Uganda Congo DRGetty

تحقيق جول | لماذا غابت الجماهير عن أمم أفريقيا وكوبا أمريكا؟


هيثم محمد    فيسبوك تويتر

دائماً وأبداً ما لعبت الجماهير العنصر الأهم في البطولات الكبرى في عالم كرة القدم، وكانت المقياس الذي على أساسه يحدد مدى نجاح البطولات من عدمه تنظيمياً، وهذا الصيف مصر والبرازيل، بلدان بتقاليد كبيرة في عالم المستديرة وشعبية طاغية للعبة، ينظمان أمم أفريقيا وكوبا أمريكا، ولكن بدت ظاهرة المدرجات الخالية عنواناً بارزاً في البطولتين.

لنعد بالذاكرة بضعة أعوام، إلى مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، دولة ليست كرة القدم بها صاحبة الشعبية الأكبر ضمن الرياضات الممارسة، ولكن رغم ذلك نجح أحفاد مانديلا في إنجاح البطولة، ومن ينسى الفوفوزيلا.

 مثال آخر على النجاح الجماهيري للبطولات رغم الصعوبات هو كأس العالم الصيف الماضي في روسيا، تسائل الكثيرون على صعوبة استضافتها للمسابقة رغم الاختلافات الثقافية الكبيرة والعزلة المجتمعية عن بقية أوروبا والعالم، ولكنها نجحت في تقديم مونديال مميز على صعيد الحضور من جميع أنحاء العالم وأجواء ودية تركت انطباعاً إيجابياً.

الجمهور هو العصب الذي يعطي الحياة للبطولات ويصنع الحدث دائماً بحضوره، ورغم حضور النجوم في أرضية الملعب في مصر والبرازيل، ولكن غياب مناصريهم في المدرجات طرح علامات الاستفهام، وهو ما يحاول "جول" سبر أغواره عبر السطور التالية.

البداية من أرض الكنانة، البلد الذي لم يكن مستضيفهاً بالأساس لفعاليات المنافسة، ولكن سحب التنظيم من الكاميرون جعل مصر تترشح وتتجهز في وقت قياسي لتجهيز نفسها على صعيد الملاعب والمرافق، ولكن المدرجات الخاوية في معظم المباريات، باستثناء تلك التي يلعب بها الفراعنة والمنتخبات العربية، كان لافتاً للانتباه.

Uganda Congo DR

مباراة أوغندا والكونجو الديموقراطية بحضور 1083 مشجع على ستاد القاهرة الذي تبلغ سعته الرسمية 74 ألف متفرج

هاني أبو ريدة، رئيس الاتحاد المصري، لم ينف الأمر في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء، معترفاً بالمشاكل التي واجهت منظمة الحجز الالكتروني، ولكن شدد على أهمية تطبيقها لأغراض أمنية، مؤكداً أن المدرجات الخاوية تتحملها الجماهير وليس نظام بيع التذاكر، ومشدداً على أن العنصر الأمني بالنسبة له أهم من امتلاء الملاعب.

وعلق أبو ريدة أيضاً على مشكلة البعض من جمهور الجزائر بسبب التأشيرة، وأكد أن الأمر سيتم حله مع سفارة البلاد في القاهرة لضمان استمرار تواجد المشجعين لمساندة منتخبهم في الأدوار المقبلة.

"جول" تواصل مع عدد من الصحفيين المتواجدين في مصر لاستطلاع رأيهم في الأسباب وراء غياب الجماهير في أمم أفريقيا مصر 2019، وما بين الصعوبات اللوجيستية والطقس تنوعت الأسباب.

ونبدأ مع الصحفي الجزائري ماهر مزاحي من موقع "newframe.com"، والذي تحدث عن النقطة التي أشار لها أبو ريدة بخصوص المشجعين الجزائريين: "كان هناك حديث عن ترحيل البعض من الجمهور الجزائري، ولكن أتوقع وصول المزيد من الجمهور بعد تنظيم عديد من شركات السياحة لرحلات شاملة للبطولة، وبحضور نجوم من انستاجرام، ومع وصول الفريق لأدوار أبعد، أعتقد سيتزايد الحضور".

Algeria KenyaGetty

واستطرد: "غياب الجمهور ظاهرة حاضرة في البطولات الأفريقية عموماً في النسخ الماضية، التكاليف باهظة، وفي بعض الأحيان تحتاج لعبور أوروبا طيراناً للوصول لدول أفريقية، نصف دول القارة مواطنيها تحت خط الفقر، وهذا يصعب الانتقالات".

