لعبة كرة القدم لا تتوقف أبدًا، فبغمضة تتغير الأفكار والمنهجيات فيها، تمامًا كما حدث في الآونة الأخيرة، إذ كانت أفكار الاستحواذ والتيكي تاكا التي طبقها بيب جوارديولا في برشلونة وسار منتخب إسبانيا على نهجه، هي السائدة وبمثابة "الملكة" في عالم المستديرة، ثم بدأ أسلوب آخر جديد في البزوغ وتضائل الفكر الإسباني أمامه كثيرًا.
تيكي تاكا كان تكتيكًا تم اعتماده في جميع أنحاء العالم، فأصبح النمط القائم على الاستحواذ هو القاعدة الأساسية، ولكن الآن اختلفت الاتجاهات، ففي حين أن الاستحواذ كان الملك، يبدو أن الآن أسلوب الضغط العالي هو من اعتلى عرش كرة القدم.
لقد استُبدِلت التيكي تاكا بالضغط العالي، وبات يورجن كلوب لا بيب جوارديولا هو من يحكم المستديرة، لكن إلى متى؟ هل يبقى أسلوب الضغط العالي لفترة طويلة أم سنرى قريبًا نقلة جديدة في نمط كرة القدم؟ هل هناك ثورة تكتيكية تلوح في الأفق؟
يُجيب ياب ستام، المدير الفني السابق لفينورد عن هذه الفكرة في تصريحات لجول بقوله "لا أعتقد أن الأمر سيتغير في غضون عامين، لكنني أظن أن أهم شيء هو المدرب وكيف يريد أن يلعب".
وتابع "كمدرب عليك أن تذهب إلى ناديك وتنظر إلى فريقك وجودة اللاعبين لديك ثم تختار طريقة اللعب، وهناك مدربون أمثال يورجن كلوب وجوارديولا لديهم القدرة على شراء فريقهم الخاص الذي يتناسب مع طريقة اللعب التي يريدونها".
"في الأندية الكبرى حيث يمكنك إنفاق الكثير من الأموال، ينظرون أيضًا إلى الدوري الذين ينشطون فيه ونوع كرة القدم التي يمكن أن تجلب النتائج الإيجابية."
"إذا نظرت إلى جوارديولا، فهو يريد أن يلعب بطريقة الاستحواذ على الكرة، ولكنه تعلم أنه في الدوري الإنجليزي أنه قد يتلقى أهدافًا في الشوط الثاني، لذلك فهو الآن يختار أحيانًا أن يتراجع إلى الخلف وينتظر الوقت المناسب للضغط على الكرة والفوز بها ومن ثم يستمر على نفس النمط بعد الاستراحة".
تزامن وصول كلوب إلى الدوري الإنجليزي عام 2015 مع تحول دراماتيكي نوعًا ما في كرة القدم بإنجلترا، استغرق الأمر منه بعض الوقت حتى يقوم الألماني ببناء فريقه، ولكنه حوّل الآن ليفربول ليصبح أفضل نادٍ في بلاده وبات على أعتاب أول لقب للدوري له منذ 30 عامًا.
Getty Imagesهُزم الريدز مرتين فقط في البريميرليج الموسم الماضي، بينما لم يُهزم في أنفيلد منذ أبريل 2017، لقد قام كلوب ببناء فريق صلب يعتمد على ظهيرين من طراز رفيع وعمود فقري قوي مع أجنحة خطيرة وخط هجومي يقوده محمد صلاح وساديو ماني وروبيرتو فيرمينو وهو قابل للتبديل وكذلك مليء بالركض.
كلوب تحدث عن طريقة لعبه وقال "نظامنا عندما نلعب بثلاثي في المقدمة يُشبه إلى حد كبير طريقةdiamondيمكنها أن تكون 4/5/1 أو 4/3/3، أُفضِّل بالطبع 4/2/3/1 و4/4/1/1 ، أُفضِّل أن أسيمهما بالنظام الجيد".
"لكن الأمر لا يتعلق بالنظام، إنه يتعلق باللاعبين، وظيفتي هي جلب أفضل ما في اللاعبين ليتسنى لهم من خلال ذلك أن يساعدوا الفريق بأكثر ما يمكنهم القيام به."
من الواضح من مشاهدة ليفربول أن الرغبة في استعادة الكرة بسرعة ورفع مستوى اللعب هو أمر يتمرن عليه اللاعبون بصورة مستمرة في تدريبات يورجن كلوب.
لم نشهد هذا التحول التكتيكي الهائل في ليفربول فقط في السنوات الأخيرة، حاول أوناي إيمري فعل الأمر ذاته في آرسنال ولكنه فشل، ويرجع ذلك إلى أن المدرب الإسباني لم يمتلك لاعبي منتصف الملعب القادرين على اللعب بهذا الأسلوب، كما حقق رالف هازنهوتل نجاحًا نسبيًا مع ساوثامبتون بنفس قالب كلوب، بينما هيّمن مارسيلو بيلسا مع ليدز على دوري الدرجة الأولى الإنجليزي بهذه الأفكار.
