"اللهم لا شماتة" .. جملة تتردد دائمًا على ألسنة الأغلبية، لكن دون العمل بحرف واحد منها، يجلسون محدقي الأعين، يراقبوا كل كبيرة وصغيرة في حياة من خالفهم الرأي أو خصمهم في أيٍ ما يكن، ينتظرون لحظة السقوط الحاسمة لترديد "اللهم لا شماتة" في وقت ملأت الشماتة به قلوبهم بالفعل!
قد يبدو لك للوهلة الأولى أنني بالغت في الوصف بالسطور السابقة، فنحن في الأخير نتحدث عن لاعب انتقل من نادٍ إلى آخر، نعم ذلك طبيعي في عصر الاحتراف!، لكن للأسف هذا هو الواقع الذي اصطدم به الظهير الأيمن السعودي سعود عبدالحميد حين قرر الرحيل من الهلال نحو روما الإيطالي، فبينما هو يبحث عن ذاته لرفع راية المملكة السعودية في ملاعب القارة العجوز، هناك جالس في الرياض "متشمتًا بحاله".
أي حال يتشمت به؟ مجرد الجلوس على مقاعد البدلاء وعدم حجز مكان أساسي في التشكيل!
لا! لم يمر عام أو عامين أو حتى ستة أشهر، فقط مر على هذه الخطوة شهر وبضعة أيام، تلك النقطة وحدها تكفي لتكشف لك عن عقلية الشامتين.
خمس مباريات من الدوري الإيطالي مرت بعد انضمام سعود للذئاب، لم يشارك في أي منها واكتفي دانييلي دي روسي؛ المدير الفني السابق للفريق، والمدرب الحالي إيفان يوريتش بإجلاسه على مقاعد البدلاء.
لكن على مستوى الدوري الأوروبي، فقد شارك صاحب الـ25 عامًا في الجولتين الأولى والثانية؛ أمام أتلتيك بيلباو الإسباني، وأمام إلفسبورج السويدي، والأخيرة تحديدًا شهدت ظهوره لأول مرة في التشكيل الأساسي، حيث لعب لمدة 65 دقيقة، أما الأولى فكانت بطاقة أول ظهور رسمي له مع روما، إذ نزل بديلًا في آخر 19 دقيقة.
حصيلة لا بأس بها نظير تصريحات مسؤولي النادي الإيطالي، الذين أكدوا في أكثر من مناسبة أن الظهير السعودي الشاب في حاجة للتأقلم أكثر مع الأجواء الإيطالية قبل أن ينخرط بشكل كبير في المشاركة، مشيدين في الوقت نفسه بإمكانياته وإلا لما تعاقدوا معه من الأساس مقابل 2.5 مليون يورو، رغم أن عقده مع الهلال لم يكن متبقٍ به إلا موسم وحيد.
إعلاميون أعماهم ضيق الأفق!
لم أتفاجأ من شماتة بعض الجماهير المتعصبة، خاصةً من الهلاليين؛ فهم من غضبوا بشدة لرحيله وهاجموه أشد الهجوم، لرفضه الاستمرار مع الزعيم كونه أحد نجوم الموج الأزرق، وهم أيضًا من نزلوا به لسابع أرض مقللين منه بعد تألق الوافد الجديد جواو كانسيلو، الذي تولى قيادة الجبهة اليمنى بعد رحيل سعود.
لكن المفاجأة حقًا كانت من الإعلاميين، في وقت من المفترض أن يكون دورهم توعوي بشكل كبير، شاركوا الشامتين حملتهم ضد اللاعب، ليس شماتةً في وضعه بشكل صريح، إنما وجهوا له اللوم للتفريط في المشاركة الأساسية مع الزعيم مقابل الجلوس على مقاعد البدلاء في العاصمة الإيطالية!
غريب أمركم! هو ذاك الإعلام نفسه الذي خصص حلقات في السنوات الأخيرة للحديث عن ملف احتراف اللاعب السعودي، وأسباب عدم وجود نجم سعودي في القارة العجوز يحمل اسم المملكة كما يفعل اللاعبون المصريون والمغاربة والجزائريون وغيرهم من العرب المتألقين في أوروبا.
