شارب ثقيل وسوالف طويلة وشعر أسود ثائر مثل صاحبه، مع ملابس تليق بسهرة جامحة وتختلف كثيراً عن الملابس الكلاسيكية لرفاق الستوديو الخاص بتحليل السيري آ من أساطير الكرة الإيطالية مثل تشيزاري مالديني وأليساندرو "سبيلو" ألتوبيلي، هكذا أطل علينا سالفاتوري "توتو" سكيلاتشي لتحليل الدوري الإيطالي عبر ستوديوهات الجزيرة الرياضية لفترة وجيزة قبل سنوات عدة، وبنفس هذا "اللوك" الشاب رحل عن عالمنا مساء الأربعاء 18 سبتمبر بعمر الثامنة والخمسين بعد صراع مع سرطان القولون، ليرحل فتى إيطاليا الذهبي عن عالمنا تاركاً مشواراً حافلاً بالذكريات خارج وداخل ميادين الكرة.
لم يكن الجيل الحالي محظوظاً ليعاصر "توتو" ورحلة صعوده القصيرة مع يوفنتوس في موسم 1989-1990 عندما قاد ابن ميسينا المغمور الفريق لكوبا إيطاليا وكأس الاتحاد الأوروبي بأهدافه، ليقع الاختيار عليه لتمثيل بلاده في مونديال 90، ولكن فقط ليكمل خط هجوم ناري ومدجج بأساطير من شاكلة روبرتو باجيو وجيانلوكا فيالي، ولكن تبديل في لقاء إيطاليا الأول ضد النمسا بخروج أندريا كارنيفالي ودخوله منح سكيلاتشي بوابة لدخول المجد.
سجل "توتو" هدف انتصار إيطاليا يومها، ليثبت نفسه أساسياً لبقية البطولة، حيث سجل في لقاء تشيكوسلوفاكيا، ثم ضد الأوروجواي بدور ال16، ثم ضد جمهورية أيرلندا، اللقاء الذي حوله لعدو جمهور البلاد الأول لدرجة أن مبيعات قميص "سحقاً سكيلاتشي" هي الأعلى حتى الآن في البلاد!
أهداف "توتو" لم تتوقف رغم خيبة الأمل ضد الأرجنتين بنصف النهائي حيث توقفت مسيرة الأتزوري على أرضه بركلات الترجيح، إذ كان صاحب هدف بلاده الوحيد في اللقاء، ثم سجل مرتين ضد إنجلترا في لقاء المركز الثالث، ليتوج هدافاً لكأس العالم 90 بستة أهداف، وجائزة أفضل لاعب بالبطولة متفوقاً على دييجو مارادونا ولوثار ماتيوس، الأخير الذي تفوق عليه ليحقق الكرة الذهبية عام 90 ويحل الإيطالي ثانياً في عام استثنائي في مسيرته.
بعد ذلك فشل "توتو" في إظهار نفس المستويات، فلم يتألق مجدداً مع يوفي ورحل إلى إنتر حيث رحل بعد عامين من الإصابات، ليختم مشواره بتجربة قصيرة في اليابان مع جوبيلو إيواتا حيث يعد بطلاً شعبياً وساهم بشكل كبير بنمو اللعبة في البلاد، وحتى مع المنتخب عقب إنجازات المونديال سجل فقط هدفاً آخر، ولعب في 10 مباريات أخرى دون بصمة تذكر، ليكون سكيلاتشي من أوائل حاملي لقب "أعجوبة الموسم الأوحد".
ولكن خارج الميدان كان سكيلاتشي شخصية أشبه بنجوم الروك والرول، إذ استغل شعبيته "السلبية" في أيرلندا وتحول لشخصية إعلامية وإعلانية لدرجة أن قميصه الشهير أصبح إعلاناً عن حب الأيرلنديين له، وفي بلاده إيطاليا حاول مع مجال التحليل ولكن شخصيته المزاجية وتصريحاته القوية لم تلاقي قبولاً كبيراً، ليختفي عن الساحة باستثناء ظهوره في أشهر وأرقى الحفلات بمظهره الشاب الذي يجعل الجمهور لا يصدق أن هذا الرجل يتقدم في العمر!
عاد "توتو" للواجهة في 2017 عندما أُعلن عن توليه تدريب فريق "أسانتي كالتشيو"، الفريق الذي أُسس من المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا بمفردهم إلى شواطيء إيطاليا ومراكز إيواء اللاجئين، التصرف الذي لم يعجب الكثيرون من رافضي سياسات البلاد وقتها باستقبال اللاجئين، ولكن رد نجم مونديال 90 كان قوياً: "بالنسبة لي، كرة القدم غيرت حياتي، وأتمنى أن تكون كذلك لهؤلاء، من العدل إعطاء الفرصة لهؤلاء الهاربين الباحثين عن حياة أفضل".
قبل عام كشفت زوجة سكيلاتشي عن إصابته بسرطان القولون، وقبل أيام قليلة خرجت وقالت إن "توتو" يحارب المرض عقب الإعلان عن تدهور صحته، وطالبت الجمهور بمساندته في تلك اللحظات الصعبة، ليرحل النجم الإيطالي بهدوء عن عالمنا دون ضجة كما كان مشواره، وتبدأ رسائل التعازي تنهال من إيطاليا وأيرلندا حيث تحول "توتو" لأسطورة خالدة وليس فقط كنجم العام الوحيد كما عرفته بلاده والعالم أجمع. وداعاً "توتو" سكيلاتشي!