الإدارة، المدرب، الجمهور والإعلام لديهم جميعًا أدوارهم المهمة في صناعة الفريق ودعمه، ولكن يبقى العامل الأول والأساسي والأهم في جودة الفريق ومستواه وأدائه اللاعبين .. هم سر القوة وأيضًا سر الضعف!
المنتخب السعودي توج مسيرة سلبية من الأداء والنتائج بالخسارة أمام الأردن في نصف نهائي كأس العرب فيفا 2025، والأمر ليس مجرد الخسارة والخروج دون لقب للعام الـ23 تواليًا، لكن الأداء بشكل عام طوال البطولة لم يكن على القدر المطلوب والمتوقع .. خسارة أمام رديف المغرب وفوز بشق الأنفس على فلسطين وتخطي صعب لجزر القُمر وسلطنة عمان، وهو أمر تبع التأهل الصعب لنهائيات كأس العالم 2026، والخروج من ربع نهائي كأس آسيا 2023.
الأخضر في حالة تراجع متواصلة منذ سنوات، وتبقى مواجهة الأرجنتين والفوز على بطل العالم في مونديال 2022 هي الذكرى الجميلة الوحيدة في تلك السنوات المحبطة للشعب السعودي، وإن بحثت عن سر ذلك لن تجده سوى في اللاعبين! اختلفت مجالس الإدارة لاتحاد كرة القدم واختلف المدربون والإداريون ولكن بقيت المشكلة كما هي لأن كل أولئك مجرد أدوات مساعدة، فيما الأساس هو اللاعبين .. هو القماش الذي يصنع الثوب، والقماش الرديء لا يصنع أبدًا ثوبًا مميزًا حتى لو مُنح لأكثر الخياطين مهارة! والعكس صحيح في مرات عديدة.
اللاعبون السعوديون حاليًا هم الحلقة الأضعف في كرة القدم السعودية، فالدوري أصبح قويًا وعالميًا، والأندية تُقدم أداءً قويًا خارجيًا لكن بالنجوم الأجانب، والبنية التحتية الرياضية تتطور يومًا بعد الآخر، وحضور المملكة في الصورة العالمية لكرة القدم أصبح مؤكدًا ودائمًا، ولكن يبقى مركز الضعف في اللاعب السعودي وشخصيته وعقليته وتطوره وتحسن جودته، وهو أمر أصبح واضحًا للعديد من الناس .. أمر قاله المدرب السابق روبرتو مانشيني للاعبين في التدريبات، كما كشف علي البليهي، وقد بات يلقى رواجًا شديدًا الآن بعدما واجه معارضة شرسة، قال المدرب الإيطالي للاعبين "أنتم لا تعرفون كيف تلعبون كرة القدم"!
أين المشكلة؟ المشكلة بالتأكيد ليست في الموهبة والإمكانيات، فهي موجودة بالتأكيد، وكانت كذلك على مدار تاريخ المنتخب السعودي، ولكن الأزمة في ما بعد ذلك .. في المطلوب لتطوير تلك الموهبة وتحسينها وصقلها جيدًا لتُصبح لاعبًا دوليًا يستحق ارتداء القميص الوطني.
السعودية تمتلك العديد من المواهب الممتازة، وربما فوز المنتخب بكأس الخليج تحت 23 عامًا يُعطينا إشارة إيجابية حول ذلك، ولكن تلك المواهب بحاجة للصعود إلى المسرح ومواجهة الجمهور والاعتياد على الضغط، والمسرح هنا هو ملعب كرة القدم! والذي حُرم منه اللاعبون السعوديون لأجل الأجانب وقوة وسمعة دوري روشن السعودي.
البعض يقول أن اللاعبين يتحسنون بالتدرب مع النجوم الأجانب! بالله عليكم أهذا يُعقل؟ نعلم جميعًا أن مباراة واحدة حقيقية في كرة القدم تُعادل بل وتتفوق على 100 تدريب حتى لو كان مع أعظم النجوم! التدريب يبقى تدريبًا في النهاية، لعب دون أي حسابات أو ضغوط، لعب يسمح بالخطأ، لعب بعيد عن الجمهور وضغطه والإعلام وقسوته، فيما المباراة هي أمر مختلف تمامًا .. أمر يختبر قيمة اللاعب الحقيقية ومعدنه الأصيل كرويًا.
التدريب مع النجوم الأجانب الكبار والاحتكاك بهم والتعلم من نهجهم داخل وخارج الملعب أمر جيد جدًا بالطبع، ويُساهم في تحسن اللاعبين على جميع الأصعدة، ولكنه في النهاية يبقى ذو تأثير محدود مقارنة باللعب والتواجد في الملعب وخوض المباريات والمنافسات وتحدي الخصوم وتلقي رد الفعل على المباشر!