الأكثر غرابة أن مثل هذا الطرح خرج من واحد من كبار الإعلاميين السعوديين ألا وهو وليد الفراج، الذي خرج مستاءً: "غامرنا بأهم موهبة سعودية!".
الفراج قال نصًا عبر برنامجه "أكشن مع وليد" في حلقة يوم الـ18 من سبتمبر الماضي: "دعونا نتفق في البداية أن وجود لاعب سعودي يلعب في بطولة أوروبية كالدوري الإيطالي مكسب للكرة السعودية وإضافة للاعبين السعوديين، لكن السؤال عندما تأخذ أهم موهبة سعودية شابة صاعدة وتبعثه للجلوس احتياطيًا في أوروبا، كيف تضمه لمعسكرات المنتخب؟ سينضم دون المشاركة في أي مباراة مع روما!، الهدف من احترافه هو اللعب والاحتكاك كي يرتفع مستواه، لكن ما حدث هو أنه لا يشارك، وهذا سيؤثر على حساسية المباريات لديه، وماذا لو خرج المدرب الجديد لروما (يوريتش) وقال إنه لا يصلح لطريقته؟!، هل سننقله لنادٍ جديد أم سنبعثه لبلجيكا رفقة مروان الصحفي وفيصل الغامدي؟!، أو ربما يعود للمملكة ووقتها لن يعود للهلال لوجود كانسيلو، فهل سيذهب للاتحاد أو الأهلي؟!".
واختتم بغرابة: "الفكرة كانت جيدة لكنها قد تؤدي لفقدان موهبة مهمة، الفكرة لم تكن متماسكة ونتائجها غير مضمونة، لم يكن علينا التجربة في لاعب مثل سعود، لأنها قد تنجح وقد تفشل، فماذا سيحدث لو استمر دون لعب لمدة ستة أشهر؟!".
الآن أصبح الجلوس على مقاعد البدلاء في نادٍ بحجم روما غير مجدٍ، إنما عندما يحين الحديث عن زيادة عدد اللاعبين الأجانب في دوري روشن السعودي لعشرة وتهميش اللاعب المحلي، تتغير النغمة إلى "الاحتكاك بالنجوم الأجانب في التدريبات والجلوس للتعلم منهم في المباريات من شأنه أن يرفع وعي اللاعب السعودي وخبراته!"، كالعادة "الكيل بمكيالين حاضر وبقوة".
لكم في هنري وصلاح خير مثال
تلك الحملات الممنهجة على اللاعب السعودي الشاب مردود عليها بالكثير والكثير من الأمثلة على من بدأوا مسيرتهم في نفس وضعه ثم أصبحوا نجومًا يتغنى بهم الكثيرون بعد ذلك..
إن أردنا مثالًا أجنبيًا، فعلينا بالمثال الذي ضربة الناقد المصري أحمد حسام "ميدو"؛ ألا وهو النجم الفرنسي الأسبق تييري هنري..
هنري رغم أنه أوروبي وأتى من موناكو الفرنسي إلى يوفنتوس الإيطالي (يناير 1999)، أي أن الأجواء نفسها تقريبًا في البلدين إلا أنه احتاج لفترة للتأقلم، بل أنه لم يفلح لصعوبة "السيري آ" ورحل في نهاية الموسم، مشاركًا في 20 مباراة فقط، سجل خلالها ستة أهداف وصنع اثنين آخرين.
لكنه حتمًا استفاد من تلك التجربة رغم قصرها، فالباقي التاريخ يعرفه جيدًا من آرسنال الإنجليزي لبرشلونة الإسباني.
على جانب آخر، شهدت إيطاليا الانطلاقة الحقيقية للمصري محمد صلاح؛ جناح ليفربول الإنجليزي الحالي، في عالم النجومية بكبرى أندية أوروبا..
فبعد فترة تهميش في تشيلسي الإنجليزي، خطف فيورنتينا الإيطالي مو في شتاء 2015 معارًا لمدة ستة أشهر، شارك خلالها في 26 مباراة، وأحرز تسعة أهداف وصنع أربعة آخرين، إذ حجز مكانه سريعًا في التشكيل الأساسي.