ليس هناك شك في أن وتيرة المباريات قد تسارعت على مدار السنين ويعتقد الكثيرون أنه سيكون من الصعب على اللاعبين الشباب القادمين حاليًا من الأكاديميات أن يصلوا إلى المستوى الأعلى في المستقبل إذا لم ينعموا بصفقات النخبة الرياضية.
عمر رضا، المسؤول عن فريق واتفورد تحت 23 عامًا يقول عن هذا الأمر "أعتقد أن كرة القدم ستتغير دائمًا. الشيء الوحيد الواضح أنها باتت أكثر سرعة وأقوى من الناحية الجسدية وأظن أنه لاعب النخبة أصبح يحتاج إلى أن يمتاز بهذه الصفات ليستطيع اللعب في المستويات العالية".
وأضاف "على مستوى الشباب هناك هدفان، أحدهما هو رفع رغبة وضغط اللاعبين تحت 23 عامًا للعب في الفريق الأول، والثاني هو تطوير الأساسيات في الصغار حتى يكونوا مستعدين للتعامل مع قسوة كرة القدم المحترفة مع وجود فهم تكتيكي لديهم".
"أحاول التركيز على كل شيء كمدرب، كثافة الجلسات مع اللاعبين أمر بالغ الأهمية، فإذا لم تفعل فإنهم سيضيعون عند وصولهم إلى الفريق الأول."
Alan Cozzi/Watford FC"لذا أحاول تنفيذ بذلك بأكبر قدر ممكن من استطاعتي، من الحكمة أن يتدرب اللاعبون على مستوى يتم تكراره عندما يلعبون مع الفريق الأول، ومن الناحية التكتيكية ينبغي حقًا أن يدركون كيف يتغلبون على الخصوم وكيف يمكنهم التعامل معهم وكيف يمكنهم إجراء تغييرات للفوز."
ويواصل رضا حديثه الشيق "الشيء الوحيد الذي نحن متيقنون منه أن اللاعب لن يلعب لفترة طويلة تحت قيادة نفس المدرب أبدًا، لذلك ينبغي عليهم أن يكونوا قادرين على التكيف، وأن يكونوا قادرين على اللعب في ظل طرق مختلفة وفي مراكز مختلفة أيضًا".
"لذلك فمن المهم ألا تمنح اللاعبين الصغار فهمًا ضيقًا لكرة القدم، يجب أن تمنحهم نظامًا واسعًا وتعرضهم لأنواع مختلفة من طرق اللعب وأنواع مختلفة من التكتيكات على مدار الموسم."
"في واتفورد، نحن بالتأكيد نقدم ذلك في مناهجنا بقطاعات الناشئين، يمكننا أن نلعب بنظام في مرة ثم نغيره في المرة التالية، والأمر نفسه ينطبق على الأفكار التكتيكية فيما يتعلق باللعب بكثافة عالية أو متوسطة أو ضغط عالٍ، الأكيد أننا نقدم مجموعة كاملة من الطرق المختلفة لتعلم كرة القدم بحيث يكون اللاعب قادرًا على التكيف".
تظل القدرة على التكيف مع الأنماط المختلفة في كرة القدم سمة رئيسية هذه الأيام لأي لاعب إذا ما أراد الاستمرار طويلًا وبناء مسيرة ناجحة مع أندية في مستوى عالٍ، وكما يقول رضا، فإن العمر القصير لأي مدرب في مركزه هو حقيقة الآن مما يعني ضرورة تكيف اللاعبين مع الفلسفات المختلفة.
وبينما قد يكون فن الضغط العالي بمفهوم كلوب هو اختيار عدد كبير من المدربين حاليًا، فهناك آخرون سيرون الأشياء دائمًا بعيون مختلفة.
ستام، الذي استقال من منصبه كمدرب لفينورد في أكتوبر الماضي، لعب تحت مدربين أمثال السير أليكس فيرجسون وكارلو أنشيلوتي وروبيرتو مانشيني في مسيرته الطويلة كلاعب بالملاعب، لكنه لا يزال يؤمن بأسلوب الاستحواذ الذي نشأ يتعلمه منذ أن كان طفلًا في هولندا.
إنه أسلوب جلبه معه إلى ريدينج في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي عندما كان مدربًا له في 2016 وجعله قاب قوسين أو أدنى من التأهل إلى البريميرليج قبل الخسارة بركلات الترجيح في الملحق على يد هدرسفيلد تاون.

صاحب الـ47 عامًا قال "لست من محبي النسخ في كرة القدم، أحب أن يلعب فريقي بطريقة الاستحواذ على الكرة والحصول على الكرة وتحريكها سريعًا إذا كانت الفرصة مواتية لخلق الفرص وتسجيل الأهداف".
