"لا يمكنك الحصول على أفضل النتائج من خلال ضربهم بعمود حديدي، يمكنك القيام بذلك من خلال اكتساب احترامهم وتعويدهم على الانتصارات وإقناعهم بأنهم قادرون على تحسين أدائهم". من كتاب "القيادة" لأسطورة تدريب مانشستر يونايتد السير ألكيس فيرجسون.
يبدو أن إريك تين هاج تعلم الدرس جيدًا في محاولته للسير على خطى فيرجسون لقيادة مانشستر يونايتد لأمجاد الماضي القريب.
بغض النظر عن نتيجة مباراة - مساء اليوم - مع آرسنال فمن الواضح أن الشياطين الحمر يسيرون بخطى ثابتة نحو العودة للريادة في إنجلترا عكس السنوات الماضية التي شهدت تخبط متواصل مع خمس مدربين مختلفين بطرق تكتيكية مختلفة.
لكن لماذا هذه المرة الأمور تبدو مختلفة في الشق الأحمر من مدينة مانشستر بعد 10 سنوات غابرة!.
تغير العقلية "مانيفستو تين هاج"
خلال سنوات عجاف ساد فيها الحديث عن ضعف شخصية ديفيد مويس، ثم قوة الشخصية الزائدة للهولندي لويس فان خال، ومؤامرات جوزيه مورينيو، ثم إزدواجية المعيار مع أولي جونار سولشاير، جاء تين هاج لإرساء قواعده مبكرًا.
أولًا.. لحل المشكلة عليك تحديدها ومعرفة أسبابها، المدرب الهولندي فتش في الماضي، ونظر للحاضر وعرف أن أول مشكل ستواجهه هي استعادة شخصية الفريق، وفرض النظام المفقود في كارينجتون منذ نهاية حقبة فيرجسون.
"لم أر أي ديناميكية في الفريق كانت المرونة العقلية منخفضة للغاية لقد رأيت ذلك كغريب - ولاحظته أيضًا في الأسابيع الأولى لي في الفريق، نظرت إلى ثقافة النادي وسألت كيف أصبح مانشستر يونايتد عظيماً؟، وبالنسبة لي كان الأمر يتعلق بالسير أليكس فيرجسون، تميزت فترته بالعمل الجماعي والروح، عندما نحصل على لاعبين، فنحن ننظر إلى جودتهم ومهاراتهم الفنية، لكن يجب أن تنظر أيضًا إلى جودتهم العقلية، - تلك المرونة العقلية - وكان علينا إعادة ذلك". هكذا رأى تين هاج في لاعبي فريقه بعد قيادة النادي الإنجليزي، مجموعة من اللاعبين أصحاب الجودة الرائعة، لكن بعقلية ضعيفة فأتى دوره لتصحيح الأوضاع فكيف تصرف!.
ثانيًا.. تحديد الأسباب الجذرية، بعد أن وضع الهولندي يده على مشكلة اليونايتد مع من سبقوه، جاء الوقت ليضع يده على الأسباب من أجل وضع حل.
"أعتقد أن إحدى القضايا عندما تريد الحصول على نتائج هي أنك بحاجة إلى فريق يجمع بين التنظيم والتعاون، كما أنك بحاجة إلى الانضباط، عندما لا يكون هناك انضباط من حولك، فلن تجده على أرض الملعب أيضًا مثل هذه المشاكل أراها شديدة للغاية، لكنني أعتقد أنه يجب على اللاعبين أنفسهم أن يكونوا قساة مع بعضهم البعض لأنهم إذا أرادوا تحقيق النجاح فعليهم أن يتماسكوا معًا، في بعض الأحيان تكون هناك حاجة للتصحيح" هكذا جاءت تصريحات الهولندي بعد أسابيع فقط من تدريب اللاعبين، فما هو الحل!.
ثالثًا .. تخطيط الحل وتنفيذه ففرض تين هاج نظام صارم أنهى وقت كريستيانو رونالدو مع الفريق مبكرًا، وأبعد ماركوس راشفورد عن التشكيل الأساسي في أحد مباريات الدوري الإنجليزي بسبب تأخره على المحاضرة الفنية لـ10 دقائق، ومنع آخر من حضور حفل زفاف صديقه، هكذا جاءت مشاهد فرض الانضباط داخل غرفة ملابس اليونايتد.
ويبدو أن "مانيفستو تين هاج" جاء بثماره وهو ما أثبتته تصريحات برونو فيرنانديش: "إن الانضباط الذي قدمه المدرب للجميع قد غير عقلية النادي بأكمله، وليس فقط اللاعبين".
تين هاج فلسفة تدريبية جوارديولية!
في تصريحات تعود لعام 2019 قال المدرب الهولندي: "لقد تعلمت الكثير من جوارديولا فلسفته مثيرة ، ما فعله في برشلونة وبايرن والآن مع مانشستر سيتي، هذا الأسلوب الهجومي والجذاب يجعله يفوز كثيرًا، إنه هذا الهيكل الذي حاولت تنفيذه مع أياكس".
لكن بعد العمل بالفعل مع لاعبي مانشستر يونايتد يبدو أنه قد يغير أفكارها لو قليلًا خاصة بعد ما شاهده من لاعبي فريقه في التدريبات الأولى لهم، والتي جعلت العديد من الجماهير يشعرون باستياء كبير من قدرات اللاعبين المتدنية.
فبعد هزيمة مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا بثلاثية لهدف خرج تين هاج أمام وسائل الإعلام ليقول: "يجب أن يكون نهجًا استباقيًا، وكرة قدم استباقية، ويجب أن يتفوقوا ويتحكموا في المباريات ضد جميع منافسينا، لذلك يجب أن يكون على أعلى مستوى هذا تحدٍ رائع، لذلك عندما تطبق فلسفة التدريب في الفريق، سيتقدم اللاعبون إلى آفاق جديدة".
