إذا تخلى عنك الحظ طارده في كل مكان، لاتستسلم وقاتل من أجل أن يصبح صديقك ... هكذا كان يقول فيتوريو بوتزو مدرب منتخب إيطاليا ... فبعد أن عاش بداية تدريبية سيئة، أصبح الآن هو سيد العالم بفوز منتخب إيطاليا بكأس العالم 1934 كما سردنا في الحلقةات السابقة.
سوف نسرد ماحدث في مونديال 1938 من كواليس قبل وأثناء البطولة في هذا التقرير الشامل.
قصة مونديال انتصار الفاشية 1938
GettyImages
يوم 13 أغسطس 1936 عقد جول ريمي رئيس الاتحاد الدولي اجتماعًا في برلين لتحديد منظم البطولة، وتم التصويت على فرنسا وهذا أغضب دول أمريكا الجنوبية، لأنها اعتقدت أنه سيحدث تناوب بين القارة اللاتينية وأوروبا في التنظيم، وقررت أوروجواي والأرجنتين الانسحاب من البطولة. اعتصر الحزن قلب ريميه، وازداد عندما أعلنت إسبانيا انسحابها من التصفيات بسبب اندلاع الحرب الأهلية.
تم التأكيد في الاجتماع على أن تتأهل فرنسا كمنظم وإيطاليا كحامل للقب بشكل تلقائي، وتم استمرار هذا النظام حتى تم الغاء تأهل حامل اللقب مباشرة في كأس العالم 2006، نظرًا لضعف حامل اللقب بشدة لعدم خوضه مباريات رسمية طوال تلك الفترة بخلاف المسابقات القارية.
كما تم اعتماد مشاركة 16 منتخبًا .. إيطاليا، فرنسا و11 منتخبًا من أوروبا، ومنتخبين من الأمريكتين، ومنتخب من آسيا ... وتأهلت كوبا، البرازيل وجزر الهند الشرقية من خارج القارة العجوز. فيما لم تشارك النمسا في المونديال رغم تأهلها لأنها اتحدت مع ألمانيا إبان فترة الزعيم النازي أدولف هتلر، ورفض نجوم النمسا المشاركة مع منتخب ألمانيا لأنهم شعروا بأن ألمانيا احتلت أراضيهم.
أبهرت فرنسا العالم باختيار عشرة ملاعب لتنظيم الحدث الكروي الأهم في العالم، والذي ضم 13 حكمًا لم يكن بينهم أي حكم لاتيني. انطلقت البطولة في الخامس من يونيو 1938 وسط أجواء سياسية ملبدة بالغيوم، حيث بات الجميع يخشى من حدوث حرب عالمية ثانية بسبب فاشية بينيتو موسوليني في إيطاليا ونازية هتلر.
قد تم الإبقاء على نظام خروج المغلوب منذ المرحلة الأولى، وكانت تحسم المباريات في التعادل بعد 90 دقيقة بـ30 دقيقة من الوقت الاضافي، وفي حال ولم يفز أي فريق كان يتم إعادة اللقاء. وكانت هذه البطولة هي آخر بطولة تستعمل نظام خروج المغلوب في الدور الأول، وربما كانت هذه البطولة التي تغير بعدها الكثير من أنظمة المونديال.
تأهلت السويد مباشرة لربع نهائي المونديال لانسحاب النمسا كما ذكرنا سابقاً، وكانت القرعة قد أوقعت السويد ضد النمسا في دور 16. أما إيطاليا بطلة العالم والمرشح الأبرز بمنتخب أقوى من نسخة 1934 مع نفس المدرب فيتوريو بوتزو، فقد تأهلت لربع نهائي المسابقة بالفوز على النرويج (2-1)، لتنتظر فرنسا مستضيفة البطولة في ربع النهائي بعد فوز الأخيرة على بلجيكا (3-1).
البرازيل هزمت بولندا (6-5) في واحدة من أجمل المباريات، وهذه المواجهة ظهر فيها الساحر ليونيداس الذي أبهر العالم وقتها بهاتريك رائع، تأهلت به بلاده لربع النهائي وواجهت تشيكوسلوفاكيا القوية جداً، والتي هزمت هولندا بثلاثية.
