في عالم كرة القدم، ثمة أحداث قد تُغير مسار التاريخ، ولعل قصة هامبورج ويورجن كلوب هي من يجوز القول عليها أنها حوّلت مسارين، الأول هو مسار النادي الذي يحلم فقط باللعب مرة أخرى في الدوري الألماني، والثاني هو مسار المدرب، الي بات أحد أفضل وأهم المدربين في تاريخ الساحرة المستديرة.
قبل أسبوع واحد احتفل كلوب بالإنجاز الأكبر في مسيرته المهنية بقيادة ليفربول نحو التتويج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ 30 عامًا وبعد سنة من التتويج بدوري أبطال أوروبا، وفي نفس الوقت، فقد هامبورج فرصة العودة للبوندسليجا بعد هزيمة مذلة في الجولة الأخيرة في ملعبه على يد زاندهاوزن بخمسة أهداف مقابل هدف.
"مع كلوب، كانت الأمور لتتغير كثيرًا"
Getty Imagesعام 2008، كان هامبورج يبحث عن مدرب جديد لخلافة الهولندي المخضرم هوب ستيفنز، والذي أعلن في نوفمبر أنه سيغادر في نهاية الموسم لأسباب خاصة، وهُنا بدأت إدارة نادي الشمال في وضع ترشيحات، واستقرت على عدد من الأسماء بدأت عملية المفاضلة بينهم على أساس تقارير من كشافة النادي.




هذه الأسماء كانت "برونو لاباديا (مدرب جروتور فورت)، كريستيان جروس (مدرب بازل السويسري) ، فريد روتن (أيندهوفين) ، يورجن كلوب (ماينتس) ، مارتن يول" وحينها كان كلوب يحظى باحترام شديد مع لعمله المميز مع ماينتس رغم هبوطه في موسمه الأخير إلى الدرجة الثانية، غير أنه كان يُعد أحد أهم المدربين الشباب في ألمانيا بذلك التوقيت.
اقترح بيرند هوفمان، رئيس هامبورج في ذلك الوقت، على إدارته التعاقد مع كلوب، وسافر رفقة ديتمار بيرسدورفر (المدير الرياضي) وكاتيا كراوس (مدير التسويق) إلى ماينتس للقاء المدرب في منزله، وفي حين أن هوفماه وكراوس أُعجِبا بشدة بالفيلسوف الشاب، تردد كثيرًا بيرسدورفر، الذي وجّه سؤالًا غريبًا لكلوب حينها "كيف يمكن أن تكون مدربًا لفريق تقليدي مثل هامبورج وأنت تلقب بكلوبو"؟ فأجاب "أليس يُطلق عليك ديدي؟".
في حين أن هوفمان وكراوس أرادا كلوب، بيرسدورفر لم يتمكن من اتخاذ القرار بصورة نهائية، ومن أجل رؤية أفضل أرسل كشاف لمتابعة المدرب عن قرب في التدريبات، وهو ما لم يُعجب كلوب الذي قال في تصريحات سابقة "فوجئت بالنظرة التي نُظرت إليّ، لا يمكنك تقييمي من خلال كشاف، إنهم هواة".
يقول هوفمان "لو وقعنا مع كلوب في هذه الفترة، ربما لم نكن لنلعب في نهائي دوري أبطال أوروبا، لكن من المحتمل أن يكون النادي مختلفًا تمامًا عمّا هو عليه اليوم".
يرتدي بنطالًا بفتحات ويدخن السجائر.. لا يمكنه تدريب نادي عملاق مثل هامبورج!
Imago Images / Martin Hoffmannأتى تقرير كشاف هامبورج للمدير الرياضي بيرسدورفر حول كلوب بأن المدرب "يرتدي البنطال الجينز مع فتحات، يُدخن السجائر، لا يحلق ذقنه بصورة دورية، يصل متأخرًا إلى التدريبات" ما كان كفيلًا بأن يُقنع مجلس إدارة النادي العملاق بالتراجع عن فكرة التعاقد مع كلوب.
يقول هوفمان "فكرة البنطال الجينز بفتحات لم نتقبلها بصورة جيدة داخل مجلسنا، وأعطى لنا إشارة واضحة أن التعاقد مع كلوب ليس الاختيار الأفضل في هذا الوقت".
"لا تتصلوا بي مجددًا" وما أجمل الحظ!
Getty Imagesعندما بلغ كلوب نبأ رفضه من هامبورج لهذه الأسباب، غضب غضبًا عارمًا واعترف في حديث صحفي بعد نجاحاته في دورتموند "للأسف، أمر التدخين كان صحيحًا، لكن بقية الأشياء لم تكن كذلك! لقد آذاني كثيرًا هذا الحديث حينها، لم أكن سيئًا في مواعيدي كما قيل، وما هو آخر شيء؟ أنني لطيف مع الصحافة! ثم لقب كلوبو".
"لا أجد استعمال لقب كلوبو غير محترم!، عندما بدأت في ماينتس كمدرب كان اللاعبون زملائي في الفريق وتحولت إلى مدربهم في اليوم التالي، هل يجب أن ينادوني بالسيد كلوب؟" لكن بالنسبة لهامبورج، كان الأمر بمثابة التقليل منه ولا يجعله قادرًا على العمل في نادٍ جماهيري بحجمهم.
بعد ذلك أجرى كلوب مكالمة هاتفية ساخنة مع إدارة هامبورج قال فيها "فقط في حالة أن الرغبة في التعاقد معي موجودة، أود أن أقول مستحيل! لن أفعل ذلك، لا تتصلوا بي أبدًا مرة أخرى. أنا مدرب كرة قدم، وإذا كانت أمور كتلك تغضبكم فإنكم لستم المسؤولون الصحيحون للتعامل معهم، لا يمكننا العمل سويًا".
بعد مرور عام، تمت إقالة بيرسدورفر من هامبورج ثم عمل كرئيس تنفيذي للنادي وفشل مجددًا، وقد اعترف في وقت لاحق أنه "أساء تقدير كلوب"، وكلوب نفسه قال عن ذلك بابتسامة "أحيانًا يجب أن تكون محظوظًا في الحياة".
رحل كلوب لتدريب بوروسيا دورتموند، النادي الذي وثق فيه تمامًا وكما قال سفِن ميسلنتات، رئيس الكشافة وأحد أهم الرجال في تاريخ النادي الفيستيفالي "وثقنا في كلوب وجددنا له عقده بعد عامين رغم أننا لم نحقق بطولات، لكن الثقة كانت كبيرة فقط".
في الوقت نفسه، عيّن هامبورج مارتن يول مدربًا رغم أن فريد روتن كان أكثر من أتت بشأنه تقارير إيجابية - تولى تدريب شالكه بعدها وفشل فشلًا ذريعًا -، وكان تعيين المدرب الهولندي بمثابة بداية النهاية لهامبورج، فبدأ مع هذه الخطوة الدخول في عالم المنافسة على الهبوط إلى أن هبط بالفعل في موسم 2017-2018 للمرة الأولى في تاريخه.
بينما على النقيض، كان كلوب حقًا "محظوظًا"، ذهب إلى فريق آمن به، ليقوده بعد سنوات لتحقيق الدوري الألماني في مناسبتين، ثم الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وبعدها ينتقل إلى ليفربول ويُعيد الكرة، بينما غرق هامبورج في بحر الفشل الإداري إلى أن ذهبت قيمته وبات حبيسًا للدرجة الأدنى.
