كثيراً ما تسمع عن هؤلاء المدربين "الفشلة" الذين يتم تضخيمهم فقط لأن البعض يحب رؤية كرة جميلة، هذه صارت تهمة بحد ذاتها.
ما قيمة اللعب الجميل إن لم تكلله بطولة؟ هذا ما يقوله من طالب ماوريتسيو ساري بتحقيق لقب الدوري مع نابولي على حساب يوفنتوس وكأنه المنتظر أو المتوقع.
لماذا؟ لأن تحقيق 91 نقطة بقائمة معدومة البدلاء مثل التي كان يملكها ليس إنجازاً لأن يوفنتوس حقق 95، قبل أن نكتشف في الموسم التالي أن يوفي يمكنه التتويج بـ90 نقطة فقط.
هذا نفسه ما عانى منه يورجن كلوب مدرب ليفربول مراراً وتكراراً، فاشل بل و"نصاب" لأنه لا يفوز بالألقاب، 97 نقطة بلا قيمة لأن مانشستر سيتي حقق 98، من المؤسف ما كان يمكننا سماعه لو استمرت عقدة الرجل مع النهائيات، ولكنه لحسن الحظ أمسك بالكأس ذات الأذنين ليضعها في وجه المشككين.
المفارقة أن اللحظة التي حفر بها كلوب اسمه في "التاريخ الذي لا يتذكر إلا النتائج" كان بإمكانها التحول للحظة اعتراف برجل آخر يشاركهما هذا المصير الملعون، ماوريسيو بوتشيتينو مدرب توتنهام، والذي يواجه مطالبات غرائبية بتحقيق الألقاب في فريق هو الأقل إنفاقاً بين الستة الكبار، والأقل تتويجاً بينهم على الصعيد التاريخي.
لا جدوى من هذا الحديث الآن، لأننا في الموسم المقبل يمكننا سماع أن الرجل الذي قاد توتنهام هوتسبر لنهائي دوري أبطال أوروبا الوحيد في تاريخه، ولنصف النهائي الثاني له بعد 57 عاماً على آخر ظهور له بهذا الدور، هو في النهاية مجرد فاشل شأنه شأن غيره.
من هنا يسهل الحكم على رجل بدأ مسيرته التدريبية منذ أقل من 10 سنوات، جعل إمبولي محط أنظار الجميع في إيطاليا، قاد نابولي لما يفوق التسعين نقطة، ما هو إلا فاشل آخر. لأنه وإن اعترف البعض بأنه حقق إنجازاً حقيقياً في نابولي وأن تعريف "الإنجاز" لا يجب أن يأتي مقروناً بالألقاب حسب النادي الذي يقوده المدرب موضع التقييم، للأسف منح ساري كارهيه دليلاً قوياً للغاية بتجربته الأخيرة مع تشيلسي..
رغم البداية الجيدة عاد الرجل وأخفق تدريجياً، تلقى سداسية نظيفة أمام مانشستر سيتي، أفلتت منه الأمور أمام حارسه الوافد الجديد، بل وأفلتت أعصابه قبل نهائي الدوري الأوروبي بساعات، صحيح أنه فاز بالدوري الأوروبي في النهاية وهو ما يفترض معاملته كلقب من جانب حراس الألقاب، ولكنه ليس بتلك الأهمية.
ساري أنهى الموسم في المركز الثالث بفارق 16 نقطة عن البطل مانشستر سيتي، حيث –وكما أفرط ساري نفسه في تذكيرنا- كان الفارق بين نفس الفريقين 30 نقطة في الموسم الماضي، ولكن للمصادفة، بيب جوارديولا الذي يجتاح إنجلترا الآن هو الآخر أنهى موسمه الأول في المركز الثالث، وبفارق 15 نقطة عن البطل الذي كان تشيلسي آنذاك.
ولكن على الأقل بيب معتاد على المحاولات الجماهيرية –والإعلامية أحياناً- لنسف تاريخه وإنجازاته في كل فرصة ممكنة، وفي النهاية أثبت ما لديه بلقبين تاريخيين للبريميرليج، فرصة لم ينَلها ساري وللأمانة ما كان ليصح الرهان عليها إن بقى، البيئة التي عاشها في تشيلسي بل وساهم في صناعتها بنفسه في كثير من المواقف لم تكن الأمثل على الإطلاق، عكس سيتي الذي يحظى مدربه بكل أشكال الدعم الممكنة.
نظرة ساري لميداليته الذهبية ليلة الدوري الأوروبي هي نفسها نظرة كلوب لدوري الأبطال، هي نفسها دموع بوتشيتينو عقب اجتياز أياكس في نصف النهائي، الكل يعمل ويقدم كل ما لديه لأجل لحظة تقوده إلى أبعد ما يمكن، لأننا إن كنا الآن نتذكر جيداً كيف كان كل منهم قريباً للغاية من كتابة التاريخ، سيأتي زمن لا يُذكر فيه سوى أن يوفنتوس فاز بالكالتشيو 8 مرات على التوالي وأن مانشستر سيتي فاز بالبريميرليج بـ98 نقطة وأن ليفربول بطل دوري أبطال أوروبا 2019، النسخة التي إن ذٌكر منها شيئاً سيكون فضيحة برشلونة في أنفيلد ثم مغامرة أياكس، على أمل أن يلحظ بعض المتابعين أن أحد أطراف النهائي كان هنا للمرة الأولى في تاريخه..
لهذا تحديداً أي فشل لساري في يوفنتوس سينسف كل عرائض الدفاع الممكنة عنه، الآن صار يدرب فريقاً مرشحاً لكل الألقاب التي يخوض غمارها، الآن صار مدرباً لأحد تلك الأندية التي تطالب بكل شيء، هذا هو الرهان الذي اتخذه ونجح به في دياره مع إمبولي ونابولي، الآن عليه تكراره في يوفنتوس، في مواجهة 19 فريقاً لن يهاجم أمامه منهم سوى اثنين أو ثلاثة على أقصى التقديرات الطموحة أولاً، ثم في مواجهة لعنة البيانكونيري مع دوري الأبطال ثانياً، ثم نلتقي مجدداً مع نهاية هذه التجربة لنرَ من سينتصر..


