لا، نحن وبكل تأكيد لا نتهم صلاح بالتحرش أو الدفاع عنه في المطلق، فهو أبعد ما يكون عن ذلك الأمر كلاعب خلوق اتخذ السجود احتفالاً ثابتاً لوقت طويل، وكرجل حصَّن نفسه مبكراً بالزواج أيضاً خلال فترة احترافه في بازل السويسري، بل نتحدث عمَّا دفعه لتوريط نفسه في معركة أخلاقية لم يكن مضطراً لخوضها..
خلال أزمة عمرو وردة الأخيرة، خرج نجم ليفربول وأفضل محترف في تاريخ هذا البلد بتغريدة يؤكد فيها اصطفافه مع حقوق المرأة، وكون "لا" من جانب الأنثى هي إجابة قاطعة بالرفض ويجب احترامها إلى أقصى درجة، ولكن هذا لا يتنافى مع "إيمانه بالفرصة الثانية"، والحقيقة نحن لا نعلم كيف لا يتنافى، أو أي من أجزاء تغريدة صلاح هو الأكثر تنافياً مع الآخر أو مع الواقع..
باختصار شديد، وقع صلاح فيما يقع به أغلب من يحاولوا إمساك العصا من المنتصف خلال هذا النوع من المعارك الذي لا يقبل بدوره سوى الوقوف في جانب واحد وواضح ومحدد، لأن الديباجة الأولى عن رفض التحرش واحترام رفض المرأة –مفاجأة- لن تمحو حقيقة أن كل ما يليها هو دفاع مستعطف عن متحرش..
بالتالي وقع صلاح في محظور دعم متحرش، وإن كان هذا ليس محظوراً بالضرورة لدى الجميع في الوطن العربي، أو على أقل تقدير لديه قابلية أكبر للتسامح فيه، فإن الأمر ذاته لا ينطبق على المجتمع الأجنبي إطلاقاً، المجتمع الذي خاطبه مباشرةً بكتابة التغريدة بالإنجليزية، لتتناقلها الصحف الأجنبية وتنهال الانتقادات عليه، فقط لأنه أقحم نفسه في مسألة بلا مبرر.
المشكلة أن اجتياز مبدأ "رفض المرأة" بالتهديد ومحاولة الابتزاز هو تجاوز يستوجب الحساب، الذي طالب صلاح بإعفاء وردة منه إيماناً بالفرصة الثانية، ولكن هنا يجب أن نتوقف ونسأل: إلى أي مدى تتسع الفرصة الأولى أصلاً؟
للتوضيح، وردة طُرد من معسكر منتخب الشباب إثر واقعة تحرش في 2013، بعد بضعة أعوام تم طرده من نادي فيرينسي البرتغالي إثر تحرشه بزوجات زملائه بعد بضعة أيام من وصوله إلى هناك.. يخبرك رجل يوناني أن غالبية سكان ثيسالونيكي يعرفون فتاة راسلها وردة أثناء لعبه في باوك، ما الذي يحتاج إلى فرصة ثانية؟
يمكن لصلاح تذكيرنا قدر ما يشاء بافتقار المصريين للعقلية التي قادته للنجاح، ويمكننا تذكيره للأبد أنه في وقت خطأ صديقه لم ينسَ العقلية التي انتقدها، تلك التي تحابي الصداقة والعلاقات على أي أولويات أخرى، فنحن في أغلب الأحوال عادةً ما ندافع عن أصدقائنا أياً كانت خطاياهم ولتتعفن معارككم الأخلاقية في الجحيم، وهذا بالضبط ما فعله ولدنا، يمكنك إخراج الرجل من مصر، ولكن لا يمكنك إخراج مصر من الرجل..
بالطبع هذا كل ما فعله صلاح حتى الآن وكل ما يمكننا انتقاده، أنه دافع عن صديقه المتحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن إن صدق أن وردة في طريقه للعودة إلى المنتخب بسبب ضغط اللاعبين على اتحاد الكرة وعلى رأسهم صلاح، فسيكون لدينا حديث مغاير تماماً.


