Javier Tebas Turki Al SheikhGoal\GettyImage

حتى لا تتكرر تجربة ملقة.. كيف ينجو تركي آل الشيخ من الفشل في إسبانيا؟!

وضعية الأندية الكبيرة المملوكة لمستثمرين من دول تدعمها في قارة أوروبا مغرية لبعض رجال الأعمال الذين يسعون إلى الحصول على الدعاية الإيجابية من الرياضة، خاصةً مع النجاحات المادية التي تصحب هذه المغامرة.

تشيلسي، مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، ثلاثة نماذج واضحة إلى مشاريع رياضية كان الهدف الأول منها الأمور التسويقية، بالطبع هناك اختلافات بين كل تجربة والأخرى، لكن العامل المشترك هو وجود مستثمر يضخ الأموال بكثرة لصناعة هذا المجد، والنتيجة في الأغلب ما تكون إيجابية بطريقة أو بأخرى.

قد تكون هذه النجاحات هي ما دفعت صندوق الاستثمار السعودي لشراء فريق نيوكاسل يونايتد بالدوري الإنجليزي، وقد تكون هي الدافع لتواجد تركي آل الشيخ في إسبانيا للحصول على فريق ألميريا.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

والحقيقة أن هذه النماذج المبهرة رغم نجاحها إلا أنها لا تحتوي على القصة كلها، فهناك تجربة أخرى في الملاعب الإسبانية لا بد أن تدرس بعناية حتى يدرك محاسنها ومساوئها.

قصة شراء نادي ملقة وصعوده إلى القمة ومن ثم الهبوط كانت هي الأبرز، وربما تكون هي الكابوس الوحيد الذي قد يحضر لتركي آل الشيخ في الفترة المقبلة، خصوصًا مع صعود ألميريا للدوري الإسباني وعودته للأضواء.

والحقيقة أن الرجل السعودي قد أعطى بعض الانطباعات من قبل، التي من شأنها أن تعود بنا إلى نفس التجربة البائسة، فلا أحد يعلم إن كان قد قرأ آل الشيخ هذا الجزء من التاريخ، أم أهمله وانبهر بما قدم من الآخرين.

صعود ملقة التاريخي

كلف رئيس نادي ملقة، فرناندو سانز، بجلب مستثمر لشراء النادي في عام 2008 بعد أن عاد فريقه إلى الدوري الإسباني ومن ثم ظهرت بعض المشاكل المالية التي تتمثل في تراكم الديون.

وتقدم الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني لشراء الفريق بقيمة 36 مليون يورو في يونيو 2010، وبدا كما لو أن النادي قد فتح صفحة جديدة، حيث كان وجود المستثمر الجديد يعني أن الأموال باتت متاحة لتجديد فريق.

وقال آل ثاني عند شرائه النادي: "هدفنا هو مساعدة ملقة على اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز وجودها في الليجا وتعزيز الإثارة وآمال الجماهير".

وتضمنت الصفقة سداد ديون النادي حيث تردد أصداء الشعور بالتفاؤل حول وضعية ملقة في المستقبل، وتضمن الموسم الأول تدفق لاعبين جدد، ورؤية الوجوه القديمة تغادر ووصول مدرب كبير.

حيث تم تكليف جوسفالدو فيريرا ببداية الحقبة الجديدة في نادي ملقة، حيث وصل بعد فوزه بثلاثة ألقاب في الدوري على التوالي في بورتو، وجلب المهاجمين سالومون روندون وسيباستيان فرنانديز مقابل ما يزيد قليلاً عن 3 ملايين جنيه استرليني لكل منهما، بينما انضم الظهير الأيسر إليسيو من لاتسيو.

في المجموع، تم التوقيع مع تسعة لاعبين، مع إنفاق ما يقرب من 16 مليون جنيه استرليني، وفي تسع مباريات فقط من مشواره في الليجا، أُقيل فيريرا بعد خمس هزائم متتالية.

وربما كانت الأقدار في تلك اللحظة تلعب دورها الإيجابي مع ملقة ومالكه القطري الجديد، حيث كان قد أقيل المدرب مانويل بيليجريني من تولي مسؤولية ريال مدريد، وبات يبحث عن فرصة قوية تجعله يرجع إلى ساحة القمة من جديد، وبالطبع كانت البوابة عبر النادي الإسباني الذي يعاني.