وأتبع: "الحصول على تأشيرة دخول مصر ليس سهلاً الحصول عليه للبعض أيضاً، كما أن تصاريح العمل لبعض الصحفيين وصلت متأخرة أو لم تصل مع انطلاقها، وهذا عامل ساهم في الأمر".

كلايف إيكازي، صحفي أوغندي عن "فوتبول 256": "من أسباب غياب الجماهير بأعداد كبيرة هو الطريقة التي يتحصل بها المشجع على التذكرة، أولاً، أسعار التذاكر رخيصة جداً من وجهة نظري ولكن ما تمر به للحصول عليها معقد ومرهق، فكرة بطاقة المشجع وشراء التذاكر الكترونيا جديدة في أفريقيا، أيضاً هناك جماهير متواجدة هنا ومعها بطاقة المشجع ولكن ليسوا قادرين على الحصول على تذاكر المباريات".

وأيده في الرأي أنجو ليسلي، صحفي كاميروني بموقع "كيك 442": "البطولة جيدة على صعيد التنظيم وعدة عناصر أخرى، ولكن الجماهير لا تتواجد بسبب تعقيدات الحضور، وخصوصاً صعوبة الحصول على بطاقة المشجع، وهذا ما تسبب في غياب الجماهير".

في المقابل،شيخ توفيك سينو، مراسل "footballmadeinghana.com" دافع عن الدولة المنظمة: "مصر لم تحصل على وقت كافي لتجهيز الجماهير لحضور المباريات، البطولة سُحبت من الكاميرون قبل ستة أشهر، التركيز كان على المنشآت وتجهيزها للمباريات واستضافة الفرق والفنادق، لا يمكن اللوم على مصر في غياب المشجعين".

وأكمل: "عندما تلعب في القاهرة ترى الجميع يريد الذهاب ومشاهدة صلاح والبقية، أيضاً لدي شعور أن عدم معرفة المصريين بالفرق المشاركة ولاعبيها ساهم في الأمر، هم يعرفون اللاعبين الذين لعبوا في مصر فقط، هنا يسألونني عن عبد الرزاق والبقية التي لعبت هنا فقط".

Mauritania Angola

من مباراة موريتانيا وأنجولا على ملعب السويس

الزميل شينا ألوداري من "جول" نيجيريا، ومتواجد في مصر لحضور البطولة اتفق مع سينو: "الجمهور المصري يحضر دائماً مباريات الأندية في بطولات أفريقيا، ولكن غيابه عن البطولة الحالية بسيط للغاية، البطولة كانت حتى آخر وقت في الكاميرون، ثم في وقت قصير جداً تم التحضير لاستضافتها، والجمهور لم يتحصل على الفرصة للاستعداد، برأيي مع الوصول للقاءات الحاسمة، ربع النهائي وما بعده، سيتغير الوضع وسيحضر الجمهور".

أما محمد قطب، مراسل بي بي سي في السويس، فسلط الضوء على نقاط إضافية: "بطولة أمم أفريقيا أعتقد أنها كانت فرصة كبيرة لرجوع الجمهور،ولكن مشكلتان أفسدتا الأمر، الأول نظام التذاكر الالكتروني لم يكن فعالاً، هناك من حاول الشراء وفشل حتى في الحضور".

وأتبع:"السبب الثاني هو الحر الشديد في مواعيد مباريات الرابعة والنصف في ملاعب ليست مغطاة، هذا كان أشبه بالجحيم على المتفرج ، وأخيراً، غلاء التذاكر على الفئة القادرة على ملء الملعب من الطلبة والشباب، كما أن البعض تردد وتراجع في الذهاب للملاعب بعد رؤية الصعوبات في الدخول التي حدثت في بعض الملاعب".

QoutbGoal AR

عمر الشرايبي، الصحفي بجريدة "الصحيفة"، أشار هو الآخر لعامل الطقس: "الأجواء الحارة وتوقيت المباريات كانت من أسباب عزوف الجماهير في جميع المدن، اللجنة المنظمة كانت تعول على الجمهور المصري للحضور بشكل أكبر، أيضاً غياب الجاليات الأفريقية غيب المساندة للفرق الأفريقية".