الشياطين الحمر بدأوا الدوري بصورة مزرية، هزيمة من برايتون في أولد ترافورد ثم فضيحة برباعية أمام برينتفورد، لكن سرعان ما تحسنت النتائج، وبعد 19 مباراة في البريمييرليج يتواجد اليونايتد في المركز الثالث خلف مانشستر سيتي الوصيف، وآرسنال المتصدر، والذي تمكن من الفوز على كليهما بالفعل، لكن كيف يعمل اليونايتد على أرض الملعب؟.
على المستوى الهجومي استخدم المدرب الهولندي، سرعات ماركوس راشفورد من أجل الهبوط إلى وسط الملعب لاستلام الكرة، مما يوفر عمليات اختراق في الخلف والقدرة على قيادة الضغط العالي أو الضغط المضاد، وأثبت الإنجليزي الدولي فعالية في توقيت حركته نحو الكرة، وكان برونو فيرنانديش هو المستفيد الرئيسي، مستفيدًا من المساحة الموجودة في مناطق عمق الخصوم، ومع قدوم كاسيميرو أحدثت قدرة البرازيلي على توزيع اللعب وإيقاف الخصوم، وارتكاب الأخطاء التكتيكية واستعادة الكرة، فرقًا كبيرًا في يونايتد على مستوى الاستحواذ على الكرة، ومع المحور المزدوج لكاسيميرو وإريكسن، تحسن بناء يونايتد بشكل كبير، وحتى بالمقارنة مع بداية موسم 2022/23 أكد الفريق أنهم أصبحوا أكثر كفاءة عندما يكون لديهم الكرة على عكس ما حدث في أول مباراتين بالدوري حيث استحوذ يونايتد على 62٪ أمام برايتون و 65٪ أمام برينتفورد، لكنه خسر تلك المباراتين 2-1 و4-0.
وتوفر مرونة فيرنانديش وإريكسن في نصف الملعب مع صلابة كاسيميرو، كثافة عالية لمانشستر في مناطق الهجوم، خاصة عندما يتحول لاعب الوسط الهولندي لمركز (8) عندما يستحوذ الفريق على الكرة وهذا يوفر مساحة أكبر لكاسيميرو ويمنح زملائه الأعمق أيضًا خيار تمرير أمامي آخر في المساحات المركزية، والنتيجة هي أن يونايتد بقيادة تين هاج يلعب المزيد من التمريرات العمودية ويتحرك من الخلف إلى الأمام بسرعة وكفاءة أكبر.
المشروع الهولندي في أولد ترافورد
"إعادة مانشستر إلى القمة هذا هو المشروع، لكن علينا أيضًا أن نقبل بالوضع الراهن قبل كل شيء يونايتد ينتمي إلى دوري أبطال أوروبا، لذا فإن هذا سيكون هدفنا الأول، علي أن أتعلم وأن أتأقلم لكن علي أيضًا أن أبقى كما أنا، مقتنع بأننا نستطيع الوصول إلى الهيكل وطريقة اللعب التي نرغب بها إذا أنجزنا هذه المهمة، وتواصلنا مع اللاعبين فإننا سنحقق هذا النجاح مثلما أريد الفوز، فالفوز هو الشيء الأكثر أهمية، لكنني أيضًا أعتزم تنفيذ ذلك بطريقة محددة وبطريقة هجومية، إذا لم نستطيع إنجاز الأمر بهذه الطريقة، سيظل لزامًا علينا تحقيق الانتصارات، هذا ما ينبغي علينا زرعه في الفريق".
مع مرور حوالى 6 شهور فقط من تواجد تين هاج على رأس القيادة الفنية لمانشستر يونايتد، لا تزال ملامح المشروع الواضحة، هي أقل بكثير من ما قد نراه في المستقبل.
تين هاج بالفعل يعمل مع الفريق لتطبيق نظام لعب إستباقي هجومي، وحقق الفوز على مانشستر سيتي وليفربول وآرسنال، ويتواجد في المركز الثالث بترتيب الدوري مع الوصول إلى نصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية والدور الرابع من كأس الاتحاد الإنجليزي، ودور الـ16 من الدوري الأوروبي.
تين هاج في تصريحات بعد توليه القيادة الفنية: "يجب أن أقول إن لدي إيمان قوي، هذا تحدٍ كبير لكن حتى الآن أينما كنت حصلت على أقصى استفادة من فريقي هذا المشروع هو الأصعب أدرك ذلك أعلم أنها ليست مهمة سهلة لكنني هنا لذلك أنا مقتنع أنني أستطيع القيام بذلك، لدي استراتيجية إنها عملية تستغرق وقتًا لكن في النهاية علينا أن نتأكد منذ البداية من وجود فريق فائز". هكذا تحدث تين هاج في أول مقابلة صحفية مع موقع مانشستر يونايتد الرسمي عقب تولي مسؤولية النادي".
الفريق بالفعل يسير بخطوات ثابتة، مع فعالية في النتائج، مما يعني أن الهولندي كان وفي لكلمته، بزرع روح الانتصار، مع جمهور اعتاد على القمة، ولن يصبر على مشروع يسير ببطئ أو تذبذب في النتائج، وهو ما يحدث الآن.
وفي النهاية تظل هذه الكلمات سهلة ومشرقة، لكن النتائج هي التي ستثبت إما نجاح التجربة، أو تبقى الأوضاع كما كانت عليها بعد حقبة فيرجسون في مسرح الأحلام.


