"خسر برشلونة أمام باريس سان جيرمان برباعية نظيفة في ذهاب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، ثم عاد وحقق أكبر عودة في تاريخ الأدوار الإقصائية ليفوز 6-1 ويتأهل إلى ربع النهائي، حيث سقط أمام يوفنتوس 3-0 بمجموع المباراتين". - من كتاب (انتصارات لا قيمة لها).
هذا ما قد تقرأه على لسان أحد الكارهين الساخرين، وهو أمر أكثر من معتاد في عالم كرة القدم، أمر طبيعي لدرجة البداهة، فأينما وُجدت الكرة وُجد التراشق وتبادل المضايقات، ولكن من يهتم؟
الكبار يحتفلون بالألقاب بينما يحتفل الصغار بالمباريات، أليس كذلك؟ ولكن إن كان الحديث عن تلك اللحظة تحديداً، فإنه كما يقول شعار ملعب ليفانتي الذي يشارك برشلونة ألوانه:"كم هو عظيم أن تكون صغيراً".
مرارة كُبرى حين تحقق إنجازاً تاريخياً كذلك ولا تتوجه باللقب في نهاية المطاف، ومرارة أكبر أن يكون بطل المسابقة في النهاية هو لا أحد سوى غريمك التقليدي، ولكن صدقاً هذه الليلة تكفي، فهو شعور لم وقد لا يتكرر أبداً..
شعور يمكنك استرجاعه من أي شيء كان يحيط بك في تلك اللحظة، أو حتى مجرد فكرة عابرة، فمن كُتب له أن يعيش تلك الليلة لن تَموت بداخله ما دام هو حي يتنفس.
Santiago Garcés.قد ترى أنه من العيب استمرار الحديث عن مباراة واحدة وتحويلها إلى احتفالية سنوية يشارك بها الجميع بكل ما لديه، وإن فكرت معك بعقلي لثوانٍ قد أُقر لك بأنك على حق، ولكني لا أستطيع، ورغم ذلك لدي استعداد تام للكتابة عنها كل عام، والحديث عنها في كل ليلة..
أنا لا أتذكر شيئاً مما يحفظه العقل عن تلك المباراة، لا أتذكر تفصيلة تكتيكية واحدة، إن حاولت استرجاع تشكيل باريس سان جيرمان قد أنسى لاعباً أو اثنين. أنا لا أفهم كيف سجل برشلونة الهدف الأول، ولا أبالي إن كان من سجل الثاني هو إنييستا أو كورزاوا أو محمد النني، ولا يعنيني كتف مونييه الذي أطاح بنيمار ليسجل ميسي الثالث.
ما أذكره جيداً هو كيف ارتفعت آمالي إلى أقصى درجاتها، وكيف انهارت مع هدف كافاني الذي بالمناسبة لا أتذكر كيف سجله أصلاً، وكيف فقدت الشغف تماماً رغم تصديات شتيجن التي أبقت البلوجرانا حياً حتى الدقيقة 88، كل ما كنت أفكر فيه عند تلك الركلة الحرة هو أنه إذا لم تسجلوا تلك الأهداف الثلاثة الآن فلا تسجلوا اثنين، خسارة ثقيلة جديدة كانت لتصبح أقل وطأة من التحسر على هدف واحد لم يأتِ.
نيمار يسجل ركلته، اللعنة لمَ لم يأتي هذا الهدف مبكراً؟! لويس سواريز يسقط داخل المنطقة ممسكاً بكل أطراف جسده عدا الجزء الذي حدث به الاحتكاك حقاً، إن كان وليد أزارو قد قطع قميصه، فإني أكاد أقسم أن سواريز كان على استعداد لقطع رقبته مقابل احتساب تلك الركلة!
تلك الثواني الأخيرة التي لم يبقَ بها واحداً على كرسيه، محاولة أخيرة مبتقية وهدف واحد ينهي كل شيء، شتيجن يندفع ويعيد الكرة إلى الكتلان، نيمار يرسل الطولية، كلما أتذكر أني لمحت الرقم 20 فانتابني القلق الشخصي لأقل من ثانية أشعر بالذنب تجاه هذا الرجل.
Getty Imagesصحيح أنه قدم مستويات سيئة في بعض المباريات ويلعب في مركز لم يكُن مركزه الأصلي، إلا أني سأظل مديناً له طوال حياتي.. "من سجل هدف التاريخ"؟ يكتشف عصام الشوالي بعد دقيقتين من الأجواء الهيستيرية أنه لا أحد سوى سيرجي روبرتو.
يا لسوء حظ هذا الرجل الذي التقطته الكاميرات يتحدث للإعلام خارج ملعب كامب نو قبل دقيقة من نهاية المباراة، رجل امتلك مقعداً لحضور تلك المباراة ففرط طوعاً في أهم لحظاتها، وأضاع من عمره دقيقة يتحدث فيها عن هراء الخروج المشرف عوضاً عن أن يتواجد على تلك المقربة من الحدث..
يا لسوء حظ هؤلاء الذين قرروا ألا يشاهدوا المباراة لأن الأمور انتهت، ولن أدَّعي أني كنت أعرف أو أثق حقاً بإمكانية حدوث ما حدث، بل كنت موقناً من خروج برشلونة، ولكن إن كنا سنموت لا محالة فإني أُفضِّل مشاهدة المعركة الأخيرة عن سماع أخبارها.
كل من يقول أن هذا الفوز كان بلا قيمة.. هم على حق، فالفوز بدوري الأبطال أهم وأفضل، والبطولات هي المغزى من التنافس، هذا كله صحيح، حتى الفوز على ريال مدريد بنتيجة كبيرة يظل أكثر أهمية ناهيك عن حقوق التبجُّج التي يوفرها..
وبالفعل، رأينا برشلونة يفوز بدوري الأبطال عدة مرات، ورأيناه يفوز على الميرينجي بمجموعة متنوعة من النتائج الساحقة، لكننا أبداً لم نرَ عودة كتلك سوى مرة واحدة، ربما يظل شعور الانتصارات "الهامة" أفضل وأكثر متعة، ولكن الأكيد أن شعور الثامن من مارس 2017 سيبقى فريداً من نوعه للأبد.




