أصبح المنتخب الجزائري ثالث المتأهلين رسميًا إلى دور الـ16 من كأس أمم إفريقيا بعد انتصاره الثمين والصعب على بوركينا فاسو بهدف نظيف سجله رياض محرز من ركلة جزاء في الشوط الأول. إليكم أبرز الملاحظات عن المباراة ..
AI الجزائر وبوركينا فاسو | حين يتحول "الخُضر" إلى قطعة من الصلصال الفاخر، ولا يحق لك الاستياء يا محرز!
تخطي المجموعات لأول مرة بعد اللقب
تُوج المنتخب الجزائري بلقب كأس أمم إفريقيا في نسخة 2019 بعد أداء مذهل بقيادة المدرب جمال بلماضي، ولكن النسختين التاليتين شهدتا خروج محبط من دور المجموعات، عامي 2021 و2023، ليُطيح الاتحاد المحلي بالمدرب الوطني ويستعيد بالسويسري فلاديمير بيتكوفيتش بدلًا منه.
وبعد عملية إحلال وتجديد في صفوف الخُضر ودمج للمواهب الجديدة مع النجوم المخضرمين، نجح المنتخب الجزائري في العودة للنتائج الإيجابية من جديد في النسخة الحالية من كأس أمم إفريقيا بالفوز على السودان وبوركينا فاسو والتأهل رسميًا إلى دور الـ16 لأول مرة منذ نسخة 2019.
الجزائر ستختتم مواجهات دور المجموعات بلقاء هامشي مع غينيا الاستوائية، ومن المتوقع أن يلجأ خلاله المدرب لإراحة المجموعة الأساسية والاعتماد على البدلاء لإعدادها جيدًا للمراحل الإقصائية.
اللقب الثالث؟ بشرى للخُضر!
فوز المنتخب الجزائري في أول مباراتين من دور المجموعات يُعطي بُشرى للجمهور ويفتح باب التفاؤل بالحصول على اللقب أو على الأقل الوصول لنصف النهائي.
محاربو الصحراء لم يفوزوا في أول مباراتين من دور المجموعات في كأس أمم إفريقيا سوى 4 مرات، تُوجوا باللقب مرتين منهم! عامي 1990 و2019، وفي المرتين الأخرتين وصلوا إلى نصف النهائي حيث خسروا، وقد حلوا في المركز الرابع عام 1982 والثالث عام 1982.
الحصول على 6 نقاط من أول مباراتين في النسخة الحالية قد يكون من التفاصيل الصغيرة التي قد ترسم لوحة البطل في نهاية البطولة! لنرى ما سيحدث.
منتخب من الصلصال!
جميعنا لعب بالصلصال يومًا ما، وهي مادة يسهل تشكيلها وتكوين عدة أشكال منها، تأتي بألوان وخامات مختلفة ويُعد اللعب بها ممتعًا إلى حد كبير للصغار وحتى للكبار.
المدرب بيتكوفيتش حول منتخب الجزائر إلى قطعة من الصلصال في يده! والمؤكد أنه يستمتع كثيرًا بإجراء الكثير من التغييرات وتكوين العديد من الأشكال بقطعة الصلصال تلك، خاصة أنها من النوع الفاخر جدًا!
بيتكوفيتش دخل مباراة اليوم بإجراء 3 تغييرات على التشكيل الأساسي الذي هزم السودان بثلاثية نظيفة، وقد غير توظيف ريان آيت نوري من يسار الدفاع إلى جناح مهاجم، ولعب بمحمد عمورة كرأس حربة متقدم بدلًا من الجناح الأيسر.
لم يكتف المدرب المخضرم بذلك التغيير في بداية اللقاء، بل ظل طوال المباراة وهو يُغير من شكل المنتخب وتوظيف اللاعبين، قاصدًا أحيانًا ومضطرًا أحيانًا أخرى، لكنه أظهر قدرة رائعة على الانسجام والتعامل مع كافة الظروف.
تأثير الفراشة ظهر اليوم عند إصابة جوان حجام، إذ أخرجه المدرب وأشرك بغداد بونجاح وهو ما أدى لتغييرين في الملعب .. فقد عاد آيت نوري ليسار الدفاع وعاد عمورة ليسار الهجوم وتواجد المهاجم المخضرم في القلب.
وبعد ساعة من اللعب بطريقة 4-2-3-1 و4-3-3 حسب تحركات إبراهيم مازا، غير المدرب من جديد ولعب بطريقة لعب 5-3-2 بإشراك المدافع زين الدين بلعيد بدلًا من الجناح الأيمن رياض محرز.
ولم يتوقف المدرب عن إجراء التغييرات وإراحة بعض اللاعبين ومنح الفرصة لآخرين رغم أن النتيجة ظلت معلقة حتى اللحظات الأخيرة .. بيتكوفيتش حول المنتخب الجزائري إلى قطعة من الصلصال وسيحصد نجاح أفعاله مستقبلًا ولكن عليه الحذر لأن الأمر يحمل أيضًا جزءًا كبيرًا من المخاطرة خاصة إن أصبح هوسًا لديه كما حدث أحيانًا مع بيب جوارديولا!
