مسألة المنتخب الأرجنتيني تملك الكثير من الأبعاد، بين عيوب خط الدفاع وسوء اختيارات المدربين، وبين الاتكالية المبالغ بها على وجود ليونيل ميسي، وبين اتهام ميسي نفسه بتباين مستواه بين الأرجنتين وبرشلونة وهو ما أطلق مصطلح التخاذل الذي نتلاعب به اليوم.
بمعجزة ما، وبعد بداية مأساوية لدور المجموعات بالخسارة أمام كولومبيا 2-0 والتعادل مع باراجواي 1-1، فاز الألبيسيلستي على قطر بهدفين دون رد، لم تكن مباراة سهلة ولكننا شاهدنا فيها ما يبدو كمنتخب يحاول فعل شيء ما، عوضاً عن هراء المباراتين السابقتين.
في الدور التالي ربع النهائي ضد فنزويلا، وهو نفس المنتخب الذي خسر أمامه الأرجنتين ودية عودة ميسي في مارس الماضي، وهو أيضاً من أغلق شباكه أمام البرازيل في دور المجموعات بمعاونة صادقة من تقنية الفيديو، تألق المنتخب الأرجنتيني وحكم المباراة تماماً وفاز بهدفين دون رد عن جدارة واستحقاق.
أين ميسي من كل ذلك؟ فقط سجل هدف التعادل ضد باراجواي من ركلة جزاء، أمر غير معتاد على الإطلاق، هذا اللاعب هو من يحمل هذا المنتخب إلى أعلى المراحل الممكنة في كل مرة، فهل جاء دورهم ليحملوه؟
مباراة كولومبيا تحديداً تحمل إجابة مختلفة.. فقد كانت طريقة اللعب وتحركات اللاعبين لا تقتل ميسي وحده بل تقتل المنتخب بجميع مشاهديه، لمّ يدفع أحدهم تذكرة ويجلس في المدرجات ليشاهد ميسي بينما يمكنه مشاهدته من أرض الملعب مباشرةً دون حراك؟
سلوك اللاعبين في المحاولات الهجومية على وجه التحديد كان بائساً ومزعجاً للغاية، فترسب منتخب كولومبيا في العمق حول ميسي يعني بداهةً أن هناك مساحة على الأطراف، لكن أحداً لم يفكر باستغلالها، يمكن باختصار القول أن المدرب والزملاء لم يستوعبوا حقيقة امتلاكهم لكنز قابل للاستثمار بالكرة أو بدونها، ولكن حين بدأت تلك الفكرة تلقى قناعة ليونيل سكالوني ورجاله، كان الفريق على وشك الخروج بالفعل.
كان هذا الجزء الذي لا يملك ليو حله، فماذا عما يملكه؟ علينا الاعتراف بأن ميسي ليس في أفضل أحواله بالآونة الأخيرة، أمر يمكن إلقاءه على الكثير من الأشياء، تقدم العمر، الإرهاق البدني، الضغط المعتاد لتحقيق لقب مع الأرجنتين والذي يصاحبه في كل محفل دولي، أو حتى يمكن افتراض أنه بعد مباراة كولومبيا قرر طواعيةً أن يدخر بعض الجهد.
بعض الأمور واضحة، معدل تسديد ميسي وصناعته للتمريرات المفتاحية بل وحتى المراوغات في المباراة الواحدة، أقل من نظيريه في الليجا وكأس العالم 2018، نعم منتخب مونديال روسيا كان سيئاً، ولكن ميسي كان أفضل من ذلك.
إذا كان ليو يعيش هبوطاً مؤقتاً أو تقدماً عمرياً أو حال إرهاق أو قرار طوعي بادخار المجهود، فإن تلك هي اللحظة الأمثل لكسر كل ذلك دفعة واحدة، لا يوجد لحظة أهم من تلك، لا يوجد وقت تحتاج فيه أمة الأرجنتين لمنقذ أكثر من تلك اللحظة الحالية، مواجهة ضد البرازيل في الماراكانا بعقر ديار الغريم، نتيجة ستُكتب في التاريخ أياً كان البطل في نهاية المطاف.
من جديد.. 180 دقيقة تفصل ليونيل عن حلم بلاد بأكملها، اللقب رقم 15 في كوبا أمريكا للعودة إلى الصدارة بالتساوي مع أوروجواي، ولكن قبل التفكير في من سيتأهل بين بيرو وتشيلسي، وقبل التفكير في مأساة احتمالية الوصول مع تشيلي لركلات ترجيح ثالثة على التوالي وخسارتها، على الجميع النظر إلى مباراة فجر اليوم جيداً، فالبرازيل وإن كانت ليست في أقوى أحوالها، إلا ان الأمر يتطلب كل ما يملكه منتخب الأرجنتين للفوز عليها، وهذا لا يبدأ إلا بميسي.