وأردف: "لاحظت في الشوارع غياب الحماس عن الجمهور المصري، الأجواء ليست كما تعودنا عليها من الجمهور المصري، تحدثت مع البعض هنا في مصر وقالو لي أن لا يوجد مزاج لكرة القدم، هناك هموم أكبر مثل البحث عن لقمة العيش، ولكن هذا لا ينفي أن الكاف واللجنة المنظمة كانت يمكن أن تستعين بشركات مختصة تساعد في مسألة تواجد الجمهور".

وتحدث لورينز كوهلر، الصحفي الجنوب إفريقي من مجلة "kickoff" عن الاختلافات بين بلاده ومصر: "هناك عدم تشابه في حب اللعبة بين جنوب إفريقيا ودول شمال أفريقيا، ولكن من تواجدي هنا شعرت بغياب الرابط بين الجمهور المصري والمنتخب، ربما بسبب ما حدث في بورسعيد، أو البعض مما تحدثت قال إنه يفضل المشاهدة في المنازل أو في المقاهي، كما في جنوب إفريقيا، وذلك بسب الغلاء، ومع المقارنة مع أسعار التذاكر التي تقارب ربع مرتب البعض، لذا الكثيرون لن يكونوا قادرين على الذهاب".

وواصل: "فقط الطبقة العليا ستحضر، وهؤلاء لن يهتموا بحضور لقاءات الفرق الصغرى مثل بنين مثلاً، الطبقة المتوسطة والفقيرة هي من ستريد حضور أي لقاء في البطولة من أجل الحصول على تجربة حضور مباراة في أمم أفريقيا، الجماهير التي تحدثت معها من مصر ودول أخرى غاضبة من نظام شراء التذاكر وصعوبة التحصل على التذاكر، النظام معقد للغاية".

من القارة السمراء نعبر الأطلسي نحن أمريكا الجنوبية، وتحديداً البرازيل. عملاق القارة اللاتينية يملك عدداً من أكبر وأفضل ملاعب العالم، والتي تم إعادة تجهيزها قبل مونديال 2014 وأوليمبياد ريو، بالإضافة لجماهير كرة القدم بالنسبة لها ديانة ثانية، ولكن ظاهرة غياب الجماهير كانت بارزة هناك أيضاً.

Peru Uruguay

21,180 من أصل 53,700 مقعد في ملعب "فونتي نوفا" لمواجهة أوروجواي وبيرو بربع النهائي كانت ممتلئة

في اللقاء الافتتاحي بين البرازيل وبوليفيا على ملعب المورومبي الشهير فقط 46,342 حضروا المباراة رغم أن سعة الاستاد الرسمية تبلغ 67 ألفاً، وكانت صافرات الاستهجان من قبل الحاضرين هي الطاغية في المدرجات احتجاجاً على مستوى السامبا في المباراة.

داني ألفيش، نجم وقائد الفريق، علق على الأمر قائلاً: "كلما نلعب هنا يحدث الأمر، الجمهور يجب أن يفرق بين المنتخب والنادي، عندما نلعب في باهيا مثلاً سيختلف الوضع لأن هناك يفتقدون السيليساو أكثر، لا أعرف صراحة لماذا كان هناك مقاعد فارغة، ربما الأسعار".

زميله تياجو سيلفا كان أكثر صراحة: "في أحيان كثيرة أسعار التذاكر تحتاج أن تكون أرخص، الأسعار الحالية باهظة كثيراً لشعبنا، علينا أن نقدم المتعة لهم وأن نكون أكثر منطقية".

وإذا كان الوضع فيما يتعلق بالفريق المستضيف هكذا، فما بالك بباقي المباريات؟ تعادل البيرو أمام فنزويلا كان أمام فقط 11,107 متفرج على ملعب جريميو الذي يسع لقرابة 60 ألفاً، بينما ظهور قطر الأول في البطولة في مباراتها أمام الباراجواي على ملعب "ماراكانا" الشهير كان بحضور 19,196، رغم أن السعة الرسمية 78,383 متفرج.

Qatar Paraguay

لقطة من مواجهة قطر وباراجواي على ملعب "ماراكانا" ضمن فعاليات الدور الأول

في مصر، كان الحديث عن نظام بيع التذاكر، طريقة دخول الملاعب، والأجواء الحارة، والمشاكل الاقتصادية لمواطني القارة السمراء، فما هي أسباب غياب الجمهور في البرازيل؟

جاستن والي، صحفي حر ومؤلف كتاب One Football No Nets ومدرب ماتابيليلاند السابق، والمتواجد حالياً في البرازيل لتغطية البطولة قال: "برأيي اتحاد أمريكا الجنوبية أخطأ في استراتيجيته المتعلقة بالأسعار فيما يخص دور المجموعات، حتى أرخص التذاكر كانت باهظة الثمن للمواطن البرازيلي من الطبقة المتوسطة".