وعلى الرغم من وجود ميزانية محدودة، فقد حصل على بعض الصفقات في نافذة الانتقالات في يناير 2011، حيث انتزع المدافع المخضرم مارتين ديميكيليس من بايرن ميونخ قبل جلب جوليو بابتيستا، إجناسيو كاماتشو وحارس المرمى ويلي كاباليرو.

وأنهى ملقة موسم 2010-2011 في المركز الحادي عشر، ولكن كان هناك شعور بأن هذه كانت البداية فقط، ومن بعدها بدا وأن القطري كان يجس النبض فقط في موسمه الأول.

ففي الموسم التالي، كان آل ثاني جادًا في ترسيخ وجود ملقة، حيث وصلت أغلى أربع صفقات في تاريخ النادي في صيف 2011، وكان سانتي كازورلا هو الأبرز، حيث انضم مقابل 20 مليون جنيه استرليني، بينما كان ضم جيريمي تولالان لاعب خط الوسط المتمرس لجلب الخبرة.

تبع ذلك تعاقدان آخران، حيث انتقل الظهير الأيسر ناتشو مونريال من فريق أوساسونا، وترك إيسكو رديف فالنسيا، ومن الوافدين البارزين الآخرين في ذلك الصيف، كان المهاجم السابق لمانشستر يونايتد وريال مدريد، رود فان نيستلروي، الذي كان يتطلع لإثبات أنه لا يزال لديه هدافًا في سن 35 عامًا.

إجمالاً، تعاقد ملقة مع تسعة لاعبين، بما في ذلك لاعب في صفقة انتقال مجانية، لكن هذه المرة تجاوز الإنفاق 53 مليون جنيه استرليني، حيث كانت تلك التعاقدات بمثابة تسجيل الحضور في عالم الرياضة وجذب الأنظار في إسبانيا لكن هذه المرة بعيدًا عن ريال مدريد وبرشلونة، هي نحو ملقة.

وبالفعل أنهى الفريق موسمه المحلي في المركز الرابع ليصعد إلى بطولة دوري أبطال أوروبا، فنحن الآن نتحدث عن نجاح رياضي واقتصادي مبهر في فترة قليلة.

وحتى في تواجدهم في أوروبا، استطاع ملقة أن يحصل على المركز الأول في دور المجموعات على الرغم من وجوده في المركز الرابع بالتصنيف، ليواجه بعدها بورتو في دور الـ 16، ومن ثم يقصي الفريق البرتغالي في رحلة استثنائية مدهشة، لكنه اصطدم ببوروسيا دورتموند، فريق يورجن كلوب الذي أقصى النادي الإسباني بطريقة درامية في آخر الدقائق.

وعلى الرغم من خروجهم، كان الأندلسيون فخورين بإنجازاتهم في أوروبا، حيث أطاحوا بمنافسين مرموقين على طول الطريق بتشكيلة أثبتت قدرتها.

وقتها كان ملقة يقدم عروضًا مميزة ببطولة الدوري، لكنها لم تكف للصعود للبطولة الأوروبية الأغلى، حيث أنهى الفريق الإسباني موسمه بالتواجد في المركز السادس.

السقوط المدوي للتجربة الاستثنائية

بالطبع كان التواجد في الدوري الأوروبي جيدًا، لكنه لا يضاهي الأموال المدفوعة التي ينفقها آل الثاني للاستثمار بالنادي.

حيث كانت رسوم الانتقال الباهظة والأجور المرتفعة لملقة تجعلهم يخسرون ماديًا، مع وجود ملعب صغير وفرص تجارية محدودة لا توفر الراحة، وفي مرحلة ما فشلوا في دفع رواتب لاعبيهم في الوقت المحدد.

ونتيجة لذلك، ووفقًا للوائح اللعب المالي النظيف الجديدة، أصبحوا أول فريق يتم حظره من مسابقات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وحُكم عليهم بغرامة قدرها 300 ألف يورو.

واقترن ذلك مع استمرار استياء المالك القطري من التوزيع غير المتكافئ لعوائد البث – من وجهة نظره مع الأندية الصغيرة - والذي يميل لصالح ريال مدريد وبرشلونة، وأعلن لاحقًا أنه سيحد من المبلغ الذي سيستثمره في النادي.

نتيجة لذلك، احتاج ملقة إلى بيع بعض لاعبيه المتميزين لتغطية نفقاتهم، حيث غادر كازورلا ومونريال إلى آرسنال، جنبًا إلى جنب مع روندون إلى روبين كازان مقابل 34 مليون جنيه استرليني، واستبدلوا بصفقات مجانية وصفقات تأتي بقروض.

