لا يختلف الكثيرون مع وجهة النظر الشهيرة لمحمد أبو تريكة، النجم المصري، التي لا يتوانى عن استعراضها كل أسبوع في تحليله للقاءات تشيلسي، البلوز قاموا بصرف الأموال دون حساب يميناً ويساراً، ومعظم تلك الصفقات التي دُفع فيها الملايين على شاكلة ميخايلو مودريك وديترو فوفانا وروميو لافيا وغيرهم فشلوا في تقديم المأمول، باستثناء لاعب واحد كسر هذا العرف، كول بالمر.
دفع تشيلسي قرابة 47 مليون يورو لضم الشاب الإنجليزي من مانشستر سيتي العام الماضي، صفقة لم تلفت الأنظار كثيراً في بحر تحركاته بالميركاتو تحت قيادة تود بولي وماوريسيو بوتشيتينو نظراً لكونه لاعب احتياط مع بيب جوارديولا ليس أكثر، وليس من عادات المدرب الكتالوني التفريط في لاعب يرى فيه موهبة أو قدرة قابلة للانفجار، ولكن ربما رب ضارة النافعة التي دفعت سيتي لمعادلة دفاتره الاقتصادية وبيع بالمر، ليتحول إلى لندن حيث حصل على فرصة اللعب أساسياً وإثبات موهبته الكبيرة.
موسم أول مع تشيلسي على الصعيد الجماعي لم يكن موفقاً للبلوز انتهى فقط بمركز مؤهل لدوري المؤتمر رغم الأموال المصروفة والمهدورة، ولكن على الصعيد الفردي كان عنوانه تألق لافت للنظر لبالمر الذي سجل 27 مرة وصنع 15 بكل المسابقات، بمجموع 42 مساهمة تهديفية، وعروض قوية مثل الذي قدمه بالتعادل 4-4 ضد ناديه السابق، ليبدأ الحديث عن صاحب ال22 عاماً كأحد أبرز مواهب البريميرليج، ومحاصرة جوارديولا عن كيف فرط فيه!
وصف البعض بالمر وبيعه من قبل سيتي بغلطة جوارديولا الأكبر، ولكن جوارديولا كشف بأن بالمر كان لعامين يطلب الرحيل وليس فقط في صيف 2023: "أخبرته أن يبقى بعد رحيل محرز ولكن طلب المغادرة، يطلب منذ عامين الأمر، ماذا بيدي أن أفعل، أنا سعيد من أجله وهو في فريق كبير الآن مع تشيلسي"، تصريحات قد تُعفي بيب من المسؤولية، ولكن الكل يعرف أن إذا أراد جوارديولا بقاء اللاعب كان سيجد طريقة لإقناعه، خصوصاً إذا كان أخبره بأنه سيلعب دوراً رئيسياً مع رحيل محرز، ولكنه اختار التضحية به لتوفير سيولة مالية وضم جيريمي دوكو وفي الصيف التالي سافينيو، مما يعني أن بالمر لم يكن أولوية لسيتي منذ البداية وربما هذا ما دفع النجم الشاب على الإصرار على الرحيل.
المباراة التالية
عام أول مع بوتشيتينو تُوج بمشاركة إيجابية مع إنجلترا في اليورو رغم عدم لعبه أساسياً في أي من اللقاءات بمشوار الأسود الثلاثة نحو النهائي، ولكنه كان من النقاط القليلة المضيئة بتشكيل جاريث ساوثجيت الممل، وصاحب الهدف الوحيد ضد إسبانيا بالخسارة في برلين، لتبدأ رحلة جديدة هذا العام مع شخص يعرفه جيداً إنزو ماريسكا، وهو الذي سبق وعمل معه في فريق تحت 23 عاماً بسيتي، وكمساعد لجوارديولا، وكأن كل الظروف في تشيلسي تعمل لصالح بالمر.
