كأنه ميسي في زمانه: هدف وتصريحات من أيام ليونيل.. كيف أعاد بيدري أوقات برشلونة الجميلة؟!

في مباراة بدت معقدة وتكتيكية، كان برشلونة بحاجة إلى حل فردي لكسر الجمود، جاء هذا الحل في الدقيقة 13، في لقطة الهدف الأول، قدم بيدري نسخة كربونية من لمحات العبقري ليونيل ميسي. 

انطلاقة فردية رائعة من خارج المنطقة، سحب فيها الكرة بقدمه اليمنى مراوغاً الدفاع، قبل أن يسددها بيسراه بدقة متناهية لترتطم بالقائم الأيسر وتسكن الشباك، كان هدفاً يجمع بين المهارة، الرؤية، والإنهاء الدقيق.

هذا الهدف، الذي جاء من أصل تسديدتين له في المباراة واحدة منهم كانت على المرمى، لقد كان الشرارة التي أشعلت الملعب، لكن المايسترو الشاب، الذي يمتلك عقلية أكبر من عمره، رفض الانجراف وراء المقارنات. 

عندما سُئل بعد المباراة عن تشبيه هدفه بأهداف الأسطورة الأرجنتيني، رد بتواضع شديد: من الواضح أنني رأيت ميسي يفعل ذلك آلاف المرات، لكن بالنسبة لي لا يشبهه إطلاقاً، هو كان يفعلها بطريقة أفضل بكثير، لا شك عندي أنه الأفضل في التاريخ".

هذا التصريح لا يظهر فقط تواضعه، بل يظهر وعيه الكامل بقيمة ما يفعله، ورفضه لحمل عبء المقارنة، والتركيز فقط على دوره في مساعدة الفريق.

بيدري هو الوحيد حتى هذه اللحظة التي قامت جماهير برشلونة بالنداء باسمه في المدرجات بنفس طريقة "ميسي ميسي" منذ رحيل ليونيل، وحتى بنفس اللحن، لكن حتى هذا النداء الرائع لم يحرك الغرور بداخله.

النقطة الأكثر إثارة للجدل، والتي تثبت قيمة بيدري الاستراتيجية، جاءت في الدقيقة 63، في الوقت الذي كانت فيه النتيجة تشير إلى التعادل 1-1، وبرشلونة يبحث يائساً عن هدف الفوز، قرر هانز فليك سحب رجل المباراة وهدافه، والدفع بالمدافع أندرياس كريستنسن. 

للوهلة الأولى، بدا التبديل غامضاً أو دفاعياً بشكل غير مبرر، وأثار قلق الجماهير التي كانت تنتظر منه المخاطرة الهجومية، وحتى البعض ظن أن بيدري يعاني من مشكلة بدنية ما، فخروج أفضل من في الملعب من فريقك لا يمكن أن يكون في سياق طبيعي.

لكن تصريحات فليك بعد المباراة كشفت الخطة الحقيقية التي تتجاوز حدود هذه المباراة، حيث أوضح المدرب الألماني: "كان علينا أن نجري تغييرات، بيدري لعب الكثير من الدقائق، لذا كان علينا أن نبدّله وهذا كان هدفنا".

فليك أكد أن الهدف هو إدارة الدقائق للاعب، مضيفاً: "المباريات القادمة مهمة جدًا لنا، دوري الأبطال وكذلك الكلاسيكو، لذا نحتاج بيدري أن يكون منتعشًا، وهذا مهم جدًا لفريقنا".

ببساطة، فليك مستعد للتضحية بـ 30 دقيقة حاسمة من أفضل لاعبي فريقه في مباراة معقدة، مقابل ضمان جاهزيته البدنية والذهنية للمعارك الأكبر.

إنه يدرك أن برشلونة بدون بيدري في حالة بدنية جيدة يفقد رمانة الميزان وعقله المدبر، هذا الخوف المبرر من تكرار كابوس الإصابات الذي دمر مواسم بيدري السابقة، هو أكبر دليل على أن بيدري هو المشروع رقم واحد لنجاح موسم فليك، فالمدرب الألماني لا يدير 90 دقيقة فقط، بل يدير موسماً كاملاً، وبيدري هو مفتاحه.

ما يكمل صورة المايسترو الشاب هو عقليته القيادية، ففي ليلة انتصر فيها الفريق بمعجزة في الدقيقة 93، وبدلاً من الاحتفال بالهدف الرائع والنقاط الثلاث، كان بيدري هو أول من انتقد أداء الفريق بشكل حاد وصريح: "أعتقد أننا لم نقدّم أبداً أفضل مباراة لنا، علينا أن نُحسّن الكثير من الأشياء، ولستُ راضياً عن أداء الفريق".

هو يدرك أن الفوز جاء بشق الأنفس، وأن الاعتماد على روح أراوخو في الثواني الأخيرة ليس هو الحل الدائم، لكنه يمتلك أيضاً عقلية البطل التي تعرف كيف تفوز بالدوريات، وهو ما لخصه بذكاء: "في الأيام التي لا تكون فيها في مستواك، ولا تقوم بالأشياء كما يجب، إذا خرجت منها بالنقاط الـ3 فهذا أمر مهم جداً في طريقك نحو اللقب في نهاية الدوري".

هذه هي قيمة بيدري الحقيقية، هو ليس فقط اللاعب الذي يلمس الكرة 77 مرة في 63 دقيقة، أو الذي يسجل هدفاً عالمياً، أو حتى الذي يفوز بالالتحامات (فاز بـ 4 من 6 التحامات أرضية)، بيدري هو الصوت الناضج في غرفة الملابس، هو العقل الذي يحلل وينتقد قبل أن يحتفل. 

بين هدف ميسي، وعقلية القائد، وخوف فليك الأبوي عليه، أثبت بيدري في هذه الساعة من اللعب أنه ليس مجرد لاعب مهم، بل هو برشلونة نفسه في هيئة لاعب وسط.

بيت القصيد في قصة بيدري مع برشلونة، والتي لخصتها مباراة جيرونا، هو أن النادي وجد أخيراً عقله الحقيقي، فقيمة بيدري لا تكمن فقط في الهدف العالمي الذي سجله، أو في تقييمه كرجل للمباراة في 63 دقيقة، بل في كونه المعيار الذي يقيس به هانز فليك صحة فريقه.

قرار سحبه لحمايته أهم من المباراة نفسها، وتصريحاته المتواضعة بعد الهدف تظهر نضجاً يفوق سنوات عمره، برشلونة يمتلك العديد من اللاعبين المهرة، لكنه يمتلك بيدري واحد فقط.

بيدري هو اللاعب الذي يجمع بين سحر المايسترو في الملعب، وعقلية القائد خارجه، وهو ما يجعله رمانة الميزان التي لا يمكن تعويضها في مشروع فليك.