كرة القدم كانت ومازالت في نظر العديد لعبة الرجال، إذ رغم التقدم الكبير في الكرة النسائية وتواجد لاعبات بجودة عالية، إلا أن مقاليد الحكم خارج الملاعب ظلت بأيدي الرجال .. مع هذا، فهناك عدة نساء اخترقن ذلك الحاجز وفرضن أنفسهن على اللعبة الأشهر في العالم. جول النسخة العربية يُطلق سلسلة جديدة تتحدث عن أبرز النساء في عالم الساحرة المستديرة.
حلقتنا اليوم عن إيفا كارنيرو .. الطبيبة المعجزة التي رضخ لها تشيلسي وأصابت جوزيه مورينيو باللعنة!
حب كرة القدم منذ المراهقة والفضل للبرازيل!
دخلت النساء مختلف المجالات في عالم كرة القدم، وحصلت على العديد من الوظائف، لكن دور الطبيبة الرئيسية للفريق الأول لم يكن من تلك الوظائف حتى ظهور إيفا كارنيرو المولودة في جبل طارق وتحمل الجنسية الإنجليزية، وهو ما يجعلها تستحق تمامًا لقب الطبيبة المعجزة!
ولدت كارنيرو في الـ30 من سبتمبر عام 1973، والدها إسباني ووالدتها إنجليزية، وقد حددت هدفها من سن المراهقة بالعمل في الطب الرياضي، ولذا درست الطب في جامعة نوتنجهام وقضت عامين في الكلية الأسترالية لأطباء الرياضة في ملبورن، ومن ثم حصلت على درجة الماجستير في الرياضة والتمارين الرياضية من جامعة كوين ماري في لندن.
أعدت إيفا نفسها جيدًا للعمل في كرة القدم، وقد بدأت مسيرتها المهنية مع وست هام ومن ثم عملت مع الرياضيين البريطانيين استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية في بكين 2008، وعملت كذلك مع فريق كرة القدم النسائية الإنجليزي قبل الوصول عام 2009 إلى تشيلسي.
وقد سبق أن قالت لمجلة جبل طارق عن بداية تعلقها بكرة القدم "اهتمامي الحقيقي بكرة القدم بدأ في كأس العالم 1998، كنت مسافرة عبر المكسيك وكانت البرازيل تُواجه المكسيك في المونديال، توقفنا في مدينة برازيلية تُعد وجهة سياحية شهيرة لقضاء شهر العسل، وقد جهزوا منطقة كبيرة لمتابعة المباراة. اهتمامي في البداية كانت بتعلم رقصة السامبا، لكن نجوم البرازيل رقصوا بعد كل هدف! انتهت المباراة وكنت قد تعلقت بالسامبا وكرة القدم معًا".
تشيلسي .. نقلة نوعية ورحلة مزدحمة بالمصاعب
بدأت كارنيرو مسيرتها في غرب لندن بالعمل مع الفريق الرديف، حتى اتخذ المدرب أندريه فيلاش بواش قرارًا شجاعًا وتاريخيًا بتعيينها في الفريق الأول عام 2011، وبعد رحيله واصلت الطبيبة العمل في الجهاز الطبي للفريق الأول للبلوز تحت قيادة رافا بينيتيز وروبرتو دي ماتيو وجوزيه مورينيو في فترته الثانية التي بدأت عام 2013.
الرحلة مع النادي الإنجليزي لم تكن خالية من المتاعب أبدًا، فقد واجهت الطبيبة صاحبة الملامح اللاتينية مصاعب جمة، سواء في التعامل مع اللاعبين أو طبيعة العمل وضغطه أو هتافات الخصوم، وقد أثارت جدلًا واسعًا حين تعرضت لهتافات جنسية من مشجعي آرسنال ومانشستر يونايتد ومانشستر سيتي خلال موسم 2014-2015، حيث تدخلت وزيرة الرياضة، هيلين جرانت، شخصيًا ودعت للعمل على الحد من التمييز العنصري بناءً على الجنس في كرة القدم.
كارنيرو حصدت مع تشيلسي عددًا من الألقاب الجيدة، على رأسها بالطبع دوري أبطال أوروبا 2011-2012 والدوري الأوروبي في الموسم التالي، بجانب الدوري الإنجليزي موسم 2014-2015 وكأسي الرابطة والاتحاد الإنجليزيين.
النهاية الدرامية .. صدام مع مورينيو ولعنة مازالت مستمرة!
لم يكن يتوقع أحد أن تكون نهاية مسيرة كارنيرو مع تشيلسي بتلك الطريقة الدرامية! فقد كان الجميع يكن لها احترامًا كبيرًا والنادي قدم لها الدعم الكامل مرارًا وتكرارًا!
