في مايو من العام 1999، كان تييري هنري بطل عالم يلعب في يوفنتوس وهو في سن الـ21 من عمره، لكنه لم يكن سعيدًا، حيث لم يكن يعجبه أن يُطلَب منه الدفاع، لم يكن يحب ذلك الجانب التكتيكي من الكالتشو، لم يعجبه سماع صافرات الاستهجان من مشجعي ناديه.
ذلك ما اعترف به هنري فيما بعد قائلًا "لم أكن أستمتع بنفسي على الإطلاق. شعرت أنني كنت سأخسر رغبتي في لعب كرة القدم".
ثم، بعد أربعة أشهر من انضمامه للبيانكونيري من موناكو مقابل 12.5 مليون يورو، تم إعلام الفرنسي أنه سيتم استخدامه من قِبَل المدير الرياضي لوتشيانو مودجي ضمن صفقة تبادلية.
وقد أوضح قائلًا "أراد يوفنتوس التوقيع مع مارسيو أموروزو وأودينيزي أرادوني كبديل. لم يكن (المدرب كارلو) أنشيلوتِّي يرغب في بيعي أن تركي أرحل على سبيل الإعارة، لكن المدراء فكروا بشكل مختلف وشعرت بقلة الثقة بي".
"رفضت الانتقال إلى أودينيزي وطلبت الذهاب إلى مكان آخر، فوافقوا".
ورغم التسجيل فقط 3 مرات في 16 مباراة، تم بيع هنري إلى أرسنال بربح بلغ 3.6 مليون يورو .. كان أرسين فينجر يعلم أن الصفقة استحقت ذلك المبلغ.
فقد كان مدرب الجنرز هو من منح ابن الـ17 عامًا هنري مباراته الأولى في الدوري الفرنسي خلال فترة عملهما معًا في موناكو، لذا لم يكن لديه أي شيء في امتلاك لاعبه السابق "كل إمكانيات المهاجم الصريح العصري".
بيد أن اللاعب نفسه لم يكن مقتنعًا. فبعدما توجس من طلب أنشيلوتِّي بتخطية كامل الرواق الأيسر في خطة 3-5-2، أراد هنري فقط اللعب كجناح هجومي مرة أخرى، مثلما فعل مع موناكو وفرنسا.
لكن اللاعب الذي فشل في هز الشباك في مبارياته السبعة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز قال "كان على منافسة لاعبين كدنيس بيركامب، نوانكو كانو ودافور شوكر".
"أردت فقط أن أظهر أنني كنت أعرف ما أفعل. كنت أحاول مراوغة الجميع، ثم حين كنت أصل إلى المرمى كنت أعجز تمامًا. لم أكن أنهِ أي شيء".
"في مرحلة معينة أردت الذهاب إلى فينجر لأطلب منه إعادتي للطرف. ثم قلت لنفسي أن علي أن أتفاعل، أنني لا يمكن أن أفشل مرة أخرى بعد عدة أشهر من تجربة سلبية في تورينو".
في النهاية، يمكن القول أنه لولا الفشل في يوفنتوس ربما ما كان هنري لينجح في أرسنال. وقد تطلب ذلك النجاح عودة وجيزة إلى إيطاليا لمساعدته على إحياء مسيرته في إنجلترا.
ففي الـ17 من نوفمبر 1999، سجل الغزال هدف الافتتاح لإياب مباراة المنتخب الفرنسي للشباب تحت 21 عامًا ضد نظيره الإيطالي. خسر الديوك بهدفين لهدف في تلك الليلة وبنتيجة 3-2 في مجموع المباراتين، لكن كانت تلك هي المرة الأولى منذ أيامه في موناكو التي يشعر فيها هنري بالسعادة من جديد.
وقد اعترف قائلًا "حين سجلت في تلك اللحظة أعدت اكتشاف بعض المشاعر، بعض الأحاسيس التي لم أشعر بها منذ وقت طويل".
