FBL-ENG-PR-MAN CITY-LIVERPOOLAFP

على خطى الليجا.. الدوري الإنجليزي يقر ثورة مالية ويطبق سقف الرواتب بداية من 2026

في خطوة تاريخية تترقبها الأوساط الرياضية في جميع أنحاء القارة الأوروبية، شهدت أروقة كرة القدم الإنجليزية يوم الجمعة تحولات جذرية في الهيكل المالي للبطولة الأقوى في العالم.

اجتمعت أندية الدوري الإنجليزي، لاتخاذ قرارات مصيرية تهدف إلى تنظيم الفوضى المالية التي بدأت تلوح في الأفق، حيث وافقت الأندية بأغلبية الأصوات على إدخال نظام سقف الرواتب، بالإضافة إلى إقرار قانون الاستدامة والمرونة على المدى القصير والطويل، وذلك تمهيدًا لتطبيقهما بشكل رسمي بدءًا من موسم 2026/2027.

ورغم هذا التوافق، شهد الاجتماع انقسامًا حادًا أدى إلى رفض تطبيق سقف الإنفاق الكلي، في مشهد يعكس تضارب المصالح بين الرغبة في الاستدامة المالية وبين الحفاظ على القوة الشرائية للأندية الكبرى.

  • تفاصيل التصويت

    جاءت نتائج التصويت في اجتماع الجمعة لترسم ملامح واضحة للمرحلة المقبلة، حيث حصل مقترح سقف الرواتب، على موافقة 14 ناديًا مقابل اعتراض 6 أندية فقط، وهو ما يعني أن الأندية ستكون ملزمة بإنفاق ما لا يزيد عن 85% من دخلها السنوي على رواتب اللاعبين وعمولات الوكلاء. هذا النظام الجديد يهدف إلى كبح جماح التضخم في الأجور الذي بات يهدد ميزانيات الأندية. وفي المقابل، حظي قانون الاستدامة والمرونة بدعم جماعي، وهو نظام مصمم لقياس قدرة الأندية على الوفاء بالتزاماتها المالية الحالية والمستقبلية، لضمان عدم تراكم الديون بشكل يعجز النادي عن سداده.

    أما النقطة الخلافية الأبرز فكانت حول سقف الإنفاق، والذي كان يهدف لربط الحد الأقصى لإنفاق أي نادٍ بدخل النادي صاحب المركز الأخير في الدوري من حقوق البث والجوائز المالية، مضروبًا في خمسة أضعاف. هذا المقترح سقط في التصويت بحصوله على 7 أصوات فقط، بينما كان يحتاج إلى موافقة 14 صوتًا لتمريره. ووفقًا لأرقام موسم 2023/2024، فإن هذا النظام لو طُبق كان سيحدد سقف الإنفاق بحوالي 550 مليون جنيه إسترليني، وهو ما رفضته الأندية الكبرى التي ترى فيه تحجيمًا لطموحاتها وقدرتها التنافسية في سوق الانتقالات العالمية، خاصة بعد الصفقات الضخمة الأخيرة مثل صفقة أليكساندر إيزاك التي تعكس حجم الإنفاق الحالي.

  • إعلان
  • وضع مالي هش

    الدافع الرئيسي خلف هذه التحركات العاجلة لم يأتِ من فراغ، بل كان استجابة لواقع مالي مقلق كشفته التقارير الاقتصادية مؤخرًا. فوفقًا لتقرير نقلته صحيفة "سبورت" الإسبانية، فإن الوضع المالي للأندية الإنجليزية ليس بالمتانة التي يظهر بها. التقرير كشف أن ما يقرب من نصف الأندية المحترفة في إنجلترا وويلز تحديدًا 43 من أصل 92 ناديًا تمتلك احتياطيات نقدية تكفي لتغطية نفقاتها لمدة شهر واحد فقط. هذا الوضع الهش يأتي في تناقض صارخ مع البذخ الذي تمارسه أندية الدوري الإنجليزي في سوق الانتقالات، حيث استثمرت مبلغًا فلكيًا وصل إلى 3.5 مليار جنيه إسترليني في التعاقدات الجديدة خلال الصيف الماضي.

