو، باتت تلاحقني الهواجس من كل ناحية، وتجرعت آلامًا كثيرة لم أعتدها في السنوات الأخيرة، واحتفلت بعيد ميلادي الثالث والثلاثين، وصرّحت بأن الجسد لا يرحم، وأنه مع مرور الوقت تصبح الأمور أكثر صعوبة، بات مشهد النهاية يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، تلك النهاية لا تشبه التي حلمت بها، ويزيدها مرارة أنها تقترب بشدة.. كل هذا وجرح 2014 ما زال مفتوحًا، كنت أنتظر أن يندمل مع مرور السنوات، ولكن مع الأسف، لم تزدني السنوات سوى خيبات أمل، ولم تزده الخيبات سوى آلامًا.

إعلان