ومن فيورنتينا إلى روما الذي لعب له صلاح لمدة موسمين كاملين، حتى كان الذئاب هم بوابة انتقاله للريدز لصناعة التاريخ المستمرة حتى وقتنا هذا..
مع الذئاب، خاض صلاح 83 مباراة، وسجل 34 هدفًا وصنع 22 آخرين، فكما كان الحال في سابقه؛ فرض مكانه في التشكيل الأساسي مبكرًا.
المغزى من كل ذلك: الفرنسي الأوروبي لم يفلح في النجاح بالـ"سيري آ"، إنما فعلها العربي المصري، وبإمكان سعود عبدالحميد أن يكرر تجربة مو، الأمر متوقف فقط على شخصيته، كونه يمتلك إمكانيات رائعة، لكن هل لديه شخصية قوية لفرض نفسه؟ ننتظر منه الأجابة وينتظر هو منا الدعم فقط لا غير!
وماذا عن تجربة سالم الدوسري؟!
دعك من مثالي هنري وصلاح، لنأخذك في جولة مع تجربة لاعب سعودي كحالة عبدالحميد، وهنا يحضرنا سالم الدوسري؛ نجم الهلال والمنتخب السعودي..
في يناير 2018، أرسلت وزارة الرياضة برئاسة تركي آل الشيخ وقتها، سالم وعدد من اللاعبين السعوديين للاحتراف في الدوري الإسباني في إطار اتفاقية تعاون مشترك مع رابطة "الليجا".
تلك التجربة نقلت سالم من الهلال إلى فياريال، ولم تستمر إلا ستة أشهر فقط لا غير، بل أن التورنيدو في الأساس لم يظهر خلالها إلا في مباراة واحدة ولمدة 33 دقيقة فقط، بينما استبعد من كافة المباريات الأخرى.
المباراة كانت أمام ريال مدريد، ضمن الجولة الـ38 من الليجا موسم 2017-2018، وانتهت بالتعادل 2-2، لكن ماذا حدث بعد تلك التجربة التي يصفها "ضيقو الأفق" بالفاشلة؟!
عاد سالم للزعيم من جديد بعقلية مختلفة تمامًا عن ذي قبل، تأثيرها ظهر جليًا حتى على بنيته الجسمانية ولياقته وتعامله مع المباريات، فتحول لنجم السعودية الأول في غضون أقل من عامين تقريبًا بعد تلك التجربة.
وبخلاف البطولات التي ساهم بها بقوة مع الزعيم عقب عودته، والتي منها فضية كأس العالم للأندية 2022، توج بجائزة أفضل لاعب في آسيا عن عام 2022.
لن تخرجوا من "الفقاعة" كما اتهمكم الأوروبيون!
لن أطيل الحديث عليكم أكثر، لكن هناك رسالة وجب توجيهها لـ"ضيقي الأفق"، من لا يجيدون النظر للمستقبل بشغف وطموح، أملًا في نجاحات أكبر..
"غضبتم عندما هاجم الكثير من الأوروبيين الثورة السعودية، وزاد غضبكم عندما حكموا عليها بالفشل مثل الثورة الصينية دون أن يمنحوها الفرصة أو يمنحوا أنفسهم وقتًا كافيًا للحكم عليها، فما الفرق بينكم وبينهم الآن وأنتم تتعاملون مع سعود عبدالحميد بنفس المنطق؟! .. لا فوارق بتاتًا!".
وإلى سعود: "قالوا (فشل صلاح في بدايته مع تشيلسي) ثم انطلاق بسرعة الصاروخ مع فيورنتينا وروما فليفربول، وحكموا على سالم بالفشل مع فياريال، فعاد للهلال حاصدًا الأخضر واليابس، وتغنى به الأجانب قبل السعوديين، فتجربتك الحالية لا خسارة فيها، مكسبها مؤكد سواء استمريت في أوروبا أو عدت إلى المملكة من جديد .. فقط استمتع وتعلم!".