أقدم بوروسيا دورتموند على خطوة جاءت متأخرة كثيرة، وهي إقالة المدرب لوسيان فافر من منصبه، وذلك في أعقاب هزيمة ثقيلة مُنيّ بها البي فاو بي بخماسية لهدف في سيجنال إيدونا بارك من الصاعد حديثًا شتوتجارت، ليُسدل الستار على فصل هام من تاريخ النادي الأصفر، لا يمكن القول أنه ناجح أو فاشل.
وصل فافر إلى قيادة دورتموند خلفًا لبيتر شتوجر، الذي جاء خلفًا لبيتر بوش، والذي خلف توماس توخيل بعد إقالته للتشاجر مع الإدارة، وقبل السويسري، عانى النادي الأصفر من موسم تعيس للغاية، ولكن معه تغيّرت الأمور جملة وتفصيلًا.
قاد فافر دورتموند للعودة إلى مراكزه الطبيعية قياسًا بحجم إمكاناته، لكنه فشل فشل ذريعًا في تحقيق الغاية الكبرى والأهم للإدارة وجماهير سيجنال إيدونا بارك، وهي جلب درع الدوري الألماني إليهم أو على الأقل لقب الكأس.
على مدار موسمين ونصف، لم يدرك فافر سوى لقب كأس السوبر الذي لعبه في الأساس باعتبار البايرن بطلًا للثنائية وهو وصيفه، وأضاع مرتين لقب بوندسليجا في المتناول لدورتموند، إلى جانب فشل أوروبي كبير.
صفحة وطوّت في تاريخ دورتموند لكنها تترك أثرًا كبيرًا، فقد تعنون بـ"سنوات الفرص الضائعة"، فحقًا فافر قام بعملٍ جيد في إعادة بريق دورتموند، لكنه أضاع فرصًا لا تعوض لإعادة ما هو أهم من البريق، البطولات.
بعد تصريحاته الأخيرة .. راتب صلاح أزمة في ليفربول وكلوب ليس قلقًا من رحيله
فرصة العودة للألقاب
Getty Imagesفي الموسم الأول لفافر مع دورتموند كان بايرن ميونخ في أسوأ فتراته بعد تولي نيكو كوفاتش مهمة تدريب البافاري، ووصل الأمر إلى اتساع الفارق بين دورتموند وبايرن إلى 9 نقاط لصالح الأصفر، ومع ذلك عاد البايرن وحقق اللقب!
ربما يكون من المفهوم أن تُقرر إدارة دورتموند تجديد الثقة في فافر بعد الفشل في أول موسم، فهو فشل في تحقيق اللقب فعلًا ولكنه قام بإنجاز قياسًا بالموسم السابق، بإعادة دورتموند من الأساس إلى قائمة الأندية المنافسة.
لكن ما تلام عليه إدارة دورتموند بعد ذلك هي إصرارها على فافر بعدما أثبت فشله الذريع في مطلع الموسم الثاني، فرغم أن بايرن كان يتقهقر حتى أُقيل كوفاتش، لم يكن دورتموند أفضل حالًا، لدرجة أن الصحافة طرحت احتمالية إقالة السويسري من منصبه.
من هنا يمكن القول "سنوات الفرص الضائعة" حقًا، في ذلك التوقيت كان عددًا من المدربين القادرين على تحويل دورتموند من مجرد فريق يلعب كرة ممتعة وملجأ للمواهب، إلى فريق يظفر بالألقاب، والحديث هنا تحديدًا عن فرصة التعاقد مع جوزيه مورينيو.
كان مورينيو في تلك الفترة بدون نادٍ وأعلن في أكثر من مناسبة أنه لا يمانع التدريب في ألمانيا وأنه بدأ في تعلم اللغة، مع تمتعه بعلاقة مميزة مع إدارة دورتموند، ربما كانت تلك هي الخطوة الناقصة لإعادة دورتموند كلوب ثانيةً.
لكن عوضًا عن ذلك، فرصة ضاعت وتجددت الثقة في فافر، الذي فشل في تحقيق لقب آخر للبوندسليجا رغم أن الأمور كلها كانت في يده، لتكرر إدارة دورتموند نفس الخطأ وتجدد الثقة فيه لعام ثالث، والنهاية هي الوضع الحالي لأحد عمالقة الكرة الألمانية.
فرصة السيطرة على ألمانيا في السنتين الماضيتين بالنظر إلى ما عاناه بايرن فيهما قبل فليك كانت سهلة جدًا، فخسرت بطولة وشخصية على يد فافر، وهذا أسوأ ما في تجربة المدرب السويسري.
في الواقع، يمكن القول أن فافر أعاد بريق دورتموند وبعد الموسم الأول والطريقة التي خسر بها اللقب، وبالنظر إلى تاريخه في التنافس سواءً مع نيس أو مونشنجلادباخ، فإن استمراره لعام ونصف آخرين كان خطوة للخلف خصوصًا وأن فرصًا كثيرة كانت أمام الإدارة، وليس فقط مورينيو.
ماذا بعد؟
Getty Imagesيظل السؤال الملح ماذا بعد؟ دورتموند يحتوي على لاعبين من طراز رفيع بأتم معاني الكلمة، لديه كل الإمكانات لمنافسة بايرن ميونخ، فلماذا يخسر اللقب دائمًا؟ الأمر في المقام الأول عقلية مدرب، فمن بعد كلوب وباستثناء توخيل، لم يتحل أي مدرب فيستيفالي بعقلية الانتصار.
مشروع دورتموند من الناحية الإدارية ممتاز، من ناحية اللاعبين ممتاز، لكنه افتقد إلى قطعة أساسية وهي المدرب، فالشكر موصول لفافر على إعادة البناء، لكنه لم يكن يومًا ذلك الذي يحصد ما بناه، هكذا تقول مسيرته التدريبية، هو ليس بمدرب يحقق البطولات، هذه عادته.
الآن، الفرصة أمام دورتموند لتدارك الموقف حتى رغم صعوبة الأمور هذا الموسم، لكن الخطوة التالية التي يحتاجها النادي منذ 2013 هي أن يتحول إلى مقر دائم للمواهب لا محطة تستلزم تغيير العقلية بمدرب ضخم على شاكلة كلوب أو حتى توخيل لديه ما يقوله فنيًا ونفسيًا كذلك.
هل جيسي مارش مدرب سالزبورج الحالي هو الأنسب لذلك؟ لا أحد يمكنه الإجابة، ولا أحد يمكنه الإغفال عن خيار ماوريسيو بوتشيتينو، واسم آخر مطروح كرالف رانجنيك أيضًا، وإن كانوا جميعًا أقرب لفافر من مفهوم المدرب البطل.
في النهاية، أوقف فافر دورتموند عند حافة الفريق المحطة، هذا المفهوم الذي دمّر دورتموند سنوات، وبعد أن أهدر عليهم فرصة مورينيو أو أي مدرب آخر كبير في آخر سنتين، الآن تعاد لهم الفرصة.. دورتموند أمام اختيار صعب، فإما إيجاد المدرب البطل أو الاستمرار كمحطة ومركز لتنمية مواهب كرة القدم لا تحقيق الألقاب.


