أخيرًا رحل جوسيب ماريا بارتوميو عن رئاسة برشلونة، انتهت حقبة بدأت منذ 2010 بتولي ساندرو روسيل المهمة وتواجد بارتوميو في منصب النائب، ليغادر من الباب الصغير غير مأسوف عليه.
ربما المصطلح الأدق هو طرد بارتوميو من برشلونة، فرغم أنّه قدّم استقالته، لكنّه لم يفعلها عن طيب خاطر، بل فعلها بعد 24 ساعة فقط من تصريحه "الاستقالة لم تخطر أبدًا على بالي" وذلك خوفًا من تصويت الأعضاء ضده مطلع الشهر المقبل.
لماذا اضطر بارتوميو لتقديم استقالته؟ لماذا جمعت حملة سحب الثقة أكثر من 20 ألف توقيعًا رغم احتياجها نحو 16 ألف فقط؟ لماذا لم يدعه الجميع يستمر حتى نهاية الموسم الجاري بنهاية ولايته؟
المرحلة الاقتصادية – روسيل -
Getty
في 2010 كان فريق كرة القدم في برشلونة قد وصل إلى قمته الكروية، في عام ونصف فقط حقق 7 بطولات كاملة مع المدرب بيب جوارديولا، من بينها السداسية التاريخية في 2009.
برشلونة اعتمد بشكل واضح على الأكاديمية، ليونيل ميسي أصبح الأفضل في العالم وتشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا وضعا اسمهما بين الكبار، هذا بجانب العديد من اللاعبين المبدعين في تلك الفترة، ولذلك كانت الخطوة التالية هي الاحتفاظ بالنجوم أو على الأقل إيجاد بدلاء لهم، وهذا ما حدث مستقبلًا مع البرغوث.
إلى مزبلة التاريخ وميسي يرقص.. ردود الأفعال على استقالة بارتوميو من رئاسة برشلونة
ولكن أزمة خوان لابورتا وقتها كانت متعلقة بالإدارة المالية للنادي، وأصبح برشلونة يعاني من أزمات اقتصادية، مما جعل مشروع ساندرو روسيل القائم بصورة أكبر على توفير الأموال ينجح.
ساندرو قرر إقصاء يوهان كرويف من الرئاسة الشرفية لبرشلونة كونه صديقًا شخصيًا للابورتا، وتفرغ وقتها لإيجاد حل للأزمات المالية حتى لو كان ذلك على حساب الشق الرياضي.
حوار خاص | ميسي يوضح أسباب طلب رحيله عن برشلونة ويعلن التراجع!
بالطبع لم يتحمل بيب جوارديولا الفكر الجديد وقرر عدم الاستمرار بعد 2012، أما ميسي فكان في طريقه للمغادرة، إذ حدد روسيل 250 مليون يورو (قيمة الشرط الجزائي وقتها) لأجل من يرغب في ضمه، وذلك بعد جلب نيمار.
صحيح لم يرحل ميسي، لكن برشلونة لم يقم بصفقات جيدة أو مناسبة للفريق لفترة طويلة بهدف توفير الأموال، حتى جاء نيمار في 2013 وجاءت معه أزمات طاحنة عصفت بروسيل الذي اتهم بالتلاعب في سعر الصفقة، ووجود شبهات في علاقته بالاتحاد البرازيلي لكرة القدم.
أنا ربّكم الأعلى
Gettyجاء بارتوميو في 2014 بصورة مؤقتة، ثم نجح في انتخابات 2015 مستفيدًا من فوز برشلونة بالثلاثية للمرة الثانية في تاريخه ليقرر أن يصبح صوت البلوجرانا الأوحد.
روسيل كان يمتلك هدفًا واضحًا، لكن بارتوميو الذي أعلن في مشروعه للنادي الذي قدّمه في نوفمبر 2015 أنّ الهدف الرياضي يكمن في الفوز ببطولة واحدة على الأقل في الموسم، كان يرغب في صناعة شيء مختلف، ناجح رياضيًا وماليًا.
أزمته الوحيدة أنّه لم يستمع سوى لصوت نفسه، فأهمل مدرسة برشلونة وجعل الأكاديمية مجالًا فقط لجر الأموال من بيع المواهب الشابة، وجلب مدرب يسمع ويطيع بعد رحيل لويس إنريكي، ثم قرر أن يحكم بأحكامه هو فقط.
إلى إدارة برشلونة - هذه بضاعتكم ردت إليكم
بارتوميو رأى نفسه يعرف أكثر من الجميع، فتعاقد مع صفقات لا تناسب برشلونة مثل أردا توران وأندريه جوميش ولوكا ديني وغيرهم من الأسماء التي رحلت بعد فترة وجيزة، ولكن الأسوأ إهدار الملايين على فيليبي كوتينيو وعثمان ديمبيلي وأنطوان جريزمان دون حاجة رياضية واضحة.
الجهل القاتل
imago images / Agencia EFEإصرار بارتوميو على تسيير أمور النادي بالطريقة التي يراها، وتدخله في كل صغيرة وكبيرة حتى أنّه كان يتواصل شخصيًا مع اللاعبين للتجديد أو لتعديل العقود دون احترام للإدارة الرياضية، جعل كل شيء في يد شخص علاقته بكرة القدم مثل علاقة البطريق بالطيران.
الجهل جعل بارتوميو يسقط رياضيًا لأنه لم ينجح في بناء فريق قادر على المنافسة في جميع المسابقات وحصد الألقاب كما فعل خوان لابورتا.
الجهل جعل بارتوميو يسقط اقتصاديًا بعد زيادة تضخم الرواتب وصرف نحو مليار يورو في سوق الانتقالات ومع ذلك تشعر بأنّ الفريق دائمًا في حاجة للمزيد من الصفقات.
الجهل جعله يضم جريزمان رغم أنّ المدرب إرنستو فالفيردي قال إنّه لا يعرف أين يضعه في الملعب، وظهر جليًا أنّ الفرنسي لن يستطيع اللعب بجوار ليونيل ميسي.
والأسوأ من الجهل، هو الغرور والرأي الأحادي والديكتاتورية في اتخاذ القرارات، الأمر الذي حوّل برشلونة لفريق عاجز ومذبذب وملك فضائح دوري أبطال أوروبا، وفوق كل ذلك أصبح يعاني ماليًا واقتصاديًا.
لماذا جاءت النهاية على هذا النحو؟ لأن كل مغرور جاهل يرى نفسه فقط، ويظن أنّه قادرًا على نسب كل شيء له، يسقط مهما طال الزمن، ويصبح ذكره فقط في التاريخ لأخذ العبرة وتعلم الدرس!