Ahmed Al-Julaydan Musab Al-Juwayr Mohammed AbdulrahmanSocial GFX

بنفيكا وأتالانتا في السعودية! .. ارتفاع أسعار اللاعبين السعوديين بين قلة المواهب وشدة المنافسة

شهد سوق انتقالات دوري روشن السعودي هذا الصيف ارتفاعًا حادًا وغريبًا في أسعار اللاعبين السعوديين، مما جعل انتقالهم صعبًا جدًا، وهي ظاهرة بحاجة للتحليل والحديث عن أسبابها ونتائجها.

  • ارتفاع تدريجي دون سقف!

    أحد الهلال ضجة هائلة حين ضم ياسر القحطاني من القادسية صيف 2005 مقابل 22 مليون ريال سعودي، ما يُساوي 6 ملايين يورو آنذاك، وكانت تلك أغلى صفقة محلية سعودية وحدثت في ظروف خاصة ونتيجة المنافسة الشرسة بين الهلال والاتحاد بقيادة منصور البلوي.

    رئيس القادسية السابق، الدكتور جاسم ياقوت، كشف تفاصيل تلك الصفقة في حوار مع قناة الرياضية السعودية، إذ أوضح أن الوحدة أول من طلب ضم القحطاني مقابل 4 ملايين ريال، ثم الأهلي وقدم 6 ملايين، لكن الاتحاد فاجأ الجميع بتقديم 12 مليون، وبعدما كان اللاعب قريبًا منه ووافق على الانضمام له غير رأيه فجأة وأراد الهلال، ليُقدم البلوي 26 مليون ريال لكن الاتفاق تم مع الهلال على 22 مليون.

    صيف 2015، أي بعد 10 سنوات كاملة، شهد صفقة أخرى مدوية في الدوري السعودي تمثلت بانتقال نايف هزازي من الشباب إلى النصر مقابل 28 مليون ريال سعودي، ويجري الإشارة بالخطأ إلى أن صفقة يحيى الشهري كانت من الأغلى بانتقاله من الاتفاق إلى النصر صيف 2013 مقابل 48 مليون ريال سعودي لكن هذا المبلغ يتضمن رواتب اللاعب السنوية لمدة عقده الممتد لـ5 سنوات بجانب قيمة الصفقة والتي لم تصل سوى إلى 13 مليون ريال سعودي.

    وعلى مدار السنوات الماضية، قبل انطلاق ثورة انتقالات دوري روشن صيف 2023، أتمت الأندية الكبيرة بعض الصفقات المحلية المكلفة، لكن الصفقات الكبرى والتي تقع قيمتها بين 15-20 مليون ريال لم تكن كثيرة، وكانت ملفتة جدًا وغالبًا ما لعب التنافس الشرس بين الأندية الدور الأهم في ارتفاع قيمتها المالية.

    هذا الأمر اختلف تمامًا مع بدء ثورة الانتقالات صيف 2023، حيث أصيبت أسعار اللاعبين السعوديين بارتفاع حاد ومفاجئ تمامًا، حتى أصبح مبلغ 20 مليون ريال لا يُذكر، بل وترفض الأندية بدء التفاوض إلا بأرقام تتخطاه كثيرًا.

    فيصل الغامدي، حسن كادش، حسان تمبكتي، حامد الغامدي، أحمد الغامدي، فراس البريكان وغيرهم من الأسماء انتقلت بمبالغ كبيرة جدًا، وصلت إلى 10 و11  مليون يورو، وقد تصدرت صفقة انتقال متعب الحربي من الشباب إلى الهلال المشهد وهي حتى الآن أغلى صفقة سعودية في الدوري السعودي، حيث وصلت إلى 29 مليون يورو، مبلغ يتخطى حاجز الـ120 مليون ريال سعودي، والاعتقاد السائد أن هذا المبلغ لن يصمد طويلًا في ظل ما يحدث هذا الصيف.

  • إعلان
  • صيف مجنون

    خلال السنوات الماضية، كانت بعض تلك الصفقات منطقية نوعًا ما، نظرًا لقيمة اللاعب والمنافسة، وأحيانًا كانت خارجة عن المألوف، لكن الملاحظ هذا الصيف أن الأسعار المطلوبة في اللاعبين المحليين كبيرة جدًا بغض النظر عن قيمتهم الفنية والبدنية وخبراتهم وتواجدهم على المستوى الدولي، والملاحظة الأخرى أن الأرقام تعلو وتعلو يوميًا دون أي حدود.

    الاتحاد دفع في أحمد الجليدان 40 مليون ريال سعودي، والتعاون يطلب في سعد الناصر 50 مليون ريال، والقادسية ضم مصعب الجوير قبل عام من انتهاء عقده بـ57 مليون ريال، نيوم ضم ثنائي الوحدة، عبد العزيز نور وعلاء آل حجي، مقابل 42 مليون ريال.

    جل تلك الأسماء المنتقلة هذا الصيف قدمت أداءً جيدًا خلال الفترة الأخيرة لكنه لا يصل أبدًا لتلك القيم المالية المبالغ بها جدًا، خاصة مع انفتاح الدوري السعودي على الأجانب والسماح لكل نادٍ بضم 10 منهم!

    والغريب في الأمر أن الجميع يعلم تمامًا أن جل أولئك اللاعبين سيجلسون على مقاعد البدلاء أكثر مما يتواجدون في الملعب .. فلم كل هذا الإنفاق؟ خاصة أن كل نادٍ يستطيع الاعتماد على شبابه وتوفير الكثير من الأموال وتوجيهها نحو جلب لاعبين أجانب على مستوى عالٍ.