الجميع شجع سويسرا ضد ألمانيا نكايةً في هتلر، الذي أعلن للعالم في أولمبياد برلين 1936 قبل المونديال بعامين أن ألمانيا ستكتسح العالم حتى رياضياً. والنتيجة كانت أن اكتسحت سويسرا بلاد النازية آنذاك بنتيجة 4-1، غير أنه لم يكن أكبر فوز في ذلك الدور، حيث تسلت المجر بجزر الهدف بسداسية نظيفة.
تأهلت السويد لمواجهة مفاجأة البطولة منتخب كوبا الذي أقصى رومانيا. أما إيطاليا فهزمت فرنسا (3-1) بسهولة على الرغم من أن فرنسا نالت تشجيعًا كبيرًا وقتها على ملعب أولمبيك بباريس، لتتأهل لنصف نهائي المسابقة بانتظار الفائز من البرازيل وتشيكوسلوفاكيا.
واجهت التشيك البرازيل، وبالفعل كانت مباراة صعبة وانتهت بالتعادل (1-1)، وتم إعادة المباراة بعدها بيومين ففازت البرازيل (2-1) وتأهلت لمواجهة إيطاليا في اللقاء الحلم. أما المجر، فهزمت سويسرا بسهولة بثناية، لتصعد لمواجهة السويد التي هزمت مفاجأة البطولة كوبا (8-0) في نتيجة مذهلة وقتها.
كانت المجر وقتها تمتلك فريقاً مرعباً للغاية سحق السويد (5-1) في نصف نهائي البطولة، وتأهلت لنهائي المونديال الذي رشحتها الصحافة الفرنسية للفوز به. بينما انتظر الجميع مواجهة إيطاليا أقوى منتخب في العالم حينها، بقيادة أسطورة لاتسيو والهداف التاريخي للدوري الإيطالي سيلفيو بيولا، رفقة جوزيبي مياتزا أفضل لاعب في صفوف الأزوري آنذاك، ضد منتخب البرازيل أمتع منتخب في البطولة.
في تلك المواجهة، ارتكب مدرب البرازيل خطيئة كبرى بسبب غروره وأراح ليونيداس نجم المنتخب، ظناً منه أن الفريق سيتأهل للنهائي، لتصعق إيطاليا منتخب السيليساو وتنتصر في مارسيليا بهدفين مقابل هدف، وتأهلت لنهائي كأس العالم ضد المجر.
أقيمت لأول مرة مباراة لتحديد صاحبي المركزين الثالث والرابع ... وهزمت البرازيل السويد (4-2)، لكن وسط أحزان من البرازيليين لأنهم شعروا بأن البطولة كان ينبغي أن تصبح من نصيبهم.
GettyImages
المنتخبان شاركا في النهائي بنفس طريقة اللعب (4-3-3)، والمجر كانت تمتلك مثلث خارق في الهجوم بقيادة تيتكوشي وشارش وشاروشي، وراهنت الصحافة الفرنسية عليهم لأن الأوروبيون كانوا يرفضون فاشية موسوليني وقتها. أقيم النهائي في باريس، وتقدمت إيطاليا سريعاً عن طريق كولاسي في الدقيقة السادسة، غير أن المجر تعادلت على الفور بعدها بدقيقتين عن طريق الخارق تيتكوشي.
فجأة غيرت إيطاليا استراتيجيتها ودشنت هجوم كبير وتفوقت بهدف لبيولا، ثم عاود كولاسي التسجيل لينتهي الشوط الأول بنتيجة (3-1). ضغطت المجر في الشوط الثاني بقوة لكن مدافعي منتخب إيطاليا قاوموا بشراسة .. سجلت المجر أخيراً هدفاً ثانياً في الدقيقة 70 عن طريق الهداف شاروشي، وتوقع الجميع أن تتعادل المجر ولكن بيولا نجح بمهارته الاستثنائية في تسجيل هدفاً رابع ... إيطاليا تنتصر (4-2) ... إيطاليا بطلة العالم.
مياتزا يرفع كأس العالم ... إيطاليا أول منتخب يحقق اللقب مرتين على التوالي .. إيطاليا تهيمن على العالم في بطولة شهدت 18 مباراة و84 هدفًا.
العالم يعيش أحلاماً كرويةً جميلة جداً .. ريميه يشعر بأن كأس العالم بات حلماً للجميع، وفجأة تنقلب الحياة في العالم لجحيم ويتحول الحلم لكابوس وهذا ما سنستعرضه في الحلقة المقبلة.
.jpg?auto=webp&format=pjpg&width=640&quality=60)
.jpg?auto=webp&format=pjpg&width=640&quality=60)