تستمر رحلة فلامنجو لكتابة اسمه في تاريخ كرة القدم البرازيلية مساء اليوم مع مباراته الافتتاحية في كأس العالم للأندية.
يقف الهلال السعودي في طريق عملاق ريو دي جانيرو أمام نهائي محتمل مع ليفربول، وهو الحلم الذي يُراود لاعبين من أمثال جابرييل "جابيجول" باربوسا وفيليبي لويس وبقية فريق جورجي جيسوس المتوج بكوبا ليبرتادوريس.
في حين حظي هؤلاء النجوم بالعناوين والاحتفاء بما أنجزوه، إلا أنه يجب أيضًا تذكر أسماء أخرى أقل شهرة مع بدء المغامرة في قطر.
كان من الممكن أن يكون كريستيان إسميريو وأثيلا بيكاسو من بين المتواجدين في قطر، لكنهم هم وثمانية من الشباب الآخرين لم يتمكنوا من ذلك بعد أن فقدوا حياتهم بشكل مأساوي في حريق أكاديمية النادي.
في 8 فبراير الماضي اشتعلت النيران في مجمع التدريب التابع للنادي في ريو دي جانيرو، وتم تحديد السبب لاحقًا على أنه ماس كهربائي في نظام تكييف الهواء في المنشأة.
وفوجئ الناشئون من أعمار 14 إلى 17 عامًا بالحريق الذي شب خلال نومهم. وكانوا قد جاءوا من خارج المدينة وناموا في مهجع النوم الخاص بمجمع التدريب في نينهو دي أروبو، بعد إلغاء التدريب وتعليق رحلات القطارات بسبب عاصفة مطرية.
وقال رودولفو لانديم رئيس فلامنجو للصحفيين في أعقاب تلك الفاجعة "هذه بلا شك أسوأ مأساة شهدها هذا النادي. الشيء الأكثر أهمية الآن هو محاولة تقليل الألم والمعاناة لهذه الأسر".
Gettyلكن تلك المأساة فتحت المجال أمام إهمال واضح من النادي بحق هؤلاء الشباب.. فالمبنى الذي وقع فيه الحادث كان مُسجل كموقف للسيارات، وضم هؤلاء الشباب وأغلبهم من أسر فقيرة يأملون جميعًا في تحقيق أحلامهم، وكانوا نائمين في صالة نوم مشتركة.
وفي بلدٍ مهووس بكرة القدم؛ يفخر فلامنجو بكونه الأكثر شعبية، بثروته التي تُعدُ محلّ حسد المنافسين في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية. ولكن هذا العشق والقوّة، على ما يبدو، قد سمحا للنادي بالهرب من أي لومٍ حقيقي على مُعاملة الأولاد الذين يرعاهم.
والأمر لم يكن وليد اللحظة ففي عام 2015 رفعت النيابة العامة في ريو دي جانيرو دعوى ضد النادي بسبب ظروف مراكز التدريب غير الأدمية، لدرجة أن ممثلو الإدعاء وصفوها بأنها أسوأ من ظروف الأطفال المُحتجزين في مقار احتجاز الأحداث مرتكبي الجُنح
وأصدر مسؤولون في المدينة قرارًا بإغلاق المُنشأة في عام 2017، ولكنه لم يُنفَّذ قط، واقتصرت العقوبة على عشرات الغرامات.
في السنوات الأخيرة، أنفق فلامنجو الملايين على تحديث أكاديمية الشباب التابعة له. وفي العام الماضي، تباهى مسؤولو النادي بأن المنشآت الجديدة ستكون هي الأفضل في البرازيل.
ولكن النادي الذي كان يضمّ 26 صبياً نائمًا في ليلة الحريق كان مبنى مؤقّتًا، مُكوَّنًا من 6 حاويات من الصُلب مُلصقة ببعضها البعض؛ ولم يسبق أبدًا تفتيشه، بحسب السلطات المحلّية.
