كتبت مقالًا قبل 6 سنوات تقريبًا، حظي بشعبية هائلة بين القراء، عن الاتهامات والانتقادات الموجهة لمنتخب قطر بشأن التجنيس، وقد دافعت عن وجهة النظر القطرية آنذاك وتوقعت أن تسير عدة منتخبات عربية على نهجه، وقد حدث بالفعل، وقوائم بعض المنتخبات العربية لخوض غمار النسخة القادمة من كأس العرب خير دليل على ذلك.
"قطر منتخب المجنسين" .. كفاكم عبثًا وجهلًا
مع هذا، فمازالت خطوة التنجيس بعيدة تمامًا عن المنتخب السعودي، ومازال النفور هو عنوان الشعور العام لدى المسؤولين عن كرة القدم السعودية تجاهه، ذلك رغم أن المملكة بدأت تمنح الجنسية السعودية للمبدعين في شتى المجالات، ورغم أن أمر التجنيس لم يعد جدليًا مثلما كان قبل عدة سنوات.
إن عدنا للمنتخب القطري، نجد أنه تبنى مشروع البحث عن المواهب ومنحها الجنسية للاستفادة منها في المنتخب، وقد نجح مشروعه تمامًا بحصول العنابي على كأس آسيا في آخر نسختين، وضمان التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، وهذا لابد أن يكون مشجعًا للسعودية لخوض تلك التجربة مع التعديلات المناسبة للبيئة والثقافة السعودية.
نفور المسؤولين في كرة القدم السعودية من التجنيس في 2025 لم يعد مبررًا بصراحة، خاصة مع الثورة التي طالت الدوري المحلي مؤخرًا وقدوم العديد من الأجانب للملاعب السعودية، تلك فرصة عظيمة للاستفادة من بعض أولئك اللاعبين بعد متابعتهم في أرض السعودية وتقييمهم واختيار الأفضل منهم.
السعودية لا ينقصها أي إغراء ممكن لإقناع اللاعب باقتناء الجنسية واللعب للأخضر، لا المال ولا جودة الحياة ولا أي شيء آخر، بل تمتلك المملكة مميزات عديدة عن جيرانها من الدول الخليجية تسمح لها بتجنيس أفضل اللاعبين والاستفادة منهم لصالح المنتخب السعودي، والذي يُعد إحدى القوى الناعمة للبلاد.
والسؤال الأهم الآن، لماذا هذا النفور؟ تصريح المدرب هيرفي رينارد الأخير، قبل مواجهة إندونيسيا، عن أن المجنسين يُضعفون روح المنتخب وحماسه لا أساس له من الصحة بصراحة! فنحن نرى عديد المنتخبات تلعب بالمجنسين وتؤدي بروح قتالية وحماس هائل، وأيضًا نرى عديد النجوم في مختلف منتخبات العالم يبذلون قصارى جهدهم لصالح القميص الوطني رغم أنه لا يُمثل أوطانهم الحقيقية.
ألا ترون لامين يامال في إسبانيا؟ لاعب مغربي هو الآن نجم المنتخب الأفضل في العالم، هل ترونه يلعب بلا مبالاة لأنه لا يلعب لمنتخب بلاده الأصلي؟ هل ترونه يبخل على القميص الإسباني بأي جهد أو عرق؟ هذا كلام بعيد عن أرض الواقع يجب نسيانه تمامًا والتركيز ومنح الأولوية لصالح المنتخب الذي هو من صالح المملكة والشعب السعودي وحالته المزاجية والنفسية والمعنوية.
قديمًا، هاجموا قطر وعابوا عليها تكوين المنتخب من مجموعة من المجنسين، لكننا نرى جميعًا أفراح الشعب القطري بالانتصارات البارزة للعنابي، دون أن يتحدث أحد من أولئك المحتفلين عن جنسية هذا أو ذاك الأصلية، بل الكل يحتفل بإنجاز المنتخب الوطني! ونرى أولئك اللاعبين المجنسين يلعبون بانتماء ربما يفوق أحيانًا انتماء اللاعبين الأصليين إن جاز التعبير.
إن ابتعدنا عن الخليج والعرب، نرى الشيء الذي ربما لم يستطع أحد تخيله في السابق، وهو غزو الأجانب والمجنسين لمنتخبات ظلت تتباهي بدمائها النقية واختلافها عن مختلف دول العالم، دول مثل السويد والدنمارك والنرويج وسويسرا، دول كانت ترفض تمامًا أصحاب البشرة السمراء والمنتمين لأعراق مختلفة، لكن ماذا يحدث الآن؟ نرى ألكسندر إيزاك يقود هجوم السويد وسويسرا لديها كتيبة من "السُمر" على رأسهم إيمبولو وأكانجي.
تلك الدول التي كانت ترفض تمامًا اختلاط الأعراق بل وتحرمه أيقنت أن الاستفادة من أولئك الوافدين للبلاد المستفيدين من خيراتها لابد أن يحدث، ودعني أصدمك بمعلومة أن منتخب سويسرا لعب مونديال 2018 بـ8 لاعبين فقط سويسريين والبقية كانوا من أصول مختلفة .. وهذا الأمر لا يعيب المنتخب أبدًا والأكيد أنه إن كان كذلك قبل عقود فهو كذلك الآن.
المنتخب السعودي يستحق أن يكون الأقوى في الخليج وآسيا، ما لدى المملكة من إمكانيات وقدرات وطموحات يستوجب التوجه نحو دعم الأخضر بعدد من اللاعبين المجنسين القادرين على إنعاش حظوظه، خاصة مع شح المواهب الذي تشهده كرة القدم السعودية مؤخرًا ومع سطوة الأجانب على الدوري وعدم وجود فرص للاعبين المحليين مما يُضعف من عملية تطورهم وتحسنهم.
الدوري السعودي يضم حاليًا عددًا من اللاعبين المتاحين للتجنسين، وهم قادرين على تقديم إضافة قوية للأخضر، كما أن هناك عشرات اللاعبين في الخارج الذين يحلمون بتلك الفرصة، ليس فقط لمجرد المال بل لأن الحياة في السعودية أصبح حلمًا للجميع، فما بالك بحمل جنسيتها واللعب لمنتخبها والمساهمة في إسعاد شعبها!
هو نداء للمسؤولين عن كرة القدم السعودية ومن فوقهم بالالتفات لهذا الملف والنظر له من زاوية مختلفة، لأن الأمر لم يعد "عيبًا" أو مدعاة للخجل، فقد أضحى أمرًا طبيعيًا تمامًا ومقبولًا جدًا لدى الجميع، وكلما نتقدم في السنوات كلما اختفت تلك الأصوات المعارضة له، لذا السعودية مطالبة بعدم إهدار المزيد من الوقت والمضي قدمًا في هذا المشروع.
