عانى ريال مدريد في العامين الماضيين بشدة مع آفة الإصابات، وخصوصًا خطه الخلفي، إيدر ميليتاو، دافيد ألابا، داني كاربخال، فيرلان ميندي جميعهم غابوا لمدد طويلة، وحتى من ابتعدت عنه الإصابة الخطيرة كهؤلاء غيبته الإصابة على فترات متقطعة مثل أنتونيو روديجر، ومع تزمت إدارة فلورنتينو بيريز مع كارلو أنشيلوتي بخصوص دعم خط الدفاع، كان اللجوء لناشئي الملكي لسد العجز.
فكرة الاعتماد على الشباب وتطعيم الفريق الأول بهم دائمًا ارتبطت أكثر بالغريم برشلونة وأكاديميته الشهيرة "لا ماسيا" التي أنجبت ليونيل ميسي والبقية، ولكن ذلك لا يعني أن "لا فابريكا" ريال مدريد دون المستوى ولا تنتج لاعبين بإمكانهم تمثيل الفريق الأول مثل إيكر كاسياس وغيرهم، ولكن غزارة إنتاج "لا ماسيا" وجودة خريجيها يجعل نجاحها يطغى على البقية.
نوفمبر الماضي كان مسرحًا لبزوغ موهبة من "لا فابريكا" مع الفريق الأول لريال مدريد، ألا وهو رؤول أسينسيو الذي شارك في الانتصار برباعية ضد أوساسونا، وذلك بعد ترقيه قبلها في الفئات العمرية للملكي وصولًا للفريق الرديف حيث كان يتنبيء له بمستقبل باهر، وإصابة كلًا من ميليتاو وألابا مجددًا مهدت الطريق للشاب بعمر ال21 للحصول على فرصته مع الفريق الأول.
موسم حافل عاشه أسينسيو بعامه الأول مع ريال مدريد، إذ أصبح قطعة أساسية في تشكيل أنشيلوتي وكون شراكة واعدة مع روديجر، وإن كانت إجبارية، فشارك في 46 مباراة بكل المسابقات، وبدأ الإعلام الإسباني في الحديث عن صحة رهان بيريز بعدم ضم مدافع جديد، وأن إذا كان برشلونة يمتلك باو كوبارسي الذي يعد من أبرز المواهب الدفاعية في العالم عقب بزوغه بسن الثامنة عشر، فريال مدريد يملك أيضًا أسينسيو، وأن ثنائية كوبارسي - أسينسيو ستكون راموس - بيكيه إسبانيا الجديدة عقب استدعاء الثنائي الشاب بالفعل لصفوف بطل أوروبا.
أظهر أسينسيو بالفعل إمكانيات كبيرة كمدافع بالنظر للظروف التي جعلت مشاركته الأولى مع ريال مدريد تأتي تحت ضغط الغيابات ودون تمهيد، مدافع شرس وعنيف وصاحب شخصية قوية في الملعب رغم عمره، وفي نفس الوقت يجيد الخروج بالكرة من الخلف وهي من أهم متطلبات الكرة الحديثة، وأي أخطاء وقع فيها تم تبريرها بصغر سنه وقلة خبراته، مع عدم نسيان أنه كان يلعب وهو يخضع للتحقيق بسبب قضية تورطه في نشر محتوى غير لائق لقاصر دون موافقتها، القضية التي في مايو الماضي تم توجيه الاتهام له رسميًا فيها وقد يواجه حكمًا قضائيًا.
ولكن مع نهاية الموسم وتراجع ريال مدريد الكبير وسقطاته المتتالية أمام برشلونة وضياع كل الألقاب، بدأت سهام النقد تصيب الجميع، وحتى أسينسيو الذي بدأ البعض يحلل ويناقش مستواه، وهل حقًا هو مدافع جيد أم أن الآلة الإعلامية المدريدية ضخمته فقط من أجل مقارعة نظيره في برشلونة كوبارسي، ومستوى المدافع الشاب في ختام الموسم ساهم في ذلك، إذ تراجع في الأداء وتكررت الأخطاء الفنية، والتدخلات العنيفة والعصبية.
ومع رحيل أنشيلوتي وقدوم تشابي ألونسو، استمر أسينسيو أساسيًا مع المدير الفني الجديد، واعتمد عليه أساسيًا في المونديال الأخير للأندية في ظل غياب روديجر، ولكن مشاركته أثارت المزيد من الشكوك حول حقيقة كونه مدافعًا جيدًا وواعدًا: تسبب في ركلة جزاء ضد الهلال وخرج بين الشوطين، طُرد ضد باتشوكا بعد 7 دقائق فقط، وضد باريس سان جيرمان تسبب في الهدف الأول بخطأ كوميدي وقدم عرضًا هزيلًا هو وروديجر صاحب الخطأ الكوميدي الآخر.
نسخة ريال مدريد في كأس العالم للأندية كانت تعد تجريبية لحقبة تشابي ألونسو، مدرب جديد وعناصر مرهقة بعد موسم طويل، ولذا ليست بالحكم على أي مستويات، بل يجب الإشادة بأن الفريق بلغ نصف النهائي في ظل تلك الظروف من الأساس، والكلام ينطبق على الجميع، بما فيهم أسينسيو رغم الأخطاء الكارثية بالبطولة.
رغم انضمام دين هاوسن ولكن ينتظر أن يحصل أسينسيو على عديد الفرص مع تشابي ألونسو، سواء في ثنائية مع هاوسن، أو إذا لجأ المدرب لخطته المفضلة بثلاثي في الخلف، خصوصًا في ظل غموض موقف روديجر، ألابا، وميليتاو مع تكرر الإصابات وتراجع المستوى، وأسينسيو أظهر الموسم الماضي أنه يستحق تلك الفرصة من جديد مع الفريق.
المقارنات مع كوبارسي وراموس ظالمة لأسينسيو، ليس لأنه لاعب سيء، ولكن لأن المقارنات ككل تضر دائمًا بالطرف الأحدث فيها وتضعه تحت الضغط لمعادلة طرفها الآخر، كوبارسي في برشلونة وجد فريقًا مثاليًا يساعده، بينما أسينسيو في ريال مدريد حصل على فرصته في فريق يعاني مع الإصابات وإدارة ترفض الدعم ومدرب بلا حلول، نعم أظهر عيوبًا داخل وخارج الملعب بحاجة للعمل عليها، ولكن يستحق بالتأكيد فرصة جديدة، والموسم الحالي مع مدرب يجيد تطوير الشباب سيكون الحكم الحقيقي على أسينسيو وإذا كان لاعب بحجم نادي مثل ريال مدريد أم لا.


