دائماً ما يدور الحديث عند ذكر "القوى العظمى" في كرة القدم عن ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، أو فرنسا، ونادراً ما تطرح البرتغال ضمن المجموعة، ولكن نظرة على عالم كرة القدم في السنوات الماضية ستجعل واجباً إدراج البلد اللاتيني على رأس تلك القائمة من الأسماء.
في العقد الماضي صعد سهم الكرة البرتغالية بشكل مميز على كل الأصعدة، المنتخب الذي استعاد رونقه بعد التتويج بلقب أمم أوروبا 2016 ومن بعدها دوري الأمم الأوروبي بنسخته الأولى في 2019 بفضل مجموعة مميزة من اللاعبين، ومدرب مخضرم في صورة فيرناندو سانتوس فرض نفسه كأحد أفضل الأسماء على الساحة حالياً.
Gettyimagesورغم ضعف الدوري البرتغالي وتصنيفه خارج قائمة الدوريات الخمسة الأقوى بالقارة العجوز، ولكنه لا يتوقف عن إنتاج المواهب الشابة التي تدر الملايين على الثلاثي بورتو، بنفيكا، وسبورتينج لشبونة، والذين ربما فنياً ليسوا منافسين أقوياء على الساحة القارية، ولكن اقتصادياً يحققون أرباحاً لا يتحصل عليها البعض في إيطاليا وإسبانيا حتى.
هؤلاء اللاعبين تحولوا ليصبحوا من الأفضل والأغلى بالعالم، كريستيانو رونالدو تربع على عرش الأفضل باللعبة طوال 10 - 15 عاماً ماضية بالتناوب مع ليونيل ميسي، ولا يزال أحد أفضل الأسماء وأهمها في عالم المستديرة رغم بلوغه الخامسة والثلاثين، ومؤخراً أصبح أحد أغنى الرياضيين في العالم بكسر ثروته حاجز البليون.
لاعبو البرتغال يملكون أسعاراً خرافية في سوق الانتقالات، جواو فيليكس كلف أتلتيكو مدريد الصيف الماضي 120 مليون يورو ليصبح الصفقة الأغلى في تاريخه رغم أنه لا يزال لاعباً يافعاً بعد، بينما ماطل سبورتينج في بيع برونو فيرنانديش إلى مانشستر يونايتد حتى تحصل على قرابة 55 مليون يورو، بالإضافة لحوافز، في يناير الماضي في أحد أكبر صفقات الميركاتو الشتوي.
Getty Imagesوعلى الصعيدي التدريبي، البرتغال تملك أكبر عدد من المديرين الفنيين في الدوريات الخمسة الكبرى من خارج مواطنيها، فنونو سانتو مثلاً هو قائد ثورة وولفرهامبتون البرتغالية، وجوزيه مورينيو مستمر في ملاعب إنجلترا، ولكن بألوان توتنهام هذه المرة، بينما في فرنسا نجح أندريه فيلاس بواش في إحياء مارسيليا بعد ثباته الطويل وأعاده للمنافسة المحلية.
التفوق الكبير للكرة البرتغالية على جميع الأصعدة يكمن الفضل فيه بشكل ليس بالصغير لأسم جورجي مينديش، وكيل اللاعبين الشهير الذي تحول ليصبح من أكثر الشخصيات تأثيراً في الوسط الكروي منذ بزوغه على الساحة، وتخطى دوره كونه ممثلاً للاعبين والمدربين.
مينديش منذ بدايته في 1996 وصعد بسرعة الصاروخ، فتولى مسؤولية كبرى الأسماء مثل رونالدو ومورينيو، وأصبح مهندس أشهر الصفقات في سوق الانتقالات، يكفي أن في صيف 2014 كان خلف أربع صفقات من أغلى سبعة تمت وقتها، وهي أنخيل دي ماريا إلى مانشستر يونايتد، دييجو كوستا نحو تشيلسي، تعاقد مانشستر سيتي مع الوكيل مانجالا، وخاميس رودريجيز إلى ريال مدريد، والتي بلغ مجموعها قرابة 220 مليون يورو، وتحصل منها على عمولة توازي 35 مليون.
Getty Imagesقرر مينديش التوسع في أعماله، فبالإضافة لترأسه شركة "جيستي فوت" لوكالة اللاعبين، عمل كمستشار لبعض الأندية وملاكها كما حدث مع سوانسي في 2018 وقت تواجد مواطنه كارلوس كارفهال مدرباً، نفس الدور الذي يقوم به مع مجموعة فوسون المالكة لوولفرهامبتون حالياً، وليس خافياً على أحد اللمسة البرتغالية الواضحة المعالم للوولفز منذ وصوله، كما قام بعمل مشابه أيضاً مع الصاعد بقوة في بلاده فاماليساو بالمساهمة بإدارته مع الملاك الإسرائيليين الجدد، وذكر عبر تقديم المشورة والمساعدة بضم المواهب.
الاتهامات نالت أعمال مينديش، فتم اتهامه بالتهرب الضريبي في 2016، كما فُتح تحقيقاً بخصوص مساعدته بيتر كانيون، المدير السابق في مانشستر يونايتد وتشيلسي، في 2014 لخلق شركات وهمية لتمثيل اللاعبين من أجل التلاعب على قوانين البريميرليج.
لا يمكن نسب نجاحات البرتغال في الأعوام الماضية فقط لمينديش، فمدربيها يملكون الإمكانيات الفنية والتكتيكية اللازمة، ولاعبيها من الأفضل حول العالم مؤخراً، ولكن التسويق لعب دوراً كبيراً في تلميع تلك الأسماء وجعلها في القمة، ولذا ليس مستغرباً أن قائمة الذين يمثلهم مينديش تضم مورينيو، رونالدو، وبرناردو سيلفا، وفابينيو، ونيلسون سيميدو، وفوزي غلام، وأندية بحجم ولفرهامبتون، والقائمة تطول.
كرة القدم الحديثة أصبحت أكثر من مجرد مهارات وفنيات، ولغة الأموال أصبحت عنصراً هاماً يتحكم في مصير اللعبة، ولذا رجال مثل جورجي مينديش بمقدورهم من خلف الكواليس التحكم في مصائر اللاعبين واللعبة ككل، ومعه أصبحت البرتغال لاعباً مهماً في خارطة الكرة العالمية، بل الحاكم بأمره لدول تملك إمكانيات أكبر مادياً وفنياً.
