تخيل عزيزي القاريء أن تكون لاعب كرة قدم بالخامسة والعشرين ومشوارك شهد بالفعل حمل قمصان أياكس، يوفنتوس، بايرن ميونخ، ومانشستر يونايتد، وكنت على أعتاب برشلونة الذي حاول مراراً وتكراراً خطفك دون نجاح، ورغم ذلك يشكك الجميع، حتى مدرب بلادك وقائده في إمكانياتك!
هذه الحالة الفريدة من نوعها تحمل مسمى ماتايس دي ليخت، قلب الدفاع الهولندي الذي بزغ نجمه في أياكس عندما حمل شارة قيادته بسن التاسعة عشر في سابقة تاريخية، ومع جيله الذهبي الذي بلغ نصف نهائي دوري الأبطال بقيادة مدربه الحالي في مانشستر إريك تين هاج لفت الأنظار مثله كمثل العديد من لاعبي هذا الفريق، ليُباع مقابل 75 مليون يورو ليوفنتوس الذي خطفه من برشلونة وعديد المهتمين ثم ندم على هذا القرار.
ثلاث سنوات في إيطاليا قضاها الهولندي حقق فيها الدوري والكأس والسوبر، ولكن رغم ذلك لا يمكن وصفها بالناجحة، لأن من أتى لخلافة الثنائي ليوناردو بونوتشي وجيورجيو كيليني عانى الأمرين، وعلى مدار تلك المواسم الثلاثة لم ينجح في التأقلم مع الكرة الإيطالية ومدرستها الدفاعية التي تعد مرجعاً حول العالم، وآفة الأخطاء الساذجة لازمت دي ليخت طوال فترته لدرجة دفعت مدربيه بنهاية المطاف بالاعتماد على الثنائي العجوز وبيعه لبايرن مقابل 67 مليون يورو، ووقتها تم النظر للأمر بأن "تعقيد" الإيطاليين وتكتيك والأساليب الدفاعية المعقدة وراء فشل المدافع العصري في التأقلم والتألق.
في بايرن ميونخ، حقق الهولندي الدوري والكأس أيضاً خلال عامين، وبدأ بقوة ونظر له الجميع على أنه نجم المستقبل ولكن في عامه الثاني مع توماس توخيل فضل الأخير عليه كيم مين جاي ودايوت أوباميكانو، وحتى مع رحيل توخيل ووصول فينسان كومباني بدا أن الهولندي الشاب لن يكون أساسياً، وبالتالي تم بيعه إلى مانشستر يونايتد الصيف الماضي مقابل 45 مليون يورو، ليعود لمدربه الذي قدمه للعالم تين هاج مع أياكس.
أسابيع أولى مختلطة وحافلة في مانشستر، إذ شارك في اللقاء الافتتاحي للموسم ضد فولهام والانتصار، ثم كان تحت المنظار بالهزيمتين ضد برايتون وليفربول بسبب ما وُصف من الإعلام بالأخطاء الساذجة والمتكررة لقلب الدفاع، ولكن عاد بطلاً سريعاً في الانتصار على ساوثامبتون حيث سجل هدفه الأول بقميص الريدز.
تزامنت فترة يونايتد مع عودة دي ليخت أساسياً مع منتخب بلاده عقب أن جلس احتياطياً في اليورو بمشوار هولندا إلى نصف النهائي، ولكن في مباراتي دوري الأمم الأوروبية لعب بجوار فيرجيل فان دايك ضد البوسنة وألمانيا لغياب ستيفان دي فري للإصابة، ولكن أخطاء دي ليخت كلفته انتقادات علنية من مدربه رونالد كومان وتغيير بين شوطين لإنقاذ الأمور ضد المانشافت، ليبرر قراره بإبعاده في أمم أوروبا الصيف الماضي.
لخصت السطور الماضية مشوار دي ليخت الطويل نسبياً بالنظر لصغر سنه، واللافت فيه تكرر النهج، اللاعب يصل بتطلعات كبرى ثم يبدأ في ارتكاب نفس الأخطاء تقريباً: (سوء التمركز، الخروج عن الخط الدفاعي المرتفع وترك مساحات خلفه وإفساد مصيدة التسلل، ركلات جزاء ساذجة وسهل تفاديها)، فيبدأ في الخروج من الحسابات ولكن دائماً يجد المخرج بسبب صغر سنه والهالة الكبيرة التي اكتسبها في أيامه مع أياكس كمدافع قوي البنية يجيد اللعب بقدميه والبناء من الخلف، الخاصية التي أصبحت أهم من المقومات الدفاعية نفسها في لاعبي الخط الخلفي بالعصر الحديث، فينجح في إيجاد فريق جديد بفضل وكيلته رافائيلا بيمينتا خليفة مينو رايولا، وهكذا تعاد الكرة.
يحسب لتين هاج تقديمه دي ليخت والعديد من من نجوم جيل أياكس السابق ذكره، ولكن معظم لاعبي هذا الجيل عانى كثيراً بعد خروجهم من قلعة العملاق الهولندي وليس فقط دي ليخت، دوني فان دي بيك أبرز مثال، من كان لاعب خط وسط برتبة هداف انتقل إلى يونايتد مقابل تقريباً 40 مليوناً ولم يشارك بتاتاً حتى نساه الجمهور، وتنقل إلى إيفرتون وفرانكفورت، وأخيراً جيرونا دون أن يصل ولو لنصف ما كان عليه في هولندا.
قد يشير البعض إلى الفارق بين الدوري الهولندي وبقية دوريات كبار أوروبا في المستويات الفنية والبدنية كسبب لمعاناة الجيل الذهبي لتين هاج بعد خروجه، ولكن هذا لا يبرر أن تكون مدافعاً بسعر وإمكانيات دي ليخت و"لا تعرف أن تدافع في خط مرتفع"، السبب الذي أشار إلي المدير الرياضي لبايرن ماكس إيبرل كسبب لبيعه رغم معارضة الجماهير البافارية التي توسمت خيراً في اللاعب، أو دفعت كومان للاعتراف بأنه أخرجه ضد ألمانيا لأنه على ما يبدو "يعيش سلسلة حيث يعاقب على كل خطأ يرتكبه، ولذا فضلت إخراجه لحمايته".
الآن عاد دي ليخت لتين هاج من جديد، وسيجد بجواره تقريباً نفس دفاع أياكس 2019 بتواجد أندري أونانا ونصير مزراوي وليساندرو مارتينيز، ولكن إذا كان تين هاج ربما من يملك مفاتيح تألق هؤلاء سابقاً، فعلى دي ليخت الحذر من أنه في مانشستر لا يملك عديد الفرص، الآن هو في الخامسة والعشرين ولن يلقب مجدداً بالمدافع الشاب الصاعد والواعد، والمزيد من الأخطاء في فريق يعاني أساساً ويبحث عن كبش فداء مع كل عثرة ستجعله مرشحاً مثالياً لتحمل المسؤولية.
سبع سنوات حافلة عاشها دي ليخت منذ بزوغه مع أياكس في 2017 حتى الآن، وإذا كانت بلغة الأرقام حقق فيها الكثير من الألقاب ولعب بأكبر الدوريات، ولكن بلغة الواقع وأرض الميدان هو أمام التحدي الأصعب بمسيرته لإثبات نفسه كمدافع يعتمد عليه وليس مجرد ممرر جيد، ولربما يكون اجتماعه مجدداً مع تين هاج فرصة الثنائي معاً لإنقاذ مسيرتهما، بل وإعادة مانشستر يونايتد نفسه للواجهة بأيدي أبناء أياكس 2019!