عاد هنري إلى لندن كرجل وُلِدَ من جديد. ففي مباراته التالي في الدوري الممتاز ضد ديربي كاونتي على ملعب هايبري، استطاع أن يسجل هدفين وأصبح الباقي تاريخًا حرفيًا، فقد وصل الأمر به إلى أن أصبح الهداف التاريخي لأرسنال وأفضل لاعب في تاريخ الدوري الممتاز.
يمكن اعتبار بيع هنري هفوة فادحة من يوفنتوس، لكن الأمر كان أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه كمجرد حكم خاطئ على اللاعب.

Getty Imagesما لا شك فيه هو أن هنري كان بعيدًا عن مركزه في اليوفي، لكن يمكن للمرء أيضًا أن يتساءل عما إذا كانت إمكانيات وشخصية النجم الفرنسي لتظهر في السيري آ بنفس الجودة وبذات الفتك الذي كانا عليه في الدوري الممتاز.
صحيح أنه سجل في مرمى منافس إيطالي مع أرسنال، حين أحرز ذلك الهدف الذي ما زال عالقًا في الأذهان حتى الآن ضد الإنتر في 2003، لكن مدربه السابق في أكاديمية شباب موناكو كريستيانو داميانو أشار ذات مرة إلى أن هنري حصل على فرص أكثر في إنجلترا للاستفادة من سرعته الخاطفة.
فقد قال مساعد مدرب فولهام سابقًا في 2001 "هنا وجد المساحة التي كان يحتاجها والتي كانت تطلبها مهاراته، المساحة التي كانت ممنوعة عليه في إيطاليا".
"هنا، في مسافة الـ30 مترًا التي يسمحون له فيها بالحصول على الاستحواذ، يمكنه حرق منافسيه".
ذلك لم يحدث وربما ما كان ليحدث أبدًا في السيري آ، فهو نفسه اعترف بذلك بعد عدة أعوام من رحيله، قائلًا "في إيطاليا يعرفون كل شيء. أسلوب الكالتشو تقني وتكيتيكي على وجه التحديد".
"في إنجلترا من يركض أكثر يربح أكثر. الفرق ذات الرغبة الأكبر هي التي تفوز".
"دائمًا ما يلعبون بنفس الطريقة سواء على ملعبهم أو خارج ملعبهم. لكنهم لا يعرفون كيف يحافظون على النتيجة، لا يدافعون عنها ولا يعرفون كيف يفعلون ذلك".
"أسلوبي أقرب للكرة الإنجليزية لأنني فور حصولي على الكرة سرعان ما ابدأ الركض نحو المرمى، تمامًا مثلما كنت أفعل في صغري".
الأمر الآخر المثير للاهتمام هو أن فينجر سبق وأن اعترف أنه يرى عادة هنري "كصبي يبلغ ست سنوات"، مجرد ولد فقط أراد الجري والركض. لقد أدرك ذلك ولذا استطاع مساعدة هنري على النمو، محولًا رويدًا رويدًا ربيبه إلى مهاجم كامل.
لو كان يوفنتوس أظهر نفس الصبر، ربما كان يمكن للنادي الاستفادة من عبقرية واحد من المواهب الهجومية الأكثر إثارة في العصر الحديث.
لكن من الصعب أن نكون قاسيين على مارتشيلُّو ليبِّي أو أنشيلوتِّي، فالأول أراد استخدام هنري كمهاجم لكنه أقيل فقط بعد ثلاث مباريات من انضمامه، بينما الآخر لم يكن يرغب برحيله.
كوارث كورونا لا تنتهي .. نجوم سيتوقف تطورهم بسبب الفيروس المميت
ما زال أنشيلوتِّي يصنف فشله في إدراك أن هنري لم يكن جناحًا كواحد من أعظم الأخطاء في مسيرته التدريبية، لكن كيف يمكن له أن يعرف أن الفرنسي كان بوسعه اللعب كمهاجم صريح؟ حتى هنري نفسه لم يفكر بالأمر في ذلك الوقت، ولنكن أكثر دقة، فهو لم يرد التفكير في تلك الفرضية.