"عندما تكون لاعبًا ثم تتحول إلى مدرب فأنت تبدأ في إنشاء فلسفتك الخاصة وطريقتك في التفكير بشأن الكرة، بالطبع ستتذكر بعض المدربين الذين عملت معهم وكيف تعاملوا مع المباريات أو التدريبات، لكنني نادرًا ما استخدمت ذلك لنفسي."
ويُكمل "عندما انضممت إلى ريدينج، أمضيت وقتًا طويلًا أتابع مباريات الفريق قبل التوقيع على العقد، نظرت إلى طريقة لعبهم ورأيت أنهم يلعبون بطريقة 4-4-2 في كثير من الأحيان، هم مباشرون جدًا ولا يحاولون الاحتفاظ بالكرة لمدة طويلة".
"عندما ذهبت إلى هناك حاولت حفر طريقة تفكيرنا في الفريق، لقد نجحت في الكثير من المباريات، وأحيانًا لم تنجح أيضًا، لكن هذا أمر طبيعي مع كل فريق عندما تحاول اللعب بطريقة معينة."
"إنها مقامرة دائمًا من حيث الكيفية التي ستعمل بها، هل سيحبها اللاعبون؟ هل سيشعرون بالثقة؟ لكننا جعلنا الأمر شيئًا يستمتع به اللاعبون وبدأوا يؤمنون به. في بداية الموسم لم يكن الأمر سهلًا لهم، لكن في النهاية بات أسهل، وفزنا بالكثير من المباريات في الموسم الأول."
إحدى أكبر التغييرات التي شهدتها كرة القدم في السنوات الأخيرة هي الطريقة التي طُلِب من حراس المرمى اللعب بها، فبات لا يكفي أن تتصدى جيدًا للكرات إذا ما أردت البقاء في القمة، ويمكنك سؤال جو هارت مثلًا عن ذلك.
في الوقت الحاضر أصبح من الضروري أن يستطيع حارس المرمى اللعب بقدمه ويبني الهجمة من الخلف من أجل المساهمة في الهجمات والتعامل مع الضغط أيضًا واختيار الوسيلة المناسبة لاستعادة الهجمة لفريقه بالتمرير الدقيق.
ساعد التعاقد مع أليسون على تحويل ليفربول، بينما استفاد مانشستر سيتي كثيرًا منذ جلب جوارديولا له من بنفيكا في 2017.
يوضح يورجن ماتشو، حارس تشيلسي السابق ورابيد فيينا الحالي لجول "أصبح حارس المرمى العصري الحديث أكثر اندماجًا في كرة القدم الآن. إنهم يلعبون دورًا كبيرًا كرة القدم خلال المباراة حقًا".
- اقرأ أيضًا.. مصير دوري السوبر الأوروبي هو الذي سيُحدد مصير كرة القدم!
Getty"إنهم الآن مندمجون في التكتيكات، من الناحية الفنية ينبغي أن تكون قادرًًا على اللعب وهذا هو الاتجاه الآن في كرة القدم، تحتاج أيضًا إلى أن تكون أكثر لياقة."
"بالنسبة لي، لا يزال من المهم أن يحتفظ الحارس بقدرته على التصدي للكرة جيدًا، هذه هي المهمة الأساسية للحارس، هذا الجزء لن يتغير أبدًا، ولكن الآن عليك أن تمتاز بكليهما، التصديات والتمرير."
أما ستام، فقال "في طريقتي للعب حارس المرمى مهم للغاية، قبل ذلك كانوا يُستخدمون فقط من أجل الدفاع وصد الكرة وركلها إلى الأمام، ولكنهم الآن بحاجة إلى بناء اللعب واتخاذ الخيارات الصحيحة مع الكرة وهي عند أقدامهم".
"هناك الكثير من الاهتمام بالأمر الآن، ومن الجميل أن تذهب الكرة إلى الحارس بحيث يمكنه لعبها والاختيار الصحيح بتمريرها إلى أحد زملائه بدلًا من مجرد رميها في الهواء."
تعكس الطريقة التي تغير بها فن حراسة المرمى في السنوات الأخيرة التحول الذي شهدناه جميعًا في جميع جوانب التدريب في كرة القدم، الأساليب المجربة والمختبرة ستظل ثابتة دومًا، لكن الأفكار الجديدة والفلسفات الشابة ستضمن استمرار تطور الكرة.
ستام يتوقف أن المستقبل سيحتوي على الكثير من التغييرات ويقول "أعتقد أن المدربين سيفكرون أكثر وأكثر في التكتيكات خلال السنوات المقبلة".
"فيما يتعلق بالمدربين السابقين الذين ظهروا بأداء جيد وفازوا بالكثير من البطولات، فإن الكرة تتغير طوال الوقت، أصبح اللاعبون أسرع، وهم رياضيون أقوى وأفضل مقارنةً بالسنوات الماضية وهناك المزيد على المحك من حيث المال."
"لذا يُفكر الناس أكثر فأكثر في التكتيكات وما يمكنهم القيام به."