وفي صيف 2013، توجه إيسكو إلى ريال مدريد، في حين تم بيع تولالان لنادي موناكو في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، وحقق الثنائي 31.5 مليون جنيه استرليني إلى خزائن النادي.

ضربة النهاية

بينما كانت التغييرات متكررة على أرض الملعب، كانت مماثلة أيضًا في خارجه، وذلك مع قيام آل الثاني بعقد شراكة مع سلسلة فنادق "BlueBay" حيث استحوذت على 49% من الأسهم القطرية مقابل يورو واحد، باستمرار آل الثاني في الفريق، لكن الشركة من تدير النادي.

وبعد عامين فقط من إبرام الصفقة، وفي أبريل 2014، أعلن المستثمر القطري التخلص من جميع موظفي سلسلة الفنادق من مقر ملقة، وأنشأ الرئيس بعد ذلك شركة أخرى لإدارة النادي، لكن المشاكل لم تنتهي عند هذا الحد.

حيث أطلقت شركة الفنادق دعوى مدنية في عام 2015، منعت آل ثاني من بيع النادي بينما كانت التحقيقات جارية، حتى أن القطري اتهم سلسلة الفنادق واثنين من مستشاريه السابقين بمحاولة الاحتيال عليه، لكن تم رفض هذا في ديسمبر 2017 باعتباره مجرد تكتيك للمماطلة.

بينما حُكم على آل ثاني بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ لكتابته "شيكات مرتجعة" بقيمة حوالي 170 ألف جنيه استرليني.

والحقيقة أن هذه الرحلة بنهايتها الدرامية لم تؤثر على ملقة بشكل كبير من حيث الوضع الرياضي لمدة معينة، حيث حاول الجميع في النادي تدارك الأزمة وبيع اللاعبين الكبار وتصعيد شباب الأكاديمية وتماسك الفريق لفترة إلى أن سقط في في موسم 17-18.

لكنها بالطبع لم تكن تجربة استثمارية ناجحة على الإطلاق، ولا حتى حققت مرادها من الدعاية، ولا يوجد بها أي شيء إيجابي.

لماذا قد يكرر تركي آل الشيخ نفس التجربة؟

في البداية نود أن نوضح أن تجربة ملقة فشلت بسبب الإنفاق الكبير على نادٍ صغير لن يغطي تكلفة تلك الأموال من خلال العوائد، فالدوري الإسباني له قوانينه المالية الصارمة غير العادلة مع فرق متوسط الجدول والهبوط.

حقوق البث لا توزع بالتساوي مثل إنجلترا، وبالتالي لا تملك الأندية كلها رفاهية إنفاق 100 مليون يورو في الموسم الواحد في سوق الانتقالات.

أما عن فريق ألميريا، فالمستثمر السعودي كان له سابقة لم تكن جيدة عند استحواذه على ملكية النادي، حيث أشارت بعض التقارير الصحفية إلى طلبه بوجود عقد رعاية سعودي ضخم للنادي، لكن تم رفضه.

وجاء هذا الرفض بسبب القيمة المالية المرتفعة للغاية حول نادي يشارك فقط في دوري الدرجة الثانية بإسبانيا.

الآن، لم تخرج أي بوادر من تركي آل الشيخ تشير إلى صناعة نفس المحاولة من جديد، بل بالعكس كل المؤشرات إيجابية واحترافية لأقصى درجة.

لكن ماذا لو فشل ألميريا في بداية الدوري بشكل ممتاز؟ ماذا لو هبط الفريق في موسمه الأول للدرجة الثانية من جديد؟ هل سيتعامل آل الشيخ بنفس الاحترافية الحالية؟ أم سيحاول إيجاد وسيلة لصرف الأموال أو التخلي عن التجربة برمتها؟

لا توجد حقيقة مؤكدة، لكن إسبانيا ليست المكان الأفضل لما فعله آل الثاني، وعلى آل الشيخ دراسة قصة زميله السابق لكي يكون ألميريا أحد النماذج الاحترافية مثل مانشستر سيتي وغيره.

التريث هو المفتاح، النجاح السريع قد يكون مبهر، وملقة حققت ذلك، لكن السقوط المدوي كان بشع للغاية، ومن شأنه أن يضر بصورة التجربة الاستثمارية السعودية ومكانة آل الشيخ العالمية.

إعلان