وأضاف: "اللعب في ملاعب ضخمة وذات سعة كبيرة أزاد الطين بلة، في "بيلو هوريزنتي" كان هناك مثلاً ستة أو سبعة آلاف حاضرين وقرابة 50 ألف مقعد خالي، هذا أعطى صورة خاطئة عن الحضور الجيد بالبطولة، برأيي المباريات كان يجب تسعيرها بشكل مختلف، خصوصا تلك الأقل جماهيرية عن الأكثر طلباً ومتابعة، يجب التركيز بشكل أكبر على الجماهير التقليدية، أو الفئة الرابعة كما يُطلق عليها، لأن بدون جماهير كرة القدم لا وجود لها".

وأشار والي لنقطة أخرى تسببت في عزوف البرازيليين: "هناك انقطاع في العلاقة ما بين الجمهور واللاعبين الذين يُنظر إليهم على أنهم مرتزقة أغنياء يلعبون في الخارج ولا يملكون صلات مع البلاد، برازيليون كُثر مهتمون الآن أكثر بالأندية المحلية عن المنتخب، خصوصاً بعد خسارة 7-1 أمام ألمانيا، والاستخدام السياسي للرئيس بولسونارو للمنتخب للدعاية في الانتخابات الأخيرة".

Brazil ParaguayGetty

الزميل ماتيوس كوريا من فريق عمل "جول" بالبرازيل ذهب في نفس الاتجاه مع والي: "في رأيي الشخصي أن العامل الأكثر تأثيراً كان الاقتصادي، البرازيل تعاني من أزمة اقتصادية حادة منذ خمس سنوات، ولم تنجح المحاكمات في 2016،أو حكومة بولسونارو في تخفيف وقع الأمر، التضخم ومعدل البطالة المرتفع عوامل أخرى مساهمة، والوضع في الجيران بباقي دول أمريكا الجنوبية شبيه بالبرازيل، لذا الرحلة للبرازيل ليست لأي شخص".

واستطرد: "على سبيل المثال، ثمن التذكرة في المتوسط 200 ألف ريال، وهو ما يقارب خمس المرتب الأدنى في البرازيل، الأندية هنا تنجح في الحصول على حضور جماهيري لأن أسعار التذاكر أقل، ولكن ليس الجميع حتى في تلك الحالة قادر على الذهاب للملاعب".

وواصل ماتيوس: "سبب آخر بعيداً عن الاقتصاديات هو أن السيليساو فقد مساحة كبيرة في قلوب البرازيليين، الشعب أصبح انتمائه أكبر للأندية عن المنتخب، وسبب كبير في ذلك هو خوض الوديات في الخارج بحثاً عن المكاسب، وهذا أسهم بشكل كبير في الحب المفقود".

وختم: "غياب الثقة في تيتي لعبت دوراً، البعض حتى من المحللين يتحدث عن أن خسارة الكوبا قد تكون السبيل لرؤيته مقالاً، الجميع وضع ثقته في تيتي، خصوصاً بعد ما حدث في 2014، ثم 2016، ووصولاً في 2018، ولكن فشل تيتي في تأكيد ثقتهم فيه".

بطولتان كبيرتان على مسافة آلاف الكيلومترات، وبثقافات مختلفة، ولكن تشابهت الأسباب وراء غياب الجماهير من معاناة اقتصادية لمواطني مصر والبرازيل والبلدان المجاورة، وفقدان الرابط مع منتخب المنظم، لتكون المحصلة ليس فقط مستوى فني أقل من متوسط رغم حضور النجوم والأسماء اللامعة على أرضية الملعب، ولكن غياب المحرك الرئيسي لنجاح اللعبة وأي مسابقة في المدرجات، وما يترتب عنه من تأثير على تقييم تجربة الاستضافة بين النجاح والفشل، بعيداً عن البيانات والدعايا الرسمية.

إعلان

ENJOYED THIS STORY?

Add GOAL.com as a preferred source on Google to see more of our reporting

0