بالفعل، انفجر بالمر في موسمه الثاني مع البلوز مع المدير الفني الإيطالي، إذ ساهم حتى الآن بعشرة أهداف في كل المسابقات، منها رباعية ضد برايتون الجولة الماضية جعلته حديث العالم، وحولته من "لاعب الموسم الواحد" كما عنوان البعض في الإعلام الإنجليزي وتشكك، إلى "الأفضل في العالم والبريميرليج" وتتم مقارنته بليونيل ميسي وإرلينج هالاند ودينيس بيرجكامب!
"قلت لكول لقد سجلت 4 أهداف ولكن كان يمكن أن تسجل أكثر، هدفين أو ثلاثة، دائماً جائع للمزيد وطموح وهذا يعجبني، أعرفه منذ زمن وأحب أنه رغم فوزه بجائزة أفضل لاعب وكل تلك الأهداف والتمريرات الحاسمة ولكنه يبقى متواضعاً وبسيطاً، وهذا أمر هام للغاية"، بتلك الكلمات علق ماريسكا على بالمر الذي يصفه البعض بالبرود بسبب احتفاله الشهير والأيقوني، والأهم، بسبب تعامله داخل أرضية الملعب الذي لا يعبر عن صغر سنه ويتماشى ربما لاعب أكثر خبرة وحنكة وليس من يخوض فقط موسمه الثاني كأساسي، مما فتح باب المقارنات مع لاعب آخر "بارد" وهو هالاند، ولكن التشابه بين الثنائي ليس فقط هذا، ولكن نجح بالمر في منافسة الماكينة النرويجية رقمياً، إذ يتساوى معه بعدد الأهداف في البريميرليج حتى الآن، ورباعية برايتون جعلته أول من يسجل سوبر هاتريك في شوط واحد بتاريخ المسابقة، وحتى الآن ساهم في 43 هدفاً بالبطولة الإنجليزية منذ انضمامه لتشيلسي، الرقم الذي خلال تلك الفترة الزمنية لم يصل له أي لاعب، حتى هالاند!
تنوع طرقه التهديفية تجعل البعض يقارنه مع ميسي، فهو يجيد التسجيل من ركلات الجزاء، 10 من 10 في تشيلسي وهو رقم قياسي آخر، ويسجل بنجاح من الركلات الحرة مثل الأرجنتيني، ويتمتع بدقة التصويب والتمرير البعيد كما عودنا الأرجنتيني، المهارات الي استعرضها في لقاء برايتون برباعيته وإلغاء هدف آخر له وصناعته لثلاث فرص محققة للتسجيل أضاعها نيكولاس جاكسون، بالإضافة لضربه العارضة!
المقارنة مع ميسي لقطة بلقطة تبدو منطقية في عصر التيك توك والريلز، ولكن المقارنة مع دينيس بيرجكامب وروبن فان بيرسي من قبل نجم آرسنال السابق تيو والكوت عقب لقاء برايتون قد تكون أكثر واقعية، إذ يرى الجناح الإنجليزي المعتزل حديثاً أن أسلوب لعب بالمر يشابه الأسطورتين الهولنديتين، وسجله التهديفي بعد موسم وبضعة أسابيعه جعله يدخل هذا النقاش، وإن كان بالمر قلل منه بهدوء أعصابه المعتاد عقب اللقاء عما اعترف بأنه لم يشاهد بيرجكامب ولكنه يعرف أنه من أساطير البريميرليج!
قبل انطلاق الموسم، كان بالمر يسجل فيديو لحسابات البريميرليج وطلب منه المصور أن يشير بثلاثة إصبع كاحتفال لو سجل هاتريك، ليسأل اللاعب بكل هدوء: "وماذا لو سجلت أربعة؟"، موقف يظهر البساطة التي أشار إليها ماريسكا، والتي قد تكون مفتاحه حقاً لتحطيم أرقام بيرجكامب وفان بيرسي، ومناطحة هالاند، ولما لا تبرير المقارنات مع ميسي وأبرز نجوم العالم، وإثبات أنه حقاً من الأفضل في البريميرليج واللعبة ككل، وهو الذي أقحم نفسه في تلك المعادلة خلال ما فعله بعام واحد بسن الثانية والعشرين!