وتشير المقابلات التي أُجريت مع الناجين من الحريق، والمسؤولين الذين حققوا في الواقعة، إلى عدة نقاط تؤدي إلى الإهمال، حيث قال الناجون إن المخرج الوحيد من المبنى كان في نهايته، وبعض الأولاد كانوا في أسرّتهم بعيدًا عن المخرج بمسافة تزيد عن 10 أمتار.
كانت للغرف أبواب منزلقة، وهي مخالفة أخرى؛ حيث إنّ تلك الأبواب قد تتعطل عن الحركة.
في حين أن كُل غرفة كانت تشمل نافذة، كانت الفتحات مُغّطّاة بشبكات، وقال أحد الشباب الذين كانوا في نفس غرفة كريستيان إسميريو للمحققين إن بابهم كان عالقًا حين حاولوا الخروج، وتمكّن الشاب من الانزلاق عبر أسلاك النافذة، وهو أمر لم يتمكّن كريستيان، حارس المرمى الذي يبلغ طوله 190 سم، من القيام به
كان إسميريو أول من تم التعرف عليه بعد الحريق، وأجبرت السلطات على استخدام سجلات الأسنان الخاصة به بسبب حالة غير معروفة من رفاته المتفحمة.

الحارس الذي كان الجميع يتنبأ له بمستقبل واعد كان يحلم بتوفير منزله لوالدته، حيث كان يستعد لتوقيع عقده الاحترافي مع النادي قبل هذه الحادث المأساوي بأسابيع قليلة.
ويقول والده كريستيانو متأثرًا في يوم الأب "كنا قريبين من توقيع أول عقد له، كنت أتمنى أن يكون هنا معي. لا يوجد ما يكفي من المال في العالم لتعويض كم اشتقت إليه".
إلا أن الأموال كانت في طليعة نزاع عائلات الضحايا مع فلامنجو في أعقاب الحريق. تم اتهام النادي بعدم الوفاء بدفع التعويضات، في حين أنفق مبالغ فلكية لجلب لاعبين من أوروبا مثل مثل فيليبي لويس ورافينا وبابلو ماري.
ويُعلق كريستيانو "قرر مجلس الإدارة تمديد معاناتنا. أنفق فلامنجو 200 مليون ريال برازيلي ( 49 مليون دولار) للتعاقد مع لاعبين. سأحزن على ابني طيلة حياتي".

لكن في الخامس من ديسمبر الحالي، أمر قاضي في مقاطعة ريو بإلزام فلامنجو بدفع راتب شهري مؤقت قدره (10 آلاف ريال برازيلي أي ما يُعادر 2.380 دولار لكل عائلة من أسر القتلى أو المصابين الثلاثة عشر في الحريق. حتى يمكن التوصل إلى تسوية دائمة.
ونظرًا لأن الوضع المالي لفلامنجو جيد حتى أنه جلب صفقات باهظة، كان يتوقع أن ينفذ هذا القرار.. لكنه وبمنتهى الغرابة رفض الامتثال لهذا القرار.
وزعم فلامنجو أنهم توصلوا طوعًا إلى اتفاق لدفع 5000 ريال برازيلي شهريًا للمتضررين وادعى أن الحكم تم التوصل إليه وراء ظهورهم.
وقال نائب الرئيس رودريجو دونشي دي أبرانتيس لـجلوبو "لم يتم إخطار فلامنجو بهذا القرار، ولكن إذا كان غير موات، ولم نتفق، فسوف نطعن عليه".
ربما كان كريستيان إسميريو سيرتدي قفازات فلامنجو ويحرس مرماه، ولما لا متابعة أليسون وإدرسون ويصبح حارسًا مرموقًا في كرة القدم، لكن رفقة 9 آخرين دفعوا ثمن الركض وراء الحلم.. والآن تقع المسؤولية على فلامنجو لتكريم ذكراهم، وتحمل المسؤولية حتى لا يدفع أي شاب مرة أخرى ثمنًا باهظًا للحاق بحلمه.