    ويشير الخبراء الاقتصاديون، ومنهم مارك سيريا، الخبير المالي وشريك نادي برشلونة، إلى أن الدوري الإنجليزي يواجه مخاطر كبيرة رغم عدم انهياره حتى الآن. الأسباب تتعدد بين تدخل رؤوس الأموال الحكومية، والتشريعات المتساهلة، وعدم الامتثال الصارم لقواعد الربحية والاستدامة القديمة، بالإضافة إلى تضخم سوق اللاعبين. العديد من الأندية باتت تعتمد في نماذج عملها على بيع اللاعبين لسد العجز، مع وجود ديون تتجاوز 250 مليون جنيه إسترليني لبعض الأندية، في حين أن الحد الأقصى المسموح به للخسائر وفق القواعد القديمة هو 105 ملايين جنيه إسترليني على مدار ثلاث سنوات. هذه القواعد القديمة التي وُضعت في عام 2013 لم تعد تواكب التضخم الحالي، مما جعل التحديث ضرورة حتمية.

  • محاكاة النموذج الأوروبي

    أوضحت رابطة الدوري الإنجليزي في بيان لها أن الهدف من سقف الرواتب الجديد هو تعزيز تكافؤ الفرص بين الأندية الطامحة للنجاح، وتقريب النظام المالي للدوري الإنجليزي من اللوائح المعمول بها في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حيث يعمل اليويفا بنظام يحدد سقف الرواتب بـ 70% من الدخل، بينما اختار البريميرليج نسبة 85% لتكون أكثر مرونة قليلًا، مع الأخذ في الاعتبار الفوارق الكبيرة في المداخيل. القواعد المالية السابقة كانت قد عفا عليها الزمن، حيث لم يتم تحديثها لتراعي الزيادات الهائلة في نفقات التشغيل وأسعار اللاعبين والتضخم الاقتصادي العام الذي ضرب العالم في السنوات الأخيرة.

    التحول نحو هذه القواعد الجديدة يعكس رغبة الرابطة في تجنب التدخل الحكومي المباشر في إدارة كرة القدم، حيث تسعى لإثبات قدرتها على تنظيم شؤونها الداخلية بنفسها. ومع ذلك، فإن السقوط المدوي لمقترح سقف الإنفاق يوضح أن الأندية الكبرى ما زالت تمتلك اليد العليا في توجيه الدفة، حيث ترفض أي قيود قد تمنعها من استغلال قوتها المالية الهائلة لتوسيع الفارق مع المنافسين المحليين أو المنافسة بقوة في دوري أبطال أوروبا.

  • التلويح بورقة القضاء

    على الجانب الآخر، لا تمر هذه القرارات مرور الكرام دون مقاومة شرسة من الأطراف المتضررة، وتحديدًا اللاعبين ووكلاء أعمالهم. أكدت نقابة اللاعبين المحترفين قبل أيام أنها لن تتردد في اللجوء إلى المحاكم إذا لم يأخذ الدوري الإنجليزي رأي اللاعبين في الاعتبار عند وضع حدود لما يمكنهم كسبه. وفي تصريحات قوية، قال ماهيتا مولانجو، رئيس النقابة: "لدينا ميل في كرة القدم للاعتقاد بأننا فوق القانون، لكن كرة القدم ليست كذلك، والواقع هو أنه لا يمكنك تقييد قدرة شخص ما على كسب العيش".

    ولم يتوقف الأمر عند النقابة، بل دخلت كبرى وكالات إدارة أعمال اللاعبين في المملكة المتحدة على خط الأزمة، حيث أرسلوا خطابات شديدة اللهجة إلى القسم القانوني في الدوري الإنجليزي. الوكلاء أوضحوا أنهم لم تتم استشارتهم في هذه المقترحات، معتبرين أن تنفيذ هذه اللوائح الجديدة قد يشكل انتهاكًا لقانون المنافسة في المملكة المتحدة، ويمثل إساءة استخدام لموقع السلطة من قبل الرابطة. هذا التصعيد ينذر بصيف ساخن جدًا ليس فقط في سوق الانتقالات، بل في أروقة المحاكم، حيث سيتعين على الجميع الوصول إلى صيغة توافقية قبل حلول موسم 2026/2027.