مانشيني صدق في انتقاده للاعب السعودي لكنه أخطأ بالطبع في التطرف الشديد الذي انتاب حديثه، فالأمر لم يصل إلى حد "أنه لا يعرف كيف يلعب"، ولكنه بالطبع نقطة الضعف وسر الأزمة، وقد اشتكى المدرب الحالي، هيرفي رينارد، كثيرًا من قلة لعب اللاعبين السعوديين، وقال صراحة "مدربو الأندية في السعودية هم السعداء بوجود 8 أجانب، لكن مدرب المنتخب يُعاني"، وقد طالب اتحاد الكرة بإيجاد الحل المناسب.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا .. هل اللاعب السعودي مظلوم بما يحدث؟ نعم، بالطبع هو مظلوم بهذا النظام الذي لا يتيح له اللعب، لكنه أيضًا ظالم لنفسه بعدم البحث عن حلول أخرى، وبالتقصير في حق نفسه حتى يصل لتلك المرحلة الصعبة وأن يُصبح في مرمى نيران الجميع!
اللاعب السعودي مطالب بالاستفادة مما هو متاح له لتحسين وتطوير نفسه، مطالب بالحفاظ على أسلوب حياة يليق بالرياضي، مطالب بالاهتمام بغذائه وصحته وساعات نومه وتنمية عضلاته وتقوية جسده وتحسين مناعته، مطالب بتحدي النجوم الأجانب ومحاولة التفوق عليهم وإقناع المدرب بمنحه الفرصة، وقد فعلها البعض بالفعل مثل فراس البريكان ونواف العقيدي وسالم الدوسري، لكن للأسف جُل اللاعبين السعوديين أصبحت اللامبالاة شعارهم في مسيرتهم الكروية، كان اللاعب يقول لنفسه "لن ألعب مهما فعلت، لأجلس وأتقاضى راتبي وأفوز بالبطولات على الورق وهذا يكفي" ... انعدام الطموح الرياضي أصبح ملاحظًا بين اللاعبين السعوديين، وأصبح البحث منصبًا على الراتب! وقد قالها عبد الإله المالكي صراحة "لن أضحي بنصف راتبي لألعب!".
جل اللاعبين السعوديين أصبحوا الآن يبحثون عن الراتب الكبير في الأندية القوية ماليًا، فيما اللعب هو درجة ثانية في تفكيره، والأندية تلعب دورًا في هذا التفكير الخاطئ، بمنح اللاعبين الكثير من الأموال لمجرد وضعهم على مقاعد البدلاء واستفزاز بعضهم البعض في لعبة الإعلام والجمهور. هذا الفكر يجب أن يختلف، والمسؤول عن ذلك هو اللاعب نفسه وإلا يجب أن يتم إجباره على ذلك.
ربما يجب على اتحاد الكرة التدخل لربط الرواتب للاعبين المحليين بعدد مبارياتهم، أو بتصنيف اللاعبين حسب مستواهم ومنحهم الراتب المناسب لتصنيف كل منهم، لابد من حل لإجبار اللاعبين على استعادة طموحهم الرياضي وجعله الأولوية الأولى.
هناك بالطبع حلول أخرى للتخلص من أزمة انعدام فرص اللاعبين السعوديين في دوري روشن، وأبرزها الخروج من السعودية للاحتراف الخارجي، ولكن ليس لمقاعد بدلاء جديدة بل للعب! واللعب مع أندية صغيرة في أوروبا سيكون أفضل كثيرًا من التدرب مع النجوم الكبار في السعودية، وإن كان هذا صعبًا فلماذا لا يكون الرحيل للدوريات العربية؟ لماذا لا نرى اللاعب السعودي في قطر والإمارات ومصر وغيرها من الدول العربية؟ يبقى أيضًا اللعب هناك أفضل من أداء المران في الأندية السعودية.
اللاعبون يرفضون تلك الفكرة بالطبع، لماذا؟ لأن غرورهم لا يسمح لهم باللعب في دوري أقل من السعودي، ولأن حساباتهم البنكية لن تتقبل هذا التقليص في "الداخل"! العديد من اللاعبين السعوديين لديهم القدرة على اللعب أساسيين في أقوى الأندية العربية، ولكن ارتفاع التكلفة المالية لجلبهم تقف عائقًا أمام تلك الخطوة، ولإزاحة تلك العقبة يجب أن تكون المبادرة من اللاعبين أنفسهم، بقبول التضحية بالراتب الكبير والراحة لأجل اللعب .. لأجل التطور والتحسن.
لم أتحدث عن تقليص عدد الأجانب في الدوري السعودي رغم أنه قد يكون الحل الأسهل، ولكنه باعتقادي أصبح غير متاح! فالدوري تقدم خطوات للأمام ولا يمكن جعله يعود للخلف الآن، ولذا النقاش في هذا الأمر دون جدوى ومضيعة للوقت ليس إلا، لابد من البحث عن حلول أخرى لتشجيع اللاعبين على المبادرة بالبحث عن الفرصة الحقيقية للعب وعدم الاكتفاء بجلسة مريحة على دكة البدلاء وراتب ممتاز نهاية الشهر وبطولة فاز بها على الورق لا الملعب.