الجودة سر تفوق الجزائريين
بداية المباراة اليوم حملت طابعًا بدنيًا صعبًا وقاسيًا على الجزائريين، إذ لجأ لاعبو بوركينا فاسو للتدخلات القوية التي وصلت إلى حد العنف أحيانًا كثيرة، وهو ما أدى لخروج جوان حجام مصابًا بعد 12 دقيقة فقط، وقد رد الجزائريون بامتياز وذكاء كبير بحيث حولوا المباراة للجانب الفني تدريجيًا.
لعبت جودة اللاعب الجزائري الدور الأهم في مباراة اليوم، كانت سر تفوق الخُضر على الخيول، فقد ظهر جليًا أن جميع اللاعبين يتمتعون بالكثير من الجودة الفنية والمهارة والموهبة، حتى الحارس لوكا زيدان أظهر قدرات ممتازة على التمرير الطويل والقصير، والبقية تألقوا في التمرير والاستلام والمراوغة والتسديد.
بيتكوفيتش محظوظ بتلك المجموعة من اللاعبين أصحاب المهارة الفردية الكبيرة، وهو ما يُساعده بالطبع على تطبيق أفكاره المتعددة والمختلفة، والمنتخب مطالب دومًا بتحويل دفة أي لقاء لهذا الجانب الفني والهروب من المواجهات البدنية الصعبة لأنها لن تكون في صالحهم على الأرجح .. فعلوا هذا اليوم ونجحوا بالخروج فائزين.
رياض محرز .. لا يحق لك الاستياء!
خرج رياض محرز من الملعب بعد 60 دقيقة من اللعب، وقد بدا واضحًا على وجهه ملامح الحزن والاستياء من قرار المدرب المخضرم، صحيح أن الأمر لم يتطور إلى ملامح غضب وانفعال لكن حتى الحزن لا يحق له الشعور به!
خلال الساعة التي لعبها محرز، لمس الكرة 36 مرة، لم ينجح في محاولتين للمراوغة، سدد مرة واحدة على المرمى من ركلة الجزاء التي منحته الهدف الوحيد، مرر 13 تمريرة في نصف ملعب بوركينا فاسو بنسبة نجاح 69% فقط، لم ينجح في الفوز سوى بـ3 مواجهات فردية من أصل 8، صنع فرصة وحدة وقدم تمريرة مفتاحية واحدة.
الأهم من تلك الأرقام، أن محرز لم يظهر كثيرًا في آلة الهجوم الجزائرية خلال تلك الساعة، وذلك ربما ليس بسببه بل لأن المدرب قرر تحويل دفة الهجوم إلى اليسار بتواجد آيت نوري وعموري معًا هناك وتثبيت الظهير الأيمن سمير شرقي للواجبات الدفاعية لتغطية تقدم مدافع مانشستر سيتي، وهذا الأمر جعل محرز في عزلة نسبيًا وعدم القدرة على إيجاد شريك مثالي رغم اقتراب إبراهيم مازا منه أحيانًا.
هذا فنيًا، لكن على صعيد آخر .. واضح تمامًا أن بيتكوفيتش يُريد الحفاظ على جاهزية جميع اللاعبين البدنية للمراحل الإقصائية الحاسمة، ولولا الصدفة بالإصابة المبكرة لما تواجد بونجاح في الملعب سوى متأخرًا، وقد رأيناه أخرج إسماعيل بن ناصر، مما يعني أن قرارات المدرب هدفها الحفاظ على حالة اللاعبين وبالتالي مصلحة المنتخب التي تعلو فوق كل المصالح الشخصية.
النقطة الأخيرة، هي أن المدرب أراد تطبيق الدفاع الإيجابي في النصف ساعة الأخيرة من المباراة، وهي العودة للدفاع لكن دون إهمال الهجوم بالمرتدات، وهنا هو بحاجة للاعبين أصحاب السرعة والقدرة على الانطلاق بالكرة، ومحرز تخطى تلك المرحلة، وبالتالي الحفاظ على الأصغر سنًا والأكثر قدرة هو الأفضل للمنتخب.
وأتم في تلك النقطة بأن محرز غادر بعدما سجل الهدف الوحيد وأصبح هداف البطولة بـ3 أهداف، فهو هنا لم يحصل على جزء من كعكة الانتصار بل الجزء الأكبر!
مازا يثبت أقدامه
الجميع كان ينتظر مردود إبراهيم مازا مع منتخب الجزائر، وقد أظهر أداءً ملفتًا خلال الدقائق التي لعبها أمام السودان، واليوم ثبت أقدامه تمامًا بمستوى مبهر توجه بجائزة رجل المباراة.
اللاعب صاحب الـ20 عامًا لم يُظهر فقط جودة عالية ومهارة فردية مذهلة، بل شخصية قوية وجريئة وقادرة على التحكم بالانفعالات في أقسى الظروف، وقد ظهر ذلك من المراوغة المذهلة التي قام بها داخل منطقة الجزاء قبل أن يتصدى الحارس البوركيني لتسديدته ويمنع هدفًا جميلًا جدًا.
مازا لعب كذلك عدة أدوار في الملعب، من صانع ألعاب إلى لاعب وسط محوري إلى لاعب وسط مدافع إلى جناح إلى تريكوارتيستا .. وقد انسجم مع جميع الأدوار والمراكز بامتياز يُحسد عليه.
ما قدمه نجم باير ليفركوزن اليوم يقول أن العقد القادم في منتخب الجزائر سيُدون باسمه!



