عندما تقابل أتالانتا ومانشستر سيتي في دور المجموعات لدوري الأبطال عام 2019 وتعادل النادييان 1-1 في لقاء اشتهر بسبب مشاركة كايل ووكر في حراسة المرمى، خرج مدرب سيتي بيب جوارديولا بتصريح شهير قال فيه: "الحصول على 4 نقاط ضدهم إنجاز، اسأل أي إيطالي، اللعب ضدهم مثل الذهاب إلى طبيب الأسنان، غاية غاية في الصعوبة حقاً!".
لم يكذب بيب جوارديولا وقتها بالإشادة بخصمه الإيطالي رغم عادته في تفخيم الخصوم، إذ نجح النيرازوري الصغير كما يسمى في إيطاليا بسبب تشابه ألوانه مع إنتر في عبور المجموعة بمعجزة رغم عدم فوزه بمبارياته الأربع الأولى، وبلغ ربع النهائي من النسخة المشؤومة التي تعطلت بفعل وباء كورونا، ولولا هدفان متأخران من بي إس جي لكان الإنجاز ببلوغ نصف نهائي الأبطال لفريق قبل وصول جيان بييرو جاسبيريني كان أقصى طموحه تفادى الهبوط، فما بالك المشاركة قارياً وبلوغ المربع الذهبي للأبطال!
لم تبدأ ثورة جاسبيريني التدريبية في أتالانتا، ولكن في جنوى عندما تم تعيينه في 2006 وحصل على لقب "أليكس فيرجسون جنوى"، إذ نجح في خمس سنوات بخلق فريق قادر على إزعاج الكبار والتغلب على الصغار بسهولة بفضل خطة 3-4-3 التي طوعها لأفكاره الهجومية، وإعادة الحياة للاعبين كانوا في عداد النسيان مثل تياجو موتا ودييجو ميليتو، لدرجة أن في 2009 وصفه جوزيه مورينيو بالأفضل في إيطاليا، ولم يجانبه الصواب، إذ نجح "جاسب" في قيادة جنوى لمركز خامس ومشاركة أوروبية تاريخية.
ولكن ليس كل مشوار لاعب يوفنتوس السابق وردياً مع التدريب، فعقب الرحيل من جنوى في 2011 تولى مهمة قيادة إنتر، ولكنها كانت فترة مخجلة في تاريخ الرجل باعترافه، إذ تعرض للإقالة عقب خمس مباريات فقط خسر أربع منها وتعادل في واحدة، ومنها السوبر ضد ميلان بالصين، ليرحل نحو تجربة أخرى فاشلة مع باليرمو لعام وحيد، وعودة غير موفقة لجنوى استمرت لثلاث سنوات ولكن دون تكرار نجاح الأولى.
بداية ثورة جاسبيريني في أتالانتا أتت ليس مع وصوله في 2016، إذ كان على وشك الإقالة عقب 5 مباريات أيضاً بسبب سوء النتائج، ولكن قلب حظوظه وحل رابعاً بنهاية الموسم، ومن هنا بدأت الحكاية ولم تتوقف.
"اللعب ضدنا يشبه الذهاب لطبيب الأسنان أيضاً، وليس هم فقط، فريق منظم وصاحب خبرة"، هكذا أشاد مدرب ليفربول يورجن كلوب برجال جاسبيريني قبل أن يسقط بثلاثية نظيفة في ربع نهائي الدوري الأوروبي بأنفيلد هذا الموسم، مباراة عنونت بداية سقوط موسم الريدز وتسليط الضوء على فريق إيطالي كان يتقدم في الظل نحو اللقب بأحقية، في توقيت كان باير ليفركوزن وليفربول وروما وميلان يخطفون الحديث.
لا يمكن التقليل من العمل الذي قام به تشابي ألونسو مع ليفركوزن وكيف أثبت أنه مدرب صاعد بقوة في عالم التدريب لا يعرف أحد إيقافه، باستثناء مورينيو وروما الموسم الماضي بأسلوب "ركن الباص" والدفاع ولا شيء خلفه، ووقتها لم يكن مشروع باير قد بلغ ما بلغه الآن، لذا يمكن اعتبار الدرس التكتيكي الذي لقنه له جاسبيريني بكرة قدم حديثه وضغط عالي في جميع أنحاء الملعب الامتحان الحقيقي لقدرات المدرب الباسكي الشاب وناديه الذي عرف الهزيمة للمرة الأولى على يده.
تشكيل أتالانتا الحالي لا يضم نجوماً كبار، ولكن لاعبون صنعهم فريق عمل جاسبيريني مثل دجيمسيتي وسكالفيني، وآخرون التقطهم أعين الكشافة وضمهم النادي بمبالغ هزيلة مثل كوبمينرز وموسو، وآخرون كانوا فشلة في أكبر دوريات العالم البريميرليج مثل كولاسيناك في آرسنال، سكاماكا مع وست هام الموسم الماضي، والأهم عريس النهائي لوكمان الذي لا ينسى أحد لقطة إضاعته ركلة الجزاء الشهيرة مع فولهام!
كرة القدم تعرف المعجزات كما حدث مع ليستر سيتي وكلاوديو رانييري مثلاً، ولكن ما حققه أتالانتا وجاسبيريني ليس بمعجزة ولكن نتيجة عمل وتخطيط من قبل نادي ميزانيته لا تقارن بفريق في مؤخرة ترتيب البريميرليج، لذا تحية ورفع للقبعة لمن أثبت أن كرة القدم يمكن أن تلعب بعد فقط في أرضية الميدان وليس في غرف الاقتصاد والأموال!