القصة بدأت في مواجهة تشيلسي مع سوانسي سيتي في الدوري الإنجليزي موسم 2015-2016، وتحديدًا عند لحظة إصابة إيدين هازارد وسقوطه على أرض الملعب في الوقت الذي كان البلوز يلعب بـ10 لاعبين لطرد تيبو كورتوا.
كارنيرو قامت بعملها المعتاد .. عملها الطبي! دخلت أرض الملعب مسرعة بصحبة أحد المساعدين لعلاج النجم البلجيكي، لكن هنا جن جنون مورينيو وقد صب جام غضبه عليها وكال لها الشتائم واتهمها بعد اللقاء الذي انتهى بالتعادل 2-2 بأنها لا تفهم كرة القدم، كل هذا لأنها كلفته اللعب بـ9 لاعبين لعدة دقائق!
قال مورينيو بعد المباراة "من الواضح أن طبيبتنا لا تفهم كرة القدم، عليك أن تُسرع لمساعدة شخص ما حين يكون بحاجة حقيقية للمساعدة وذلك لم يكن وضع هازارد. لم تجلس على مقاعد البدلاء ثانية".
كانت التصريحات صادمة للجميع، وقد انتصر مورينيو في تلك الجولة باستبعاد الطبيبة من جميع تدريبات ومباريات تشيلسي، حتى رحلت عن النادي بعد شهر تقريبًا، لكن تلك لم تكن سوى جولة من حرب طويلة استمرت بين الطبيبة من طرف والنادي الإنجليزي ومدربه من طرف آخر وانتهت لصالحها!
بداية الصراع شهدت تبرئة مورينيو من توجيه أي إساءات للطبيبة، لكن كارينو لم تستلم ورفعت شكوى ضد تشيلسي بحجة "الصرف المقنع" وضد المدرب بحجة "التمييز الجندري"، وبعد جدل كبير اتفق الطرفان على تسوية مالية حصلت بموجبها على 5 ملايين جنيه إسترليني، بجانب تقديم النادي اعتذار رسمي عما بدر منه.
تشيلسي لم يكن الطرف المتضرر فقط، بل دفع مورينيو ثمن ما فعله مع كارينو، حيث أصابته لعنة لم تُفارقه حتى الآن! وتمثلت في فشله المتكرر مع جميع الأندية التي عمل معها بعد فترته الثانية مع البلوز، البداية من مانشستر يونايتد مرورًا بتوتنهام وختامًا بروما، والآن وقع عقدًا جديدًا مع فنربخشة التركي ويأمل أن تتوقف لعنة الطبيبة عن ملاحقته.
انتهى دور الطبيبة .. وحان وقت المالكة والرئيسة!
عانت كارينو كثيرًا بعد إقالتها من تدريب تشيلسي، وبدأت تفقد شغفها تجاه كرة القدم، حيث أكدت في مقابلة مع صحيفة ليكيب عام 2017 أنها لم تستطع مشاهدة أي مباراة طوال عامين باستثناء نهائي دوري أبطال أوروبا 2016، خاصة أنها إحدى مشجعات ريال مدريد.
تخلت صاحبة الـ51 عامًا عن دور الطبيبة في كرة القدم، عملت بعد تجربة تشيلسي في عيادة خاصة متخصصة بالطب الرياضي في شارع هارلي، لكن يبدو أن حبها لكرة القدم كان أقوى من أن ترحل بعيدًا عن اللعبة.
كارينو امتلكت نادي "لويس أف سي" للرجال والسيدات، الناشط بدوري إسثميان البريطاني، وذلك بالشراكة مع جودي موراي والدة نجم التنس العالمي آندي موراي، وقد قالت عن مشروعها في نوفمبر 2012 "أحب تلك اللعبة الجميلة ومدى القوة التي تمتلكها كرة القدم. تخيل لو تم استخدام تلك القوة للخير، تخيل إيجاد نادٍ يمتلك تلك القيم في بؤرة روحه. أنا سعيدة جدًا بامتلاك نادي لويس أف سي للرجال والسيدات".
كارينو إحدى النساء المؤثرات للغاية في كرة القدم للرجال، فقد اقتحمت مجالًا صعبًا وشائكًا للغاية، تعرضت للسخرية والانتقادات والهتافات العنصرية مرارًا وتكرارًا، ورغم ذلك واصلت الرحلة دون كلل أو ملل وبنجاح كامل بشهادة الجميع، وحين واجهت الموقف الصعب مع أحد أصعب رجال كرة القدم، السبشال وان مورينيو، أظهرت قوة وجرأة وشجاعة كبيرة وأجبرته على التراجع والاستسلام وجعلت ناديًا بحجم وقوة تشيلسي يرضخ لها ولمطالبها ... خرجت من المجال مرفوعة الرأس منتصرة وقد أصبحت علامة بارزة في تاريخ الطب الرياضي المختص بكرة القدم.