لم تمر الأسابيع الأولى للنجم الألماني فلوريان فيرتس في صفوف ليفربول بهدوء كما كان يتمنى النادي وجماهيره، إذ تعرّض اللاعب لانتقادات قاسية عقب أدائه الباهت في مواجهة ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا، والتي لم يقدّم خلالها أي بصمة تُذكر. ورغم أن الفريق الإنجليزي لا يزال يثق بقدرات لاعبه الجديد، إلا أن الأصوات بدأت ترتفع حول مدى انسجامه مع أسلوب اللعب الإنجليزي، ومدى جدوى المبلغ الضخم الذي دُفع لضمه من باير ليفركوزن.
Getty Imagesصفقة قياسية... وبداية متواضعة
ليفربول كان قد أعلن في يوليو الماضي عن التعاقد مع فيرتس مقابل 130 مليون يورو، في صفقة أصبحت الأغلى في تاريخ النادي، متفوقًا على ما دُفع سابقًا لضم فيرجيل فان دايك أو داروين نونيز. الصفقة قوبلت بحماس كبير في البداية، خاصة بعد منافسة شرسة مع مانشستر سيتي وبايرن ميونخ للفوز بتوقيعه، إلا أن الأداء الذي ظهر به اللاعب في الأسابيع الأولى لم يرقَ إلى مستوى التوقعات.
فيرتس، الذي شارك حتى الآن في 15 مباراة مع الريدز، منها 10 مباريات في الدوري الإنجليزي و5 في دوري الأبطال، لم يسجل أي هدف، واكتفى بتقديم 3 تمريرات حاسمة فقط، وهي أرقام متواضعة جدًا مقارنة بالمبلغ الهائل الذي تكبده النادي.
Getty Images"فيرتس دمّر توازن وسط ليفربول"
الانتقادات الأشد جاءت من الأسطورة الفرنسي أرسين فينجر، المدير الفني الأسبق لنادي آرسنال، والذي لم يتردد في توجيه نقد حاد للاعب وطريقة توظيفه في التشكيلة.
وخلال تحليله عبر شبكة "بي إن سبورتس"، قال فينجر: "المشكلة الكبرى بدأت عندما فرض فيرتس شروطه على ليفربول أثناء المفاوضات. لقد طالب باللعب في مركز صانع الألعاب (الرقم 10) ورفض اللعب على الأطراف، وهذا الطلب دمّر توازن خط الوسط الذي كان الأفضل في إنجلترا الموسم الماضي".
وأضاف فينجر موضحًا وجهة نظره: "ليفربول في الموسم الماضي كان يملك وسطًا متكاملاً يضم جرافنبرخ وماك أليستر وسوبوسلاي، لكن مع دخول فيرتس في المنظومة أُجبر سوبوسلاي على اللعب في الجناح، وهذا أفقد الفريق انسجامه المعروف. ونتيجة لذلك، لم يعد الفريق يسيطر على المباريات كما في السابق".
ورأى فينجر أن الحل الأمثل أمام المدرب الهولندي آرني سلوت هو إعادة التوازن إلى التشكيلة التي جلبت النجاح لليفربول الموسم الماضي. وقال: "لو كنت مكان سلوت، كنت سأعيد خط الوسط القديم كما هو، وأضع فيرتس في الجهة اليسرى من الهجوم، حيث يمكنه تقديم الإضافة بصناعته للفرص من الأطراف بدلًا من أن يكون عبئًا في العمق".
وأكد المدرب الفرنسي أن فيرتس يتمتع بموهبة استثنائية، لكنه لا يزال بحاجة إلى الانضباط التكتيكي والتأقلم مع الصلابة البدنية التي تميّز الدوري الإنجليزي الممتاز.
قلق رغم الثقة
صحيفة "سبورت" أشارت إلى أن ليفربول لا يفكر في التخلي عن اللاعب الألماني أو التشكيك في قدراته، لكنه يشعر بـ"بعض القلق" حيال بطء تأقلمه. ويرى مسؤولو النادي أن اللاعب يحتاج إلى وقت ودعم نفسي حتى يندمج بالكامل في أسلوب اللعب السريع والمباشر الذي يتبعه الفريق.
الجهاز الفني خصص برنامجًا خاصًا للاعب الألماني لتطوير لياقته البدنية وسرعته في الارتداد الدفاعي، وهي من أبرز النقاط التي أبدى سلوت عدم رضاه عنها في الجولات الأخيرة.
الإحصائيات لا تصب في صالح اللاعب حتى الآن. فقد صنع فيرتس ثلاثة أهداف فقط في عشر مباريات بالدوري، مقابل 17 فرصة صنعها في نفس الفترة من الموسم الماضي عندما كان لاعبًا في باير ليفركوزن. كما انخفضت نسبة تمريراته الناجحة إلى 79% فقط مقارنة بـ88% في البوندسليجا، ما يعكس معاناته مع الضغط والسرعة في إنجلترا.
ورغم ذلك، يظل فيرتس من الناحية الفنية أحد أكثر المواهب الألمانية بروزًا في السنوات الأخيرة، وكان عنصرًا أساسيًا في تألق ليفركوزن الموسم الماضي تحت قيادة تشابي ألونسو، حيث ساهم بـ13 هدفًا و15 تمريرة حاسمة.
imago / every second mediaانقسام جماهيري
الجدل حول أداء فيرتس انقسم بين من يرى أن الوقت كفيل بإنصافه، ومن يعتبر أن "اللاعب لم يكن صفقة ضرورية بهذا المبلغ الخيالي". بعض المشجعين عبّروا عبر مواقع التواصل عن دعمهم الكامل له، معتبرين أنه "بحاجة فقط إلى مباراة واحدة كبيرة ليستعيد الثقة"، بينما طالب آخرون سلوت بإجلاسه على دكة البدلاء مؤقتًا حتى يستعيد مستواه المعهود.
صفقة فيرتس التي وُصفت عند الإعلان عنها بأنها "استثمار في المستقبل"، تحوّلت إلى موضوع نقاش دائم في الإعلام الإنجليزي. وبين انتقادات فينجر وتحفّظ الإدارة وثقة سلوت المعلنة في لاعبه، يقف فيرتس أمام اختبار حقيقي لإثبات قيمته في أحد أصعب الدوريات في العالم.
الأسابيع المقبلة، وخاصة المواجهات القادمة في الدوري ودوري الأبطال، ستكون حاسمة في تحديد مصير اللاعب في أنفيلد — فإما أن يستعيد بريقه ويثبت أنه يستحق الرقم القياسي الذي حُمِّل به، أو أن يتحول إلى أغلى صفقة لم تحقق الوعود المنتظرة في تاريخ ليفربول الحديث.