Emiliano SalaGetty/Goal

بعد الوداع.. رسالة إيميليانو سالا التي لم يكتبها


يوسف حمدي    فيسبوك      تويتر


طائرة إلى كارديف، وسأبدأ في تحقيق أحلامي في أرض جديدة، التحديات الجديدة تبدو صعبة، ولكنها على ما يبدو أصعب مما تخيلت، الدوري الإنجليزي الممتاز ليس أصعب ما يمكن أن تواجهه، رحلة من نانت إلى كارديف ليست أقصر من رحلة الحياة، والخسارة في الدقيقة الأخيرة ليس أسوأ حدث عايشته، واللعب خارج قواعدنا لم يكن مخيفًا كما كنت أظن، على ما يبدو كل شيء تعلمته كان خاطئًا.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

المسافة بين السماء والأرض تبدو بعيدة، فقط عندما تقف وتنظر لأعلى، حين تتخيل السماء سقفًا لأحلامك التي لا نهاية لها، في تلك اللحظة يبدو كل شيء بعيدًا، نهاية مسيرتي، لحظة الاعتزال، كل ما يحتوي كلمة نهاية، تظن لوهلة أن النهاية من الممكن ألا تأتي أصلًا، وأن هذه اللحظات ستستمر إلى الأبد، لحظة أخرى، تتصارع الحناجر على الهتاف باسمك، هي تلك اللحظة التي تلامس فيها السماء نفسها، التي وقفت تنظر إليها قبل دقائق أملًا في معانقة الأحلام، هنا الأحلان نفسها تهبط لتعناقك، تصور لك أنك أضحيت أهم شخص على الكوكب، وأن مرورك في هذا المكان في هذه اللحظة تسبب في تغيير انتظره الجميع، وتخيل أن يكون وراءها أنت فقط.

صاحب الرأس الذهبية، والقدم الذهبية، الخارق، الهداف الأكبر، الإعجازي، الأسطوري، ألقاب لا تعلم هل تستحقها أم لا، ولكنك لا تفكر في كل هذا حين تسمعها، فقط تستمتع بنشوة وقوعها على مسامعك، الجميع يحب هذا، منذ أن كنت طفلًا كنت أنتظر تصفيق أبي وأمي على كل تصرف يحبونه، في المدرسة أيضًا، تصفيق زملائي وأستاذي الذي أشاد بذكائي يومًا، حتى الفتاة التي أحببتها، كنت أنتظر منها كلماتها التي تصفني بها كأعظم رجل في العالم، وعلى الرغم من يقيني في تلك اللحظة أنني لست هذا التي تتحدث عنها، ولكنني أحببت ذلك تمامًا كما أحببت ألقاب الرأس الذهبية والهداف الخارق وتصفيق والدي وزملاء المدرسة.

على سبيل الإعارة، هكذا لعبت في 4 أندية فرنسية قبل الاستقرار في نانت، كنت أظن أن رحلة الإعارة هذه ستكون أقصر شيء أعايشه، أن أحط الرحال في أحد الأندية لمدة 6 أشهر أو سنة على الأكثر، ومن ثم أنهي رحلتي هناك وأعود لفريقي الأصلي، الذي بدوره سيرسيلني إلى مكان آخر في إعارة أخرى، في لحظة ما خشيت أن تكون حياتي هي حاصل جمع كل هذه الرحلات القصيرة، تخيلت لوهلة أنني سأحيا على سبيل الإعارة فقط.

أتذكر يومًا أخبرت فيه والدي أنني أحبه، وعلى الرغم من أنني أخبرته بذلك كثيرًا، إلا أنني أتذكر هذا اليوم بالتحديد، ذلك لأنه في واقع الأمر لم تكن رسالتي له بريئة، بل كانت سبيلًا لأطلب منه السماح بالسفر وحدي، قرأت عن قصص الرحالة الذين يدورون حول العالم، وحلمت أن أصبح أحدهم كجميع الأطفال في سني، حينها أخبرني أبي أنه يبادلني نفس الحب، ووعدني بالسفر مستقبلًا، لم أكن أدري لماذا يخشى عليّ من السفر وحيدًا، هل يستدعي الأمر كل هذا الخوف؟

لحظة واحدة، انتهى فيها كل شيء، تلك التي فكرت فيها في ماهية كل ما لم أفكر فيه سلفًا، ماذا لو كنت خارقًا بالفعل لأستطيع إنقاذ نفسي، هل كانت حقًا المسافة بين السماء والأرض بعيدة كما ظننت، أيًا كانت فهي لم تكن مثالية لتمثل الأحلام، من الممكن أن تكتب نهايتها فقط، أبي كان محقًا لأنه كان يخشى عليّ من السفر وحدي صغيرًا، ليته ظل خائفًا منه حتى الآن.

في لحظاتي الأخيرة على متن الطائرة أخبرت أبي أنني متعب، كوني قضيت ليلتي الأخيرة في نانت ألملم جميع أغراضي، أنتظر فقط الوصول إلى كارديف من أجل الراحة قليلًا، قبل الانضمام إلى التدريبات ظهرًا، ذلك بالطبع لأنه لا وقت للراحة، كانت هذه كذبة أخرى، فالراحة هي الشيء الوحيد الذي أضحة له وقتًا الآن.

ظني الآخر كان صحيحًا، الحياة كلها عبارة عن رحلة قصيرة، أقصر حتى من أن تكون على سبيل الإعارة، في لحظة وصول عرض كارديف شعرت وأنني أسعد رجل في العالم، كان أبي كذلك وكلبي الصغير، الأول سيظل يبكي والثاني سيظل منتظرًا عودتي وراء الباب، وكلاهما سيظل كذلك للأبد.

رسالة إلى بيب جوارديولا.. حتى لا يضحك عليك التاريخ مرة أخرى

نهاية لكل ذلك أنا الآن في عالم آخر، ويا للقدر الذي جعلني أشهر رجل في عالمكم بعدما تركته، لم يعبأ أحد بأخباري وأنا بينكم، وربما لم يكن أغلبكم يعلم أن هناك لاعبًا يدعى إيميليانو سالا، هتافاتكم التي احتجتها في الملعب أحتاجها أكثر الآن، واستمرارها في كل أسبوع سيجعلني أرقد في سلام، اليوم أخبر والدي أنني أحبه، دون أن أريد شيئًا آخر، وأخبر أحلامي أنها انتهت في لحظة ميلادها، الكرة التي خلقت أحلامي ستدور وحدها، لن يلعب بها حتى كلبي الصغير الذي سينتظر عودتي، سينتظرني للأبد لأنه لن يجد من يخبره بأنني لن أعود أبدًا، كل شيء تعلمته كان خاطئًا إلا أن رحلة الحياة أقصر من أي رحلة أخرى، وأن الأحلام تكتب نهايتها أحيانًا قبل أن تبدأ.

إعلان