  • قلة المواهب أم شدة المنافسة؟

    السؤال الأهم .. ما السبب خلف تلك الظاهرة؟ هل هو قلة المواهب السعودية أم اشتداد المنافسة بين الكبار؟ الحقيقة أن الإجابة تتضمن الإجابتين معًا.

    لاشك أن كرة القدم السعودية تُعاني منذ سنوات من قلة المواهب الكبيرة، إذ يكتفي الدوري السعودي سنويًا بتقديم لاعب واحد واعد، وليس هناك دليل أكبر من احتكار مصعب الجوير لجائزة أفضل لاعب واعد في الشهر طوال الموسم الماضي!

    الكرة السعودية تُعاني من نقص اللاعبين في عديد المراكز، وهو ما يُجبر الأندية على اللجوء للخيار الأجنبي هنا، خاصة في حراسة المرمى والمهاجمين، ولذا أي خيار محلي يظهر بقوة يجذب اهتمام جميع الكبار.

    اشتداد المنافسة من جانب آخر بين كبار الدوري السعودي، الهلال والاتحاد والنصر والأهلي، ودخول أندية غنية مثل القادسية ونيوم، يجعل أندية الوسط والمؤخرة في جدول الترتيب يُغالون في طلباتهم المالية للتخلي عن لاعبيهم، لأنهم يُدركون جيدًا أنها وسيلتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة في ظل تلك المنافسة الشرسة وربما غير العادلة مع الكبار والأغنياء، ولنا في الشباب أكبر مثال.

    إذ لولا رغبة الاتحاد والهلال في ضم الجليدان لما وصل سعره إلى 40 مليون ريال سعودي، ولولا صراع الاتحاد والنصر والقادسية على سعد الناصر لما طلب التعاون 60 مليون، ولولا إدراك الهلال لحاجة القادسية للجوير لما طلب 50 مليونًا، والأمر ينطبق على طلب النصر 75 مليون للتخلي عن عبد الإله العمري للاتحاد أو القادسية.

    قلة المواهب السعودية مع اشتداد المنافسة ساهم في ذلك الارتفاع المجنون في أسعار اللاعبين المحليين في الدوري السعودي، والآن بدأنا نرى ارتفاعًا كذلك في رواتب اللاعبين وبشكل خيالي، مثل الجوير الذي سيحصل على 12 مليون ريال سعودي سنويًا مع القادسية.

  • أتالانتا وبنفيكا في السعودية!

    ارتفاع أسعار اللاعبين السعوديين واستفادة الأندية المتوسطة أو الصغيرة من ذلك قد يكون بمثابة دعمًا غير مباشر لها من وزارة الرياضة ولجنة الاستقطاب، فنحن نعلم جميعًا مدى التفاوت في مبالغ الدعم بين الكبار والآخرين، وتوجيه أموال أولئك الكبار لمن هم أقل منهم في الدعم هو في الحقيقة دعم لكن بطريقة غير مباشرة.

    هذا الأمر قد يكون له أثرًا إيجابيًا على كرة القدم السعودية مستقبلًا، وذلك بحرص تلك الأندية على اكتشاف المواهب وتطويرها جيدًا حتى تستطيع بيعها للكبار بمبالغ كبيرة تساعدها على الصمود، مثلما فعل الشباب حين باع تمبكتي والحربي للهلال.

    نحن نسير حاليًا إلى تقسيم الدوري السعودي إلى نصفين، أحدهما منتج والآخر مستهلك، كما يحدث في أوروبا، وكلاهما قادر على الفوز بالألقاب وتحقيق الإنجازات لكن لفترات زمنية مختلفة.

    نرى في أوروبا كيف تستفيد أندية مثل بورتو وبنفيكا وأتالانتا وأودينيزي وفياريال من ذلك التصنيف المالي، إذ تستثمر في المواهب جيدًا وتستفيد كثيرًا من أرباح الصفقات، مستغلة حاجة الكبار لأولئك اللاعبين، وبتلك الأموال تحافظ على استقرارها المالي وقد تحقق بعض النجاح الرياضي ... الفتح والتعاون والشباب أندية قادرة على اتباع هذه السياسة والاستفادة من شدة المنافسة بين كبار دوري روشن لتنمية مواردها المالية باكتشاف المواهب وتطويرها ثم إعادة بيعها.

  • لماذا ينصاع الكبار؟

    يبقى السؤال الأخير في ذلك النقاش حول ارتفاع أسعار اللاعبين السعوديين حول أسباب انصياع الأندية الكبرى لطلبات المتوسطة والصغرى المرتفعة كثيرًا؟ لماذا يدفع الاتحاد 40 مليون ريال للحصول على الجليدان ولماذا يُلبي النصر طلب التعاون الحصول على 60 مليونًا لأجل سعد الناصر؟

    الإجابة بسيطة جدًا .. أولًا الحاجة لأولئك اللاعبين لأن الدوري السعودي لم يسمح بعد بامتلاك أكثر من 10 أجانب، مما يعني الحاجة للاعبين سعوديين أساسيين و5-6 بدلاء أكفاء على الأقل، وثانيًا شدة المنافسة مع بقية الكبار وقدرة بعض الأندية على تلبية تلك الطلبات المرتفعة وخطف اللاعبين.

    الحل لتلك الأندية أن تُعزز قطاعات الشباب لديها، وأن تُوليها اهتمامًا أكبر من التحرك في سوق الانتقالات العالمي والمحلي، وكذلك محاولة اكتشاف المواهب السعودية مبكرًا وقبل أن ترتفع أسعارها، وإلا فاستنزاف أندية الوسط لها سيتواصل وسيزداد موسمًا